موازنة ثلاثية تُسيل اللعاب

12265 مشاهدة
07:03 - 2023-08-11
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تقارير وتحقيقات

"الفقراء الخاسر الأكبر دوما في موازنات دسمة وبلد سمين"

في 7 آب 2023، أعلنت وزارة العدل العراقية دخول الموازنة العامة الاتحادية لثلاث سنوات حيز التنفيذ، وذكرت مدير عام دائرة الوقائع العراقية في الوزارة، حنان منذر نصيف، أنه تم نشر تعليمات رقم (1) لسنة 2023، المتعلقة بتسهيل تنفيذ قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنوات المالية (2023/ 2024/ 2025) رقم (13) لسنة 2023 في جريدة الوقائع الرسميَّة، مضيفة أنَّ "التعليمات رقم (1) لسنة 2023 تعد نافذة بأثر رجعي من تاريخ 1/ 1/ 2023"، مبينة أنَّ "التعليمات دخلت حيز التنفيذ" ،فيما قررت المحكمة الاتحادية العليا،ردَّ بعض الطعون شكلاً والمتعلقة بعدم دستورية مواد في قانون الموازنة.



وتعد الموازنة الحالية هي الأضخم في تأريخ العراق، إذ تبلغ قيمتها قرابة 153 مليار دولار لكل عام، وسيحظى إقليم كردستان بنسبة تقدر بـ 12.6%، مع تسجيل عجز مالي كبير يقدر بنحو 48 مليارا سنويا، يعد الأعلى ويزيد على أكثر من ضعفي العجز المسجل بآخر موازنة لعام 2021 حين بلغ 19.7 مليارا، وهو ما يعده مراقبون ناقوس خطر سيفاجئ الحكومة الحالية في حال تراجع أسعار النفط،، اذا ما علمنا ان سعر برميل النفط قد حدده قانون الموازنة للسنوات الثلاث بـ 70 دولارا ، على أن يصدر العراق شهرياً قرابة 100 مليون برميل من النفط الذي هو المصدر الرئيس لعائدات العراق المالية.

مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية مظهر محمد صالح، اعلن أن هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها العراق مثل هذا التغيير في المجال المالي، ويقصد بذلك التخطيط المالي لموازنة الثلاث سنوات، مبيناً أن الموازنة مثبتة سنوياً في قانون الإدارة المالية، لكن ذلك لا يمنع أن تكون موازنة 2023 منفردة وتكون الموازنات الثلاث مترابطة فيما بينها.

تعد الموازنة الحالية هي الأضخم في تأريخ العراق، إذ تبلغ قيمتها قرابة 153 مليار دولار لكل عام، مع تسجيل عجز مالي كبير يقدر بنحو 48 مليارا سنويا، حيث يزيد على أكثر من ضعفي العجز المسجل بآخر موازنة لعام 2021 حين بلغ 19.7 مليارا

في الوضع الطبيعي لا اعتراض على موازنة بهذا الحجم اذا ما خططت الحكومة ورسمت سياستها بشكل يتوافق والمتغيرات التي قد تطرأ على البلد ، لكن التجربة العراقية تثبت عكس ذلك فثمة تحديات لاحصر لها قد تواجهها الحكومة مابعد تنفيذ فقرات الموازنة، ولعل ابرزها تذبذب سعر صرف الدينار مقابل الدولار الامريكي، وكذلك تحدي امكانية تنفيذ فقراتها وفق ما هو مرسوم لها وعدم ابتعادها عن مسارها المخطط له ، اضف الى ذلك التحدي الاكبر المتمثل بتدخل الساسة الماسكين بزمام الدولة واستغلالهم للوزارات وابتزاز وزرائهم الذين رشحتهم الكتل السياسية، للفوز بمشاريع استثمارية وعقود وتدخل في المناصب الحكومية تحت الضغط او باسكاتهم من خلال الرشى وما الى ذلك، وعندها ستواجه الحكومة ماردا اضخم من حجم الموازنة قد يبتلع تخصيصات الوزارات لصالحه ،ليبقى الشعب ينظر كما هي العادة الى السماء وهو يرى بعينه ان حقه يضيع والمنتفع هو ذاته تتضخم امواله على حساب ثروات البلد ، وقد لايترك وراءه أي اثر لهذا الفساد المشرعن كونه يجري وفق القانون لان القانون بايدي هؤلاء يسيرونه كيفما شاءوا فيقلبوا الحق باطلا والباطل حقا لتكون السرقة بحصانة دستورية . 

الفقراء والموازنة ..
السؤال الاهم هنا .. هل  سيتغير حال المواطن الفقير,وهل سيغير اقرار موازنة بهذا الحجم حال العراقيين نحو الافضل,ام سيتحمل الشعب عجز الموازنة فقط، ليبقى التمر للفاسدين والسعف للمواطن.  

تظهر نتائج الموازنة أنه لا يوجد شيء في العراق يعبر عن المعنى الحقيقي للموازنة والخطط الاقتصادية والسياسة المالية، لأنه إذا نظرنا إلى الموازنة ،فإن العديد من المواد والبنود تعكس مطالب القوى والأحزاب والجماعات والمكونات ، وكانها قد فصلت الموازنة ثوبا لها.
 ووسط حرج واضطرار خلقت الحكومة 150 ألف وظيفة في القطاع العام وتم التستر على سلف الوزارات البالغة 160 تريليون دينار، وعليه فإن الموازنة هي عبارة عن توزيع للإيرادات أكثر من كونها خارطة طريق مالية واقتصادية، وإذا انخفض السعر العالمي للنفط إلى ما دون 70 دولارًا، فستبدأ مرحلة الخسارة والإفلاس، وهو ما يمثل تحديا خطيرا سيواجهه البلد .
يعترض الكثير من الخبراء الاقتصاديين على فقرات الموازنة الثلاثية ، اذ يقول أستاذ الاقتصاد عماد عبد اللطيف سالم "في اقتصاد ريعي، تشكّل الإيرادات النفطيّة 96 في المائة من إجمالي إيراداته العامة، فإنّ اعتماد موازنات ثلاثية السنوات، سيعني بالضرورة وجود "كلاوات" سياسية ثلاثيّة الأبعاد، أيضاً ".
ويرى سالم أن "صُنّاع القرار يتعاملون في العراق مع الأطر القانونيّة، وأحياناً الدستورية، وفقاً لرغباتهم، وبما يخدم مصالحهم، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، قبل أيّ اعتبار آخر".

أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، أن "الموازنة ستدخل في المسار الحرج إذا انخفض سعر خام برنت إلى نحو 60 دولاراً للبرميل؛ إذ ستكفي الإيرادات النفطية لتغطية فقط فقرتي رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية اللتين تصلان إلى أكثر من87 ترليون دينار في موازنة 2023"

أستاذ الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد إحسان جبر عاشور يتساءل ايضا ،"هل هي دورة سياسية للموازنة أم دعاية سياسية بائسة، أم هو تدفق جديد لتمويل استدامة الفساد المالي السياسي؟"، ويضيف: "ما الأسس والمبادئ والفلسفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي اعتمدت في صياغة هكذا موازنة، وما هو التبرير المنطقي في ابتعادها عن أهم المؤشرات والمعايير المالية والاقتصادية، ومن سيتحمل كلفة الركوب المجاني إذا ما نفذ وقود ماكينة المورد الريعي".
أما أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، فيرى أن "الموازنة ستدخل في المسار الحرج إذا انخفض سعر خام برنت إلى نحو 60 دولاراً للبرميل؛ إذ ستكفي الإيرادات النفطية عندئذ لتغطية فقط فقرتي رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية اللتين تصلان إلى أكثر من87 ترليون دينار في موازنة 2023".
الخبير النفطي حمزة الجواهري، يرى إن "الموازنة جاءت مخيبة للآمال عندما وضعت السعر الافتراضي للنفط 70 دولاراً، فيما نقوم اليوم ببيع نفطنا أقل من ذلك، فما بالك في حال نجحت أوروبا وأميركا في الوصول بالأسعار إلى 60 دولاراً وأقل" . ويضيف أن "هذا الأمر سيؤثر بشكل كبير على العراق خصوصاً، لأن هناك نحو 34 في المائة عجزاً بالموازنة، بعد أن تضخمت الموازنة التشغيلية بشكل كبير، فيما تضاءلت الموازنة الاستثمارية والتي أصبحت أقل من الربع".

ويبرر كل هذا الطرح ان القوى السياسية او بالاحرى "الصقور" الماسكون بعصب الدولة منذ العام 2003 ، هم من وضعوا لبنات الموازنة الثلاثية الضخمة ، لتكون الطريق امامهم سالكة ولثلاث سنوات تتخللها مغانم واموال وابتزاز وتعيينات ومشاريع واستثمارات ومناصب وفساد ثلاثي ايضا كي يختصروا الطريق الى الثراء ، بعد ان اصبحت موازنة عام واحد لا تلبي رغباتهم المحمومة، ليبقى الفقير خارج قوس مما قد تتيحه هذه الموازنة من مورد عيش يحفظ كرامته .


بعد ارسال تعليمات الموازنة الى الوزارات والمؤسسات الحكومية برز هاجس التخوف من استغلال تلك الوزارات والمؤسسات من قبل الكتل السياسية والساسة الفاسدين، وهو تخوف مشروع اذا ما علمنا ان اقرار الموازنة قد خضع للمساومات والتقاسم الحزبي واهملت معه المصلحة العامة وغُلّبت مصالح الكتل والاحزاب ، لتكون المتحكم الرئيس بادواتها في الوزارات ، تارة بالابتزاز واخرى بالتلويح باستبدال هذا الوزير او ذاك، ان لم يرضخ لارادة كتلته، وهو ديدن عرفه العراقيون ولايمكن لهم ان يثقوا مرة اخرى بقوى واحزاب خذلتهم مرات عدة وغلّبت مصالحها الشخصية على مصلحة المواطن الذي من المفترض ان تستهدفه الموازنة وتحقق تطلعاته بعيش كريم .

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اكد خلال جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 4 تموز 2023 ، أن الفاسدين يتربصون لسرقة المال العام ويجب التصدي لهم، وقال السوداني، إن "هنالك مجموعة من الفاسدين تنتظر الانقضاض على التخصيصات المالية كما فعلت مع الموازنات الانفجارية للدولة سابقا وهم من يتحدثون عن العفة ومكافحة الفساد، لكنهم فاسدون وعلى كافة الوزراء متابعة الإجراءات أولاً بأول لمنع حصول ثغرة ينفذ من خلالها الفاسدون"، مضيفا  "وجهنا الأجهزة الأمنية المختصة لتعقب كل أركان الفساد ومتابعتهم بكل الوسائل والتصدي للفساد ومحاولات أفشال تنفيذ البرنامج الحكومي والإصلاح الاقتصادي وهذه مسؤولية شرعية وقانونية".

ان القوى السياسية او بالاحرى "الصقور" الماسكون بعصب الدولة منذ العام 2003 ، هم من وضعوا لبنات الموازنة الثلاثية الضخمة ، لتكون الطريق سالكة ولثلاث سنوات تتخللها مغانم واموال وابتزاز وتعيينات ومشاريع واستثمارات ومناصب وفساد ثلاثي ايضا كي يختصر الطريق الى الثراء ، بعد ان اصبحت موازنة عام واحد لا تلبي رغباتهم المحمومة

حديث السوداني ،ليس حديثا عابرا ولم يأت من فراغ ، بل يؤشر خللا حقيقيا يجب الوقوف عنده ، لاسيما ان التصريح يصدر من رئيس الحكومة، مايعني ان المخاوف من استغلال تخصيصات الموازنة من قبل الفاسدين مبررة وحقيقية .. لكن ماهي الآليات التي ستردع هؤلاء وتفوّت الفرصة عليهم في استغلال موارد وثروات البلد ؟ وكيف ستحصن الحكومة تلك التخصيصات وتبعدها عن ايدي السراق ؟ وماهي الوسيلة لانصاف شرائح المجتمع بدرجات وظيفية خصصت بالاساس كاستحقاق لهم ؟ .

لايمكن ان يثق العراقيون مجددا بهؤلاء الساسة الذين فصّلوا القانون والدستور والموازنات والتعيينات والمناصب على مقاسهم ، بعد ان غاب الضمير وتلطخت ايديهم بالفساد الذي حول اغلب العراقيين الى عاطلين عن العمل والامل ايضا ، لتبقى موازنة الثلاث سنوات مشوهة المعالم وضبابية التنفيذ ،ان لم تمسكها ايادي بيضاء نظيفة ،في زمن شحت فيه تلك الايادي .

اختيار المحررين