رمضان بين السياسة والفن

15375 مشاهدة
01:33 - 2023-03-31
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير  

هجوم إعلامي محموم يشهده شهر رمضان من كل عام ، وتوظيف سياسي  لبرامج ومسلسلات تلفزيونية، لإثارة الجدل واللغط والتناحر اعلاميا ،في وقت يوارى خلف كل هذا المعنى الحقيقي للشهر الفضيل ، معنى العبادات والطاعات والتآزر والمحبة والصفح، ولم يتغير رمضان هذا العام عن سابقاته فيما يتعلق بالبرامج التلفزيونية والمسلسلات التي تبثها القنوات الفضائية بكل اشكالها وتوجهاتها ، لكن مايميز هذا الموسم الرمضاني هو اعادة تدوير الخلافات الازلية والجدلية عبر التاريخ ، من خلال نصوص كتبت لاجندات معينة يراد منها الاساءة لهذا البلد او ذاك او لشريحة معينة من شرائح المجتمع العربي بشكل خاص .  


في العراق احتدم الجدل والنقاش بل والغضب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وفي اروقة السياسة ، بشأن ما يوصف بانه إساءات تنطوي عليها أعمال تلفزيونية رمضانية ابتدأت قبل شهر رمضان  بمسلسل "معاوية" الذي حظر العراق عرضه، فيما أثار مسلسلان آخران ضجة مع بدء عرضهما بداية رمضان الحالي هما "الكاسر ودفعة لندن" اللذان يبثان من على شاشة قنوات Mbc الفضائية. 

"جبار جودي" نقيب الفنانين العراقيين

المسلسل الأول "دفعة لندن" هو إنتاج قناة MBC السعودية عن قصة كاتبة كويتية، يتحدث عن يوميات طالبات من دول عربية مختلفة في العاصمة البريطانية وتضمن مشهدا أثار الجدل حول ظهور طالبة عراقية على أنها "خادمة" لزميلاتها الخليجيات، ما دفع عراقيين إلى الاعتراض على المسلسل لكونه ينتقص من النساء العراقيات، حيث اتهم عراقيون الدراما الكويتية بأنها تتعمد الانتقاص من العراقيين كلما سنحت لها الفرصة. 

فيما كانت أغلب ردود الفعل في الكويت رافضة لما اعتبروه إيحاءات مسيئة للعراقيين متسائلين عن المشكلة في وجود عراقية فقيرة أو خادمة في مشهد درامي ، فيما تبرأ آخرون من نسبة العمل إلى الكويت، وقالوا إن المسلسل من إنتاج سعودي، وإن الكاتبة "ممنوعة من الكتابة في بلدها".  

الباحث الاجتماعي، د. علي المعموري، يقول : إن "الحساسية بين العراقيين والكويتيين تعود إلى فترة الغزو العراقي للكويت عام 1990، حيث بقي نوع من العداء والتحسس بين الشعبين ،ونتيجة لهذه الحساسية، تتحكم النخب الثقافية بالحوار بين الشعبين، ويمكن أن تسبب تغريدة أو مشهد فني إساءات متبادلة". 

تحول شهر رمضان مع مرور السنين وللاسف الشديد، الى مصيدة للمشاهد من خلال برامج الفضائيات التي تتضمن مقابلات مع سياسيين وبرلمانيين، يتحدثون باجتهادات وفتاوى ودعاوى سياسية، ومناكفات

ويضيف المعموري، إن "أحد العوامل التي تزيد التوتر أيضا هو حالة الإحباط التي يعيشها العراقيون، مع تفاقم المشاكل التي يمرون بها على اقتصاديا وسياسيا، والتي غالبا ما يتخوف كثيرون من التعبير عنها من الحساسية المفرطة، كما أن وجود موضوع مثل هذا يمكن أن يكون قناة تفريغ للإحباط والغضب الحقيقي الذي يتعذر الحديث عنه بسبب المخاوف من الملاحقة أو من التعرض للانتقام". 

ويشير المعموري، الى إن كون "القناة مملوكة لسياسي سني أثار حساسيات مشابهة للمسلسل الخليجي إذ أدى بالمشاهدين إلى احتساب أنفسهم في المعسكر المقابل مما يرفع نسبة التحسس من كل ما يعرض"، مضيفا : "لو كانت القناة لمالك شيعي أو من الجنوب لكانت الحساسية أقل بكثير".، ومن الجدير بالذكر ان عرض هذا المسلسل اثار انتقادات من اغلب الجهات الشيعية ، ومنها "عصائب أهل الحق". 

بيان نقابة الفنانين العراقيين بخصوص مسلسل الكاسر

اما المسلسل الآخر فهو مسلسل درامي عراقي عنوانه "الكاسر" والذي  أثار عرضه ضجة بعد أن صور نجل شيخ قبيلة من جنوبي العراق في جلسة رقص. 

وأثار المسلسل ردود فعل وصلت إلى البرلمان العراقي حيث طالب نواب هيئة الإعلام والاتصالات بوقف عرضه، ما دفع الهيئة إلى إصدار أمر لقناة UTV المحلية بوقف المسلسل. 

لقد اتسم الفن خصوصا في شهر رمضان المبارك وخلال السنوات الاخيرة بصبغة سياسية وتاريخية لاتخلو من الاجندات التي يراد منها الانتقاص من فئات معينة داخل المجتمعات العربية ،وخصوصا في العراق، وبدلاً من أن تكون هذه المسلسلات هادفة تصوب نحو روح الشهر الفضيل واهمية العبادات والاجواء الروحانية للشهر باتت مصدراً للأزمات السياسية، وبابا للانقسامات المجتمعية ، حيث تبنت تصدير الوهم وتزييف الحقائق الذي تقف خلفه مؤسسات تضخ المليارات لبناء قصص جديدة ودثر اخرى مستغلة عاطفة الشعوب التي يبكيها مشهد تمثيلي ويضحكها اخر لايخلوان من الدس والتدليس مع غياب فكرة شهر الله وروحه العبادية ،من خلال استراتيجيات التحكم في الشعوب، وتوجيهها نحو ما تخطط له الاجندات السياسية والطائفية لتعتاش على الازمات . 

نقابة الفنانين اعلنت ايضا في بيان اخر إنها "قامت بفحص مسلسل الكاسر، وتابعت الحلقتين الأولى والثانية، ولم تجد فيه ما يسيء إلى قيم الشعب العراقي وتقاليده ،مشيرة الى ان مسلسل دفعة لندن هو الاخر لايسيء للعراقيين

تحول شهر رمضان مع مرور السنين وللاسف الشديد، الى مصيدة للمشاهد من خلال برامج الفضائيات التي تتضمن مقابلات مع سياسيين وبرلمانيين، يتحدثون باجتهادات وفتاوى ودعاوى سياسية، ومناكفات وأساليب لاتخلو التنمر ضد بعضهم بعض، ولا تخلو من لغة التسقيط والتي تعد اساسا لجلب المشاهدات للبرامج الحوارية وتصدر الترند.

ومن الملفت ان مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي شهدت هذا العام ، سجالات وجدلا كبيرا حول الإعلانات الترويجية التي تبثها الفضائيات لبعض الأعمال الرمضانية والتي رأى كثيرون أنها توظف الدراما لأهداف سياسية وطائفية واعادة قضايا خلافية اندثرت بمرور الزمن . 

ويستمر عرض هذه المسلسلات خلال شهر رمضان الكريم ، فيما تتفاقم حدة الجدل من خلال الصحف وشاشات التلفار ومواقع التواصل الاجتماعي  ،ودخلت على الخط  شخصيات سياسية ودينية وكل ينادي بالغاء هذا المسلسل او ذاك ويبرر اخرون ان الفن لاعلاقة له بالسياسة وانما هي احداث تاريخية جرى تعديلها دراميا ، ولابد من نقل الصورة التاريخية بايجابياتها وسلبياتها للمشاهد ، وهذا ما قالته نقابة الفنانين في بيان أصدرته بشأن المسلسلات العراقية التي تعرض حاليا ضمن دراما رمضان في مختلف القنوات وما تتعرض له من ملاحظات سلبية وأخرى إيجابية في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث  قـال نقيب الفنانين  جبار جودي : "مثلما في كل عام  يشهد هذا الشهر المبارك إنطلاق موسم درامي يقدم للمشاهدين خلاصة ماتم الإعداد له من مسلسلات وبرامج ، وفي هذا الموسم الرمضاني شهدنا إرتفاع عدد الأعمال الدرامية العراقية وهو أمر إيجابي نأمل أن يحقق لنا تصاعداً نوعياً في المواسم القادمة "، ويضيف : "ورغم تباين المستوى بين ما أنتج هذا العام .. تراوح بين نتاج بسيط حاول أن يحقق الربح المادي على حساب الجودة في الشكل والمضمون وبين أعمال حرصت على تحقيق مكانة مميزة لدى المتلقي والذي لانشك أبداً في قدرته على التمييز بين الغث والسمين ،مؤكدا انه ومن منطلق مسؤوليتنا المهنية والأخلاقية ندعو الجميع الى الهدوء والتروي وإنتظار إكتمال عرض الأعمال الدرامية لنجتمع بعد عيد الفطر المبارك ونناقش جميعاً وتحت سقف الديمقراطية التي منحنا إياها الدستور العراقي وبحضور كل مختص حريص على سمعة الإنتاج الدرامي العراقي لنصل الى توصيات تكون ورقة عمل وخارطة طريق لمواسمنا القادمة." 

نقابة الفنانين اعلنت ايضا في بيان اخر إنها "قامت بفحص مسلسل الكاسر، وتابعت الحلقتين الأولى والثانية، ولم تجد فيه ما يسيء إلى قيم الشعب العراقي وتقاليده ،مشيرة الى ان مسلسل دفعة لندن هو الاخر لايسيء للعراقيين" ، داعية الجهات المعترضة وهيئة الإعلام والاتصالات إلى "انتظار نهاية عرض المسلسلين بعد عيد الفطر، للبت في الأمر".   

من الملاحظ وعلى مر السنين ان مسار البرامج خلال شهر رمضان وموسم الانتخابات في العراق قد تغير، اذ يتم اختيار النصوص الدرامية  وضيوف البرامج الحوارية وفق ما يخطط له في اروقة السياسة لضرب هذا الهدف اوذاك، حيث توفر القنوات التلفزيونية المملوكة لبعض السياسيين كل الإمكانيات وتسخّر جميع مفاصل القناة لحدث معيّن أو لشخصية ما، بينما يتم التغاضي عن ملفات حسّاسة ومهمة على تماس مباشر بالمجتمع، وكثيرا ما شهدت بعض البرامج خلافات بين مقدميها وقيادات حزبية وصلت إلى التهديد والتشهير، لكنهم يعودون معا مجددا، مايثبت فكرة ان هؤلاء ينتفعون من خلال هذه البرامج سواء المحاور او الضيف على حساب المشاهد الذي لايعلم كواليس مايدور. 

وفد عشائري يزور هيئة الاعلام والاتصالات

يقول احد الاعلاميين المخضرمين : أن "البرامج السياسية تنقسم إلى قسمين لا يخلوان من "السمسرة" حسب قوله، مؤكدا إن الكوادر الإعلامية تكون مطلعة على ما يدور خلف الكواليس من صفقات وابتزاز وصداقات وعداوات، ما يوفر لهم معرفة في تحديد فتح الملفات ومن يمكن أن تناقش معه". 

ويبدو ان شهر رمضان امسى موسما لبث سموم الاطراف المتناحرة على مدى عام كامل يتوج في هذا الشهر بالتشهير والانتقاص والتسقيط ، وتدير كل هذا قنوات فضائية ووسائل اعلام وصفحات تابعة لسياسيين ومتنفذين لاغراض انتقامية ويكون المشاهد محدود التفكير ضحية لما يعرض خلال هذه البرامج ، والسؤال كيف انحرف مسار الشهر الفضيل من روح العبادة ومراجعة الذات والرجوع الى الخالق عز وجل الى مساحة تناحر وتنابز خلال ثلاثين يوما يجب ان تستغل لاغراض الدين لا السياسة ولتقويم المجتمع لا لهدمه ولترسيخ مبادئ العبادات والدين الحق لا لترويج الفسق والتباهي والاستعراض . 

علي عبد الأمير مدير عام قناة utv

لقد افقدت السياسة والطائفية والحقد بين الشعوب قيمة رمضان الحقيقية  وروحيته الدينية، وبات ساحة للتنافروميدانا للفضائيات التي تبث السموم الفكرية ، واصبح  "الترند" الغاية والوسيلة لانتشار شخصيات سياسية او فنية من خلال تبني لهجة التطرف والتسقيط ، تدعمه وسائل اعلام جامحة لا احد يستطيع ايقاف سيل لعباها ، ولابد من وقفة لحظر الأعمال الفنية التي تسيء لتاريخ الشعوب والدول وتسعى لتفكيك المجتمعات ونشر الرذيلة، من اجل حماية المجتمعات من هذا السيل الهادر والكم الهائل من الغل واستبداله بمفاهيم اخلاقية نبيلة ترسخ التعايش السلمي والتماسك المجتمعي .


اختيار المحررين