كركوك .. التنوع المُقلق

9917 مشاهدة
11:18 - 2023-09-08
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تقارير وتحقيقات

يصفها البعض بالقنبلة الموقوتة وآخرون يصفونها بانها قدس العراق .. محافظة كركوك وهويتها الضائعة مازالت قلقة غير واضحة المعالم سياسيا على اقل تقدير، بسبب تنوع مكوناتها ونفطها والعيون التي ترقب كسر جناحها مجتمعيا لتنقض عليها ، لم تترجم هذه المحافظة تنوع مكوناتها ما بين عرب واكراد وتركمان الى نسيج لعراق مصغر تسوده الالفة والتآخي والعيش المشترك الذي ينشده كل عراقي، وليس بالضرورة ان يكون سبب ذلك مكوناتها المجتمعية ،لابل على العكس، لكن السياسة هي من تتحكم بهذا النسيج وتحركه كما الدمية تتنازعها خيوط القوميات .
كركوك الغنية بالنفط والصورة المصغرة لتنوع المكونات العراقية مازالت محل توتر وتجاذب مستمرين بين الحكومة المركزية و واقليم كردستان، لما تمثله من مخزون نفطي هائل، حيث تشير التقديرات إلى أنها تنتج 40% من إجمالي النفط العراقي، و70% من الغاز الطبيعي الذي ينتجه العراق.

وعلى خلفية النزاع المستمر حول هذه المحافظة بين حكومة المركز واقليم كردستان الذي امتد منذ الغزو الامريكي للعراق العام 2003 ومابعده ،وضعت كركوك بموجب المادة 140 من دستور العراق الذي أقر في 15 تشرين الأول 2005 ضمن ما تسمى المناطق المتنازع عليها بين السلطة المركزية في بغداد وإقليم كردستان العراق، وهي المناطق التي وصفها رئيس الوزراء العراقي الاسبق حيدر العبادي، بأنها مناطق محتلة من قبل الإقليم الذي استولى عليها منذ عام 2003 بشكل تدريجي، مستغلا انشغال القوات العراقية بمحاربة الإرهاب.

عود سبب الصراع على كركوك وبحسب محللين سياسيين ومراقبين، الى كونها  تمتلك حقولا نفطية مهمة تضم 196 بئرا نفطية، (حقل باي حسن 35 بئرا ، حقل جمبور 16 بئرا) ومازالت المحافظة محل صراع بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان

وبموجب هذا البند تتولى الحكومة الاتحادية إدارة هذه المحافظة، لكن الواقع على الأرض يظهر أن الكرد عملوا ومنذ الاحتلال الأميركي، وحتى قبله، على فرض هيمنتهم عليها، حيث عملت الأحزاب الكردية طوال تلك الفترة على ربطها بالمناطق ذات الأغلبية الكردية، على غرار محافظات كردستان الثلاث (السليمانية، أربيل، دهوك) ، واتسعت هيمنة الكرد على كركوك ابان اجتياح تنظيم داعش لأجزاء كبيرة من شمال وغرب البلاد، حيث تمكنت قوات البشمركة من دخول المحافظة في حزيران 2014، بعد طرد التنظيم منها .
يُتهم الكرد بإحداث تغيير ديمغرافي في  هذه المحافظة بهدف ضمها لإقليم كردستان، وهو ما أشار إليه أرشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية بالقول : "إن السلطات الكردية في المحافظة تعمل على تغيير التركيبة السكانية ، مضيفا ان الحزب الديمقراطي الكردستاني وفي إطار استعداداته للانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 18  كانون الأول 2023 في جميع أنحاء العراق، يريد استعادة مبانيه القديمة في كركوك" بحسب قوله.

في العام 2014 انتشرت قوات البيشمركة في مقرات عسكرية أخلاها الجيش العراقي بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي، حيث  سيطرت قوات "البيشمركة" فعليا على محافظة كركوك مدة ثلاث سنوات.

وعقب "استفتاء الاستقلال" الذي أجرته إدارة الإقليم عام 2017 ومحاولتها ضم كركوك، دخل الجيش العراقي الى المحافظة وأنهى سيطرة البيشمركة، وأخلى مبنى الحزب الديمقراطي الكردستاني وحوله إلى مقر لقيادة العمليات، خلال فترة حكم رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي.

كشفت الأحداث التي شهدتها محافظة كركوك منذ 25 آب 2023 عن خلافات عميقة بين الأحزاب والمكونات السياسية في المحافظة، والتي ابتدأت بتظاهرت لمكوني العرب والتركمان اغلق على اثرها المتظاهرون طريق كركوك – اربيل، وتصاعدت وتيرة الاحداث بعدها بايام حيث قتل أربعة أكراد على الأقل وأصيب 16 شخصا آخرون، واندلعت صدامات خلال التظاهرات بين المكونين العربي والتركماني من جهة وبين الاكراد من جهة اخرى ما اضطر السلطات المحلية في المحافظة الى فرض حظر للتجول بعد أيام عدة من التوتر اعتقل على اثرها 31 شخصا من المتظاهرين بينهم 5 مسلحين .

يعود سبب الصراع على كركوك وبحسب محللين سياسيين ومراقبين، الى كونها  تمتلك حقولا نفطية مهمة تضم 196 بئرا نفطية، (حقل باي حسن 35 بئرا ، حقل جمبور 16 بئرا) ومازالت المحافظة محل صراع بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان.

ما الذي حدث في كركوك؟
نظم محتجون من المكونين العربي والتركماني اعتصاما قرب المقر العام لقوات الأمن العراقية في محافظة كركوك، إثر معلومات مفادها أن رئيس الحكومة محمد السوداني، أمر بتسليم هذا المقر إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سبق أن شغله، واحتفلت الإدارة الكردية بعودة المقر إلى سيادتها بإصدار طابع يحتوي على صورة لتمثال يخلد القوات الكردية (البيشمركة) في كركوك وهو يحمل علم إقليم كردستان وكتب تحت الصورة "كركوك هي كردستان" ، ما أثارمظاهر الرفض من قبل العشائر العربية والمكوّن التركماني في المحافظة.

الشرارة الاولى ..
عصريوم السبت، 2 ايلول 2023 ، احتشد متظاهرون كرد وحاولوا الوصول إلى المقر العام للحزب الديمقراطي الكردستاني  بعد ان قررت بغداد تسليمه إلى الحزب وفق اتفاقية سبقت تشكيل حكومة السوداني , حيث كانت الحكومة المركزية تعتزم إعادة المبنى إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في بادرة حسن نية، لكن العرب والتركمان الرافضين للخطوة نصبوا مخيما أمام المبنى احتجاجا على تسليم المبنى خوفا من أن يكون تسليمه تمهيدا لدخول قوات البيشمركة الى كركوك التي تعد جغرافيا خارجة عن حدود الإقليم.

رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، اتهم في بيان له، المتظاهرين العرب والتركمان قائلا: "قامت مجموعة من قطاع الطرق ومثيري الشغب بقطع الطرق بين أربيل وكركوك بحجة منع افتتاح مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك" ، مضيفا بان المتظاهرين "لا يسمحون للمواطنين بممارسة حياتهم اليومية وخلقوا وضعا متوترا وخطرا لسكان كركوك".

ان قضية كركوك باتت معقدة اكثر من ذي قبل وقد تنذر بتفجر وضع امني لايمكن تداركه ،بسبب التنوع الموجود في المحافظة وعدم تطبيق الدستور العراقي الذي يضمن حل الازمة من خلال تطبيق المادة 140 التي تتضمن التطبيع وعودة المهجرين والسكان الأصليين من المحافظة

واضاف بارزاني وفقا للبيان : "من المثير للدهشة أن القوات الأمنية والشرطة في كركوك لم تتمكن في الأيام القليلة الماضية من منع الفوضى والسلوك غير القانوني للذين قطعوا الطريق، أما اليوم فقد تم استخدام العنف ضد الشباب الأكراد والمتظاهرين في كركوك".

ودعا رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى التدخل الفوري للسيطرة على هذا الوضع غير المقبول" ،قائلا : "نهيب بالمواطنين الأكراد المضطهدين في كركوك ممارسة ضبط النفس والابتعاد عن العنف".
كما دخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على خط الازمة ودعا إلى الابتعاد عن أي ممارسات من شأنها تغيير التركيبة الديمغرافية لمدينة كركوك العراقية، من أجل الحفاظ على السلام في المنطقة، مشيرا الى  ان كركوك هي موطن التركمان، ومنطقة تعيش فيها الثقافات المختلفة بسلام لمئات السنين، ولن نسمح بزعزعة أمنها ووحدة أراضيها، بحسب تصريحه.

فيما وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بـتشكيل لجنة تحقيق، متعهدا بمحاسبة المقصرين الذين تثبت إدانتهم في هذه الأحداث وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل ، ودعا في بيان أصدره مكتبه الاعلامي "جميع الجهات السياسية والفعاليات الاجتماعية والشعبية إلى أخذ دورها في درء الفتنة والحفاظ على الأمن والاستقرار والنظام في محافظة كركوك"، بالإضافة إلى "الشروع بعمليات أمنية واسعة في المناطق التي شهدت أعمال شغب لغرض تفتيشها بالشكل الدقيق".

بدوره دعا رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد،الجميع إلى تغليب مصلحة الشعب واستقرارالبلاد على أية مصالح أخرى .

رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني أكد أن محافظة كركوك بحاجة إلى تطبيق القانون والدستور وليس إلى مزيد من الاعمال غير القانونية، داعيا القوات الامنية بالمحافظة إلى حماية أمن جميع مكونات كركوك دون تمييز وتقديم مطلقي النيران على المتظاهرين للمساءلة.

كما ذكر بيان لمحافظة كركوك، أنه بعد اتصال هاتفي مع السوداني أعلن محافظ كركوك، راكان سعيد الجبوري، التريث في إخلاء مقر العمليات في كركوك مشيرا إلى أن "المتظاهرين قرروا رفع الخيم وإنهاء اعتصامهم وفتح الطريق.

التوقيت المسبق ..
يرى مراقبون ، بأن ما حدث في كركوك مؤخرا يعود إلى خلفيات سياسية، وليس مجرد تحرك عفوي لمواطنين ، ويؤكدون ان"من قاموا بنصب الخيام وإغلاق طريق كركوك - أربيل من العرب والتركمان لا يمثلون الأهالي، بل هم أشخاص متحزبين عائدين لأحزاب تركمانية وعربية سنية وشيعية ، وفي المقابل فان الكرد الذين شاركوا في المظاهرات هم ليسوا مواطنين عاديين ايضا، بل هم مدفوعون من قبل أحزاب كردية، بحسب قولهم ، فيما يرى رعد سامي العاصي، وهو عضو وناشط سياسي ضمن العشائر العربية في كركوك، أن "أغلب المتظاهرين هم من المدنيين والسكان وان بعض الأحزاب تستغل التظاهرة لاغراض سياسية، خصوصا ونحن مقبلون على انتخابات مجالس المحافظات" بحسب قوله.

وفي ظل تطورات الاحداث الاخيرة ،يبدو ان قضية كركوك باتت معقدة اكثر من ذي قبل وقد تنذر بتفجر وضع امني لايمكن تداركه ،بسبب التنوع الموجود في المحافظة وعدم تطبيق الدستور العراقي الذي يضمن حل الازمة من خلال تطبيق المادة 140 التي تتضمن التطبيع وعودة المهجرين والسكان الأصليين من المحافظة.

ان استمرار الصراع السياسي على المحافظة ومنذ سنين يتعلق بذات الصراع الداخلي في العراق وهو صورة مركزة للصراع السياسي الذي تشهده البلاد عموما بسبب تخبط السياسات الحاكمة والحكومات المتعاقبة

وتنص المادة 140 من الدستور العراقي على تطبيق مجموعة من الخطوات لتسوية الأوضاع في المناطق التي شهدت تغييرات ديمغرافية بين عامي 1968 و2003، وذلك من خلال تطبيع الأوضاع، وإجراء تعداد سكاني، وإجراء عملية استفتاء لتحديد مصير المناطق المشمولة، خاصة محافظة كركوك ، حيث تألفت لجنة دستورية لتنفيذ تلك المادة  في عام 2006، وتركز عملها في إعادة وتعويض العوائل المتضررة نتيجة ترحيلها من مناطق سكناها وذلك بسبب سياسات التغيير الديمغرافي لنظام السابق، لكن مواقف المكونات العراقية تختلف على تطبيق المادة 140 من الدستور ، إذ يرفضها التركمان والعرب، فيما يتمسك الأكراد بتطبيقها.

ان تنوع المكوّنات القومية في كركوك مابين عرب وتركمان وكرد ومكونات اخرى يبدو مقلقا الى حد ما ، بخلاف ما ينظر اليه على انه تنوع لنسيج عراقي متعايش مجتمعيا على الاقل، فاستمرار الصراع السياسي على المحافظة ومنذ سنين يتعلق بذات الصراع الداخلي في العراق وهو صورة مركزة للصراع السياسي الذي تشهده البلاد عموما بسبب تخبط السياسات الحاكمة والحكومات المتعاقبة، فضلا عن أزمة المنظومة العراقية الحاكمة برمتها والتي شابها الكثير من الفساد .

 ان تعليق قضية كركوك وتسويفها الى آجال غير مسماة وتسويفها يولد بين الحين والاخر ضغطا ينفجرهنا وهناك والضحية هو الشعب العراقي بكل مكوناته، فكل الحكومات التي تعاقبت بعد العام 2003 لم تحسم وضع هذه المحافظة المتوترة  على الدوام ، وعلى مايبدو انها خضعت لمساومات وباتت ورقة سياسية يلعب عليها الاقليم والمركز وتعلب بها الاهواء السياسية والنفوذ الخارجي ، لان كل هؤلاء لايريدون هوية وطن واحد بألوان متعددة .

اختيار المحررين