سُلّم الرواتب .. أضغاث أحلام !!

14414 مشاهدة
08:50 - 2023-05-08
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تقارير وتحقيقات  


جدل وترقب .. نفي وتأكيد .. تصريحات متضاربة .. مزايدات سياسية ..  الحكومة والبرلمان كل يرمي الكرة في ملعب الاخر .. سلم الرواتب الجديد الى أين؟ 
ينتظر معظم موظفي الدولة العراقية بفارغ الصبر اقرار سلم الرواتب الجديد والذي قد ينصف شرائح كثيرة منهم من تفاوت وغبن في  مقدار الرواتب بين وزارة واخرى ومؤسسة ومثلها ، حيث ظهر جليا موضوع سلم الرواتب الجديد في الاونة الاخيرة عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي من خلال تناول الموضوع من جهات عدة وسط تأكيدات سياسيين باقراره في اقرب وقت، لكنه حتى اللحظة مايزال حبيس التوقعات والاحلام، ولاشيء يلوح في افق اقراره ، وعلى مايبدو فانه بات وسيلة اخرى يغتنمها السياسيون لكسب الشارع وعنوانا جديدا ينطلقون منه تمهيدا لاصوات انتخابية جديدة . 

تظاهرات وسط بغداد.. مطالب بتعديل سلم رواتب الموظفين

تناقش الحكومة، وعلى مدى الاشهر الماضية مقترحاً لسلم رواتب جديد لموظفي الدولة والقطاع الحكومي ،وتدرس لجنة في مجلس الوزراء، الجدول الجديد للرواتب الذي يبدأ من الدرجة الأولى الى الدرجة 11، وبموجب هذا المقترح فستكون العلاوة السنوية لكل درجة بالإضافة الى المخصصات بنسبة 50% تحت مسمى تحسين معيشة، و30 % تحت مسمى مخصصات خطورة ، مع إلغاء المخصصات كافة التي منحت بموجب قرارات مجلس الوزراء ،وكذلك المخصصات التي وردت في التشريعات. 
 
رئيس اللجنة المالية النيابية، عطوان العطواني، كشف عن بعض  تفاصيل سلم رواتب الموظفين الجديد الذي تعتزم الحكومة إقراره وتطبيقه، ولاندري كيف ومتى!! ،وقال العطواني:"وفقا لسلم الرواتب الجديد فأن الزيادة في رواتب الدرجات الدنيا ستكون بنسبة 150 %"، مبينا ان "الحد الادنى للراتب الاسمي (الدرجة العاشرة ) سيكون 425 الف دينار"، مضيفا أن "الزيادة في رواتب الدرجات الدنيا وفقا للسلم الجديد ستكون بنسبة 150 بالمئة" وأن "الحد الأدنى للراتب الإسمي (الدرجة العاشرة) سيكون 425 ألف دينار". وذكر أنه "بموجب القانون الجديد سيمنح مخصصات تحسين معيشة بنسبة 50 بالمئة لجميع الموظفين". 
وحتى الان يراوح هذا المقترح بين الحكومة والبرلمان في ماراثون قد يبدأ ولاينتهي في ظل جدل كبيرأثاره مشروع إقرار قانون الخدمة المدنية والذي يعدّل بدوره سلّم رواتب الموظفين، حيث يؤكد أعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب، على أهمية أن يكون الحد الأدنى للراتب يسد حاجة المواطن في ظل الظروف الصعبة وارتفاع اسعار السلع والمواد الغذائية. 

 لم يخلُ قانون سلم الرواتب الجديد المقترح من صبغة سياسية تلتها خلافات سياسية ايضا واعتراضات وزارية قد تؤخر تشريعه، لان القانون يهم شريحة واسعة من العراقيين هم الموظفون

الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، قال:  "إذا كان تطبيق سلّم الرواتب يتطلب إضافة تخصيصات مالية تصل إلى 11 ترليون دينار إلى الموازنة المثقلة أصلا بالعجز والديون، فهذا يعني أن سلّم الرواتب لن يُقر لا في هذا العام ولا في الأعوام القادمة، إلا إذا ارتفع سعر برميل النفط إلى أكثر من 100 دولار، وبخلاف ذلك فهو إما بنج عام أو انتحار اقتصادي" بحسب قوله ، مضيفا : "إذا كان البرلمان والحكومة جادين فعلا في اعداد سلّم جديد للرواتب يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية بين الموظفين فأنه يمكن تحقيق ذلك من دون اضافة تخصيصات مالية جديدة الى الموازنة العامة وذلك من خلال الغاء الرواتب المكررة والمزدوجة التي تصرف لبعض فئات المجتمع لأسباب سياسية وكذلك تخفيض رواتب ومخصصات الدرجات الخاصة وبعض فئات الموظفين في الدرجات العليا واستخدام الفائض المالي المتحقق في رفع رواتب الشرائح الدنيا من الموظفين لتحقيق نوع من التوازن في الرواتب". 
عضو اللجنة المالية النيابية عدي عواد قال هو الاخر في تغريدة له على تويتر ، ان "تطبيق سلم الرواتب الجديد يحتاج لإضافة مبلغ 8 إلى 11 تريليون دينار والعمل مستمر لإقراره" ،كما شدد النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، على ضرورة تحديد جداول زمنية متفق عليها تشريعياً وتنفيذياً لحسم سلم الرواتب الجديد. 
 
لم يخل قانون سلم الرواتب الجديد المقترح من صبغة سياسية تلتها خلافات سياسية ايضا واعتراضات وزارية قد تؤخر تشريعه، لان القانون يهم شريحة واسعة من العراقيين هم الموظفون، وتحديدا اصحاب الدخول الضعيفة والبسيطة، وبحسب أعضاء مجلس النواب فإن سلم الرواتب الجديد قد يقر في نهاية السنة الحالية او بداية السنة المقبلة. 
 
فيما اشار خبراء قانونيون يرون انه لا يوجد سند قانوني يمنح الوزارات الحق في عدم الامتثال لسلم الرواتب الجديد لا سيما وان البرلمان يمثل الجهة التشريعية في الغاء وتعديل القوانين في البلاد. 
 
وبالعودة الى اصل الموضوع فقد تم تحديد رواتب ومخصصات موظفي الدولة والقطاع العام بموجب القانون 22 لسنة 2008 ، وورد نص في المادة  3 \ ثانياً مفاده " لمجلس الوزراء تعديل مبالغ الرواتب المنصوص عليها في جدول الرواتب الملحق بهذا القانون في ضوء ارتفاع نسبة التضخم لتقليل تأثيرها على المستوى المعيشي العام للموظفين "، لكن رئيس مجلس الوزراء الأسبق حيدر العبادي اصدر قرار مجلس الوزراء رقم 366 لسنة 2015 المتضمن تعديل جدول الرواتب الملحق بقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لسنة  2008 ، والذي نشر في جريدة الوقائع العراقية الرسمية وعد نافذا اعتبارا من 1 تشرين الثاني 2015 ، وبموجب هذا القرار تم تقليص عدد الدرجات الوظيفية إلى 10 وإجراء تعديل طفيف في رواتب بعض الدرجات بزيادة حدودها  وتقليل رواتب الدرجات ابتداءا من الأولى بما تسبب بإنقاص الرواتب الاسمية لفئات من الموظفين الأولى بمبلغ 38 ألف دينار واقل ، وهو إجراء لم يرض غالبية الموظفين فقد تم ذلك في وقت أشارت فيه بيانات وزارة التخطيط وغيرها من المنظمات الحكومية والمجتمع المدني لحصول تضخم في الأسعار خلال السنوات 2008- 2014 ، واعتقد البعض إن الرواتب ستعدل بعد تحسن الوضع الأمني الذي مرت به البلاد وحين ارتفاع إيرادات الدولة من تصدير النفط  ، ولم يحصل ذلك !! 
 
واستبشر الموظفون خيرا بعد الاعلان مؤخرا عن ارتفاع احتياطيات الدولة لأكثر من 100 مليار دولار وان الاقتراض الخارجي والداخلي أخذا بالانخفاض ، وتشبثوا بالامل بعد الإعلان الرسمي بان الأوضاع الاقتصادية للبلاد تمضي بخير وان العراق وضع بتصنيفات جيدة من حيث الناتج المحلي متفوقا على الكثير من البلدان ، ورافق ذلك  إقدام العراق على شراء كميات كبيرة من الذهب والحوالات الأمريكية لتنويع الاحتياطيات ، لكن احلامهم لم تتحق وباتت الاسعار اعلى مما كانت عليه حيث دفعت الطبقة الفقيرة والوسطى ثمن هذا الارتفاع الذي رافق ارتفاع سعر صرف الدولار وتذبذبه والقى بظلاله على ارتفاع السلع الغذائية والمواد المنزلية وغيرها من احتياجات المواطن العراقي . 
ومع كل هذا عادت الامنيات مجددا بعد انباء عن تعديل في سلم رواتب الموظفين معززة بجداول للرواتب والمخصصات تنشر بين الحين والاخر في مواقع التواصل الاجتماعي ، واعتبروا إن الأمر سيكون حقيقة بعد اقرار موازنة 2023 التي اخذت وزارة المالية أشهرا في إعدادها . 

إذا كان البرلمان والحكومة جادين فعلا في اعداد سلّم جديد للرواتب يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية بين الموظفين فأنه يمكن تحقيق ذلك من دون اضافة تخصيصات مالية جديدة الى الموازنة العامة

وكانت الصدمة التي اذهلت الشارع العراقي ان موازنة الثلاثة اعوام التي بلغت مجموع نفقاتها 199 تريليون دينار ولم تر النور بعد  لم تتضمن فقرة تتعلق بتعديل سلم الرواتب ، وقد ظهر ذلك عندما أحال مجلس الوزراء موازنته الى مجلس النواب ، حيث قالت اللجنة المالية " إن بعض المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي نشرت تصريحا منسوبا لنا بشأن أدراج تعديل سلم رواتب الموظفين ضمن موازنة ٢٠٢٣ ومن أجل إطلاع الرأي العام  ، نود أن نبين  بان تعديل سلم الرواتب  يمر حاليا بمرحلة التدقيق والمراجعة من قبل الحكومة  وهو قانون منفصل بحد ذاته ولا علاقة له بالموازنة إطلاقا لكونه إجراء حكوميا يتم التصويت عليه داخل مجلس الوزراء " . 
ويعني هذا ان حلم الموظفين لم يعد حلما فحسب بل كان مجرد مخدر موضعي لغاية في نفس السياسيين ، ويعني ايضا ان الحكومة ستقوم بإعداد القانون عندما  يتوفر تخصيصه الكافي في موازنة الثلاث سنوات  2023، 2024 ، 2025  والتي لم تقر حتى الان . 
 
النائب عن تحالف الفتح رفيق الصالحي، اشار من جانبه الى أنّ الحديث عن سلم الرواتب أصبح في غير محله، لافتا الى أنّ "الموضوع هو قضية قانونية يراد منها الإنصاف والمساواة بين موظفي الدولة وليس التأويل والمتاجرة به"، مبينا ان سلم الرواتب لا يزال قيد المداولة في مجلس الوزراء عبر لجنة مختصة جرى تشكيلها منذ فترة ، مؤكدا إنّ مجلس النواب "داعم للتوجه الحكومي لتعديل السلم ولكن يجب أن يكون بدرجة عالية من العدالة وعدم التمييز بين وزارة وأخرى"، متوقعا عدم تطبيقه قريبا، بل انه سيستغرق أشهرا على أقل تقدير لحين الانتهاء منه"، موضحًا أنّ "النسخ المتداولة عنه هي عبارة عن تسريبات غير صحيحة والغرض منها إثارة نعرات مجتمعية وغضب جماهيري يستهدف بعض الوزارات وطبقات المجتمع، وربما بعض الأطراف تريد استغلاله للدعاية الانتخابية بشكل مبكر"، بحسب قوله . 
 
اللجنة المالية النيابية وفي اخر تصريح لها قالت  "أن "سلَّم الرواتب هو خارج الموازنة حتى الآن، لان الموضوع متعلق بلجنة تم تشكيلها بواسطة أمر ديواني"، مشيرة إلى أن "الحكومة هي من درست وأعادت تقييم سلم الرواتب وتوزيع المصروفات خلال السنة المالية على الموظفين أنفسهم بدرجات ومبالغ متفاوتة"، مبينة ان هذا الأمر ما زال قيد الدراسة من قبل اللجنة التي تمت استضافتها في اللجنة المالية لمعرفة ما هي خطواتهم المتخذة والاستماع لملاحظاتهم". وأشارت إلى، أن "موضوع سلم الرواتب لم يعرض على مجلس الوزراء للآن"،مبينة  أنه "ينتظر الرأي الاستشاري الاقتصادي بخصوص التعديل الاخير وكذلك ملاحظات الأمانة العامة ل‍مجلس الوزراء". 
 
وبين هذا وذاك ضاع خيط الحقيقة ولم يصعد الموظف سلم الاحلام كما كان يأمل، في ظل تفاوت كبير بين رواتب موظفي الدولة العراقية، إذ إن موظفا بدرجة وظيفية معينة في إحدى الوزارات يتجاوز راتبه اضعاف ما يتقاضاه نظيره في وزارة أخرى ، ما اثار حالة استياء لدى الموظفين في الوزارات ذات الرواتب المتدنية منذ سنوات ويصفون ذلك بالتمييز بين موظفين في دولة واحدة  ،

لكن املهم لم ينقطع ولا يزال الموظف العراقي، ينتظر سماع بشرى اقرار سلم الرواتب الجديد، والذي سيحقق نسبيا العدالة والانصاف بين جميع موظفي الدولة العراقية ، هذا ان صدق السياسيون وعدهم !!

 

 

 

اختيار المحررين