أمريكا والعراق .. جدلية الأحزاب والسيادة

2065 مشاهدة
09:53 - 2021-06-11
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز | تقارير   

يواجه العراق ومنذ 2003 ، أخطارا حقيقية ظاهرة وباطنة ، منها ما يتعلق بأمنه القومي ومنها تهديدات مستمرة لوحدته وتماسك شعبه وكيانه كدولة لها ثقلها في المنطقة والعالم ، وبما ان الولايات المتحدة الامريكية لاتريد لتجربتها في العراق ان تفشل بعد كل ما قدمته من مساعدات سواء على الصعيد السياسي او الامني وحتى الاقتصادي، فلها الحق في ان تقلق بشان بلد ارادت ان يكون انموذجا مواليا لسياستها وعصا ضاربة في قلب الشرق الاوسط الذي يعج بالمتغيرات والأحداث ، سيما وان الموقع الجغرافي للعراق يحتم على واشنطن اتخاذ موطئ قدم لها في هذا البلد الذي يحيط بايران خصمها والسعودية حليفها، فضلا عن سوريا المتذبذبة امنيا وسياسيا . 

صورة من الأرشيف تعود ليوم 9/4/2003 يوم سقوط النظام السابق

ومثلما يواجه العراق تحديات جسيمة  تواجه ايضا الولايات المتحدة تحديا سياسيا واستراتيجيا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط، التي اعتادت منذ منتصف القرن الماضي على ان تكون فاعلة فيه ولاعبا أساسيا لتنمي مصلحتها كدولة عظمى وتكون على مقربة من الاحداث. 

ومع تنامي التدخل الإيراني في العراق آثرت وشنطن البقاء لفترة اطول في العراق لتدفع كل  ما يهدد مصالحها ومصالح الدول الحليفة والغربية ، بالإضافة إلى تهديده، ليس مصالح الدول العربية فحسب، بل وجودَها القومي والسياسي والثقافي والاقتصادي. 

وكلنا يعرف ان الشرق الأوسط منطقة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة والعالم لأسباب جغرافية وسياسية واقتصادية  ، حتى وإن لم يعد مصدرا للنفط بالنسبة لأمريكا وأوروبا، وان اي  تخلف عن  التواجد في هذه المنطقة سيؤدي الى فراغ قد يسده آخرون غير ما تشتهي امريكا والغرب وبالتالي تكون بلدان الشرق الاوسط ذات الديمقراطيات الفتية الهشة عرضة لانياب محيطها الاقليمي وحتى الخارجي , مايتعين على العراقيين مراقبة الموقف والتامل باستمرار لاتخاذ حلفاء قد يكونوا طامعين في الطاقة او التوسع والنفوذ لكنهم بالتالي يد ضاربة لاولئك الداخلين اصلا في عمق الدولة العراقية وجاءوا من خارج رحم العملية السياسية الديمقراطية في العراق . 

مع تنامي التدخل الإيراني في العراق آثرت وشنطن البقاء لفترة اطول في العراق لتدفع كل  ما يهدد مصالحها ومصالح الدول الحليفة والغربية

العلاقات العراقية الأمريكية ليست منحصرة بالعلاقة الاقتصادية او اتفاقية امنية بعينها لكنها علاقة تربط الطرفين بجوانب امنية اكثر تعقيدا، مثل مكافحة الارهاب وتحييد الجماعات المسلحة والمليشيات وتقديم المشورة والتدريب لقوات امنية مازالت بحاجة الى الكثير من الاعداد والتدريب ليتسنى لها اخذ دورها الحقيقي فيما بعد ببناء دولة يحكمها القانون لا السلاح المنفلت. 

امريكا التي حلت الجيش العراقي وسمحت بتشكيل المليشيات بعد 2003  ، ادركت تماما ان عليها مسؤولية اخلاقية كبيرة في اعادة هيكلة القوات العسكرية العراقية لتكون قوات دولة وبالتالي تكون قد حققت ما ارادت من تغيير وفق معايير دولية قد تبدو للعراقيين تدخلا في شؤونهم الداخلية الا انها تبقى مسؤولية الولايات المتحدة الامريكية  كونها تدخلت عسكريا للقضاء على نظام دكتاتوري واستعاضته بتجربة ديمقراطية عليها ان تنجحها وبشتى الوسائل. 

ويبدو ان الولايات المتحدة سوف  لن تتخلى عن العراق بعد أن أطاحت بنظام دكتاتوري كان يشكل بالنسبة لها تهديدا مستمرا على امن المنطقة والعالم ككل ، ويبدو ايضا انها لن تتركه ضحية للإرهاب والتقسيم والتدخل الإيراني والفساد والتخريب الاجتماعي والثقافي، والميليشيات والسلاح المنفلت،  لانها وعدت بأن تجعله دولة ديمقراطية مزدهرة ، وعليها ان تكمل ما بدأته. 

صورة من الأرشيف تشير إلى عميلة تبادل واستلام لاحدى القواعد العسكرية من القوات المتعددة الجنسيات

ومن يقرأ الواقع بتمعن ويحلل الاحداث والتحديات الراهنة يجد ان انسحاب الولايات المتحدة من العراق سيشكل ضررا كبيرا على دولة ديمقراطية فتية ، ما يعرضه لأخطار مدمرة، لذلك ترى القوى السياسية التي قرات المشهد جيدا بان لا يستجيب العراق للتهديدات الإيرانية أو تهديدات المليشيات والمنادية بطرد القوات الامريكية  من العراق، فمصلحة البلد هي في أن يكون جزءا من المجتمع الدولي الديمقراطي والاقتصاد العالمي والمنظومة الأمنية الإقليمية، وليس دولةً تابعة لاحزاب تنفذ اجندات دول  اخرى. 
 

صورة من الأرشيف تعود لسنة 2012 لانسحاب قطعات من الجيش الأمريكي باتجاه قواعده خارج البلاد

العراقيون بالمجمل لا يريدون التبعية لإيران او غيرها من الدول ، هم يريدون بلدا قويا فاعلا في المنطقة مستقلا ذا سيادة وطنية حقيقية لاتهدده الاحزاب او الجماعات المسلحة ، ودليلهم ان  انتفاضة تشرين التي خرج فيها الشعب مناديا بدولة عصرية ديمقراطية مندمجة  مع المجتمع الدولي والمحيط العربي، وتفاعل معها العالم الا المنتفعون من بقاء الدولة العميقة التي تحكمها ايران وغيرها. 

المفاوضات العراقية الأمريكية المزمع إجراؤها في حزيران 2021 ، تحت مسمى الحوار الاستراتيجي ،  تتطلب قراءة معمقة لمصلحة العراق اولا والتي تكمن في إقامة علاقات سياسية واقتصادية وطيدة مع الولايات المتحدة وباقي الدول المتقدمة كي يتمكن العراق من البقاء دولة قوية متماسكة لا تتأثر بالتدخل الإيراني  وطموحات الاحزاب الموالية للغير ، والتي تشكل الخطر الاكبر على العراق كدولة ذات سيادة فتهديدات

على اولئك المطبلين لخروج القوات الاجنبية من العراق والتي تعمل وفق اتفاق مع الحكومة العراقية للتدريب وابداء المشورة على هؤلاء ان يقدموا البديل ان ارادوا ان لا يكون العراق قندهار اخرى

الجماعات المسلحة والميليشيات المستمرة للمقار الدبلوماسية الدولية في العراق وقواعد التدريب التابعة للقوات الاجنبية مازالت تحرج حكومة بغداد مع الاصدقاء ممن يريدون عراقا ديمقراطيا موحدا تحكمه قوى سياسية نزيهة ولاؤها الاوحد لبلدها لا للغير .  

وعلى اولئك المطبلين لخروج القوات الاجنبية من العراق والتي تعمل وفق اتفاق مع الحكومة العراقية لتدريب القوات العراقية وابداء المشورة ،على هؤلاء ان يقدموا البديل ان ارادوا ان لا يكون العراق قندهار اخرى. 

مصلحة الشعب العراقي تتلخص  في إقامة دولة قوية مستقلة ديمقراطية وغير تابعة لدولة أخرى، وبناء على هذا يجب ان تتخذ حكومة الكاظمي إجراءات جريئة للوقوف بوجه من يريد ان يكون العراق مغلقا على نفسه تتحكم فيه اسلحة منفلتة واحزاب لا تريد لبلدها الخير وتريده لبلد اخر احتضنها ليمرر سياسته التدخلية في العراق، وعلى الحكومة ايضا، ان تفرض سيادة القانون وتسمي الجماعات المسلحة باسمائها وتحيلهم الى المساءلة ، ان ارادت فعلا ان يكون القانون فوق الجميع . 

البرلمان الحالي  ومن وجهة نظر الكثير من العراقيين لا يمثل إرادة الشعب العراقي، كونه  جاء نتيجة لانتخابات مشكوك في نزاهتها،  وهذا ما صرح به سياسيون كثيرون وأعضاء في مفوضية الانتخابات اذ قال أحد أعضاء المفوضية حينها:

صورة من ا لا رشيف لجولة محادثات بخصوص الاتفاقية الستراتيجية

 "إن بعض نتائج انتخابات عام 2018 مزورة بنسبة 93% "  ، وبالتالي يجب ان تراعي حكومة الكاظمي العلاقة مع حليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة الامريكية وتخطو خطوات جريئة في القضاء على سوء الادارة والمحسوبية والفساد والسلاح المنفلت، ليتسنى لها بعد ذلك القول الفصل في الحاجة لبقاء القوات الامريكية في العراق من عدمه . 

ووفقا لهذه المعطيات فعلى حكومة الكاظمي، ان تعمل على اجراء انتخابات حرة ونزيهة كي تنتج برلمانا يمثل الشعب العراقي تمثيلا حقيقيا وهذا ماينتظره العراقيون بفارغ الامل في تشرين المقبل ، لتعيد تلك الانتخابات الامل للعراقيين ببلد واعد لا يتدخل في شؤونه من "هبّ ودبّ ". 

قد نشهد متغيرات كثيرة وتحديات وازمات قبيل اجراء الانتخابات المبكرة المقبلة في تشرين هذا العام، وقد يراوغ السياسيون المتسيدون للمشهد في العراق ويعبثون مع بعضهم البعض، وقد نرى اطروحات جديدة بشان السيادة العراقية تفوق التواجد الامريكي في العراق لتكون ذريعة جديدة لتنامي التدخل الاقليمي، وخصوصا الايراني وبالتالي ازدياد اعداد المسلحين الخارجين عن القانون وتحت مسميات شتى ، لكن الاهم من كل هذا كيف نمنع حدوث ذلك وكيف نحافظ على روح العراقيين الحقيقية المتطلعة للسلام والامن ولدولة ذات سيادة تلبي طموحات شعبها . 

وبهذا يكون العراقي وحده الفيصل حينها عندما يختار "الصح" وينبذ المشوه والعابث والفاسد والقاتل، وتكون هيبة الدولة وسيادتها اولا قبل كل طائفة او انتماء ، ليعود العراق ندا قويا فاعلا في المنطقة يفرض ارادته بنفسه دون تدخل من هذا او ذاك.

اختيار المحررين