يوميات عيادة

10:44 - 2021-04-21
طالب المحسن

- رحيم موات

إسمهُ أربكني ومع تكرار المراجعات صرت أخطأ فيه، السبب هو اهتمامي بموضوعة الموت الرحيم وإلقائي محاضرات بذلك وحتى أضعُ الحمل عني فاتحتهُ بهذه المفارقة، لم يكن على إطلاع بهذه الفكرة لكنه في المراجعات التالية أثبت لي إنه قرأ الكثير بل صار مهتما ثم بعدها بأشهر صار يتحدث عن اللامعنى واللاجدوى وعن إعتباط الحياة وصور فلسفية مغلفة بسوداوية قاتمة. 

الحقيقة خفتُ عليه وكأني شعرت بالذنب لأني زرعتُ في دماغه بذرة غريبة إلى إن جائني ذات مراجعة وهو يتحدث عن إنهاء الحياة ووضع حد لكل هذا
قلت له : لكن هذا يعتبر إنتحارا وليس موتا رحيماً لم يجبني بل أنصتَ ببرود لكلماتي وغادر . 

لم يراجعني في التوقيتات المحددة بل إختفى تماما وأنا لا اعرف رقم هاتفه لكني اتذكر ألحي الذي يسكنه، دخلت منطقتهم، وعادة تستقبلك المدن باليافطات السوداء وهي تنعي موتاها، سلوك ظل سائدا منذ الحروب القديمة، قوة خفية سيطرت عليَّ أجبرتني أن أركن سيارتي وأقرأ اليافطات كلها وكانت المفاجأة التي أبقتني متسمرا في مكاني، لا وجود لإسمه، هذا كل ما في الأمر ، نهاركم سعيد.

- السيد شهاب 

دخل السيد شهاب العيادة ، رجل في منتصف الستينات، حفر الدهر على قسماته، بل بدى ان الدهر يلهو به، يسحب جسده بتثاقل، وحين تحدث، شكى من كل شيء.
- حسنا، سيد شهاب، يبدو انك مارست اعمالا شاقة في حياتك
- أبداً دكتور فأنا لم أعمل شيئاً
- كيف؟، سألته بتعجب
- منذ شبابي تلقفني الجيش كجندي مكلف،  من مكلفيه لأخرى حتى وجدت نفسي أسيرا ولعشرين سنة.

نظرت الى خطوط الزمن في وجهه والتي لا تنتمي الى أية مدرسة فنية، رغبت في الانتقال الى موضوع آخر لكنه استدرك قائلاً :
دكتور، عن الحلال والحرام، إني انجزت عملا واحدا فقط.

- جيد، ما هو؟
- لقد تزوجت وأنجبت، وحين عدت من الأسر، وجدت رجالا في بيتي، انهم الآن ينفقون علي ويهتمون بشؤوني، لكن صحتي بتدهور مستمر .
قلت له : فعلا إنك شهاب وقد مررت سريعاً في الحياة لكني أرجوك، أرجوك أن لا تحترق في عيادتي !.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين