السلاح المنفلت "يغض الطرف ويتبختر" في شوارع "الدولة" !

4036 مشاهدة
01:49 - 2021-05-11
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز | تقارير 

أينما ولّيت وجهك ثمة سلاح، فأسواق بيعه ظاهرة للعيان على مرأى من الدولة ومسمع، سلاح خفيف وآخر ثقيل وذخائر وكل ما تحتاجه الحروب والنزاعات والثأر من مستلزمات، وسط المدن في بغداد والجنوب والفرات يستدل عليها من يريد الحصول على قطعة سلاح او ذخيرة ، حالها حال محال بيع العقارات والخضروات،حتى ان هنالك صفحات على الفيسبوك متخصصة بالترويج للسلاح وبيعه، في بلد هو أول من سنّ القوانين والعدالة للناس. 

 

 من الأرشيف لانتشار الجماعات المسلحة في شوارع بغداد
ظاهرة السلاح المباح "المنفلت" أمست واقعا يقض مضاجع الدولة الساعية الى فرض سلطة القانون وهيبة الدولة ،يقابلها تفاخر بحمل السلاح من مجاميع مسلحة واخرى عشائرية تعده مدعاة للقوة والسلطة في ظل غياب واضح لسلطة القانون، ودولة عاجزة عن ان تسمي حتى تلك المجاميع بأسمائها ، خوفا من المحذور ! 

التوترات الحاصلة بين المكونات الاجتماعية العراقية في مناطق الوسط والجنوب، وسطوة العشائر وارتباك الوضع الامني والسياسي وظهور المجاميع المسلحة ذات الاذرع السياسية والولاءات  الخارجية وغياب منطق الحكمة والتهريب و تفشي ظاهرة المخدرات والانحدار الاخلاقي في بعض مفاصل المجتمع، كلها فتحت الباب مشرعا لدخول السلاح بيد هذه الفئات في ظل صمت حكومي ودعوات شعبية للقضاء على هذه الظاهرة التي اصبحت تهدد المجتمع وتلقي بظلالها على أمن وسلامة العراقيين . 

سلاح المليشيات المتفاخرة به تنامى كثيرا وبدأ يشكل راس هرم السلاح المنفلت واخطره ،ما يشير الى ان ما اراده الكاظمي كان مجرد اسقاط فرض لارضاء كتل بعينها وكسب الود الشعبي بينما تشهد شوارع العاصمة بغداد استعراضات عسكرية في هتك واضح لحرمة المدن

قذائف صاروخية ومسدسات كاتمة للصوت، وأنواع المدافع وقذائف الهاون، وحتى الصواريخ والطائرات المسيّرة، كلها بيد اشخاص خارج اطار الدولة وسوق سوداء في بلاد بيضاء، لا تريد إلا السلام ..ولكن !  

بحسب دراسة أجرتها الأمم المتحدة مؤخرا فان العراق على رأس الدول التي ينتشر فيها السلاح بشكل عشوائي خارج سلطة الدولة. 

من أين يدخل هذا السلاح الى العراق ؟ وضد من يستخدم ؟ ومن مصلحة من بقاء حال الانفلات هذا على ماهو عليه ؟ وهل من امل في حصر آلة القتل هذه بيد الدولة ؟ 

مليشيات مسلحة تستعرض بين الحين والآخر بسلاحها وعجلاتها وسط المدن وعمليات خطف وقتل بسلاح مجاز حكوميا، والهدف منه هو ان يسود منطق السلاح على منطق القانون والدولة ، وفي المحصلة فهو سلاح يمشي في الارض مرحا ولايتلفت خلفه لانه واثق من ان من خلف الزناد مقتدر بقوة تفوق حتى قوة الدولة اوجدتها الدولة نفسها، وواثق ايضا بان الحدود العراقية مفتوحة على مصراعيها تُدخل كل شي وأنى يشاء المريدون والمهربون والخارجون عن القانون. 

الحكومة العراقية مسؤولة عن فوضى انتشار هذا السلاح بشكل مرعب ، فهي من اجازت لشيوخ القبائل وأبنائهم ومجاميع اخرى رخص حمل السلاح ، واجازت ايضا للواقفين بوجهها بمسميات عديدة لاحصر لها افرزتها مرحلة الحرب على الارهاب وبدلا من ان تندمج بالدولة اشهرت سلاحها بوجه القانون والمجتمع وباتت تهدد امن المواطنين والبعثات الدبلوماسية والسفارات العاملة في العراق .  

 من الأرشيف صور لجماعات عشائرية مسلحة وهي تتقاتل في داخل المدن السكنية 

وعلى الرغم من إقرار مجلس النواب السابق قانون تنظيم عملية حيازة الأسلحة، لكن منح رخص السلاح مازال مستمرا بطرق شتى ابرزها العلاقات والوساطات والرشى والمجاملات السياسية، لتشهد بغداد والمحافظات جرائم قتل عنيفة وبدم بارد، فكل من لديه خصومة مع احد ما عليه الا ان يضغط باصبعه فينفلت الرصاص موديا بالقانون ويطرحه ارضا فتختفي آثار الجريمة مثلما يختفي السلاح بعدها ليظهر في تحد جديد كلما دعت الحاجة الى ارباك الوضع الامني او استعراض لعضلات بعض المجاميع الخارجة عن القانون، وبغطاء سياسي احيانا. 

صراع على  كل شيء حتى على ”دجاجة" وأراض زراعية وثأر ومشكلات اجتماعية ، خصوصاً في محافظات البصرة وذي قار وميسان، في حين تشهد بغداد مركزالحكومة اشتباكات عشائرية مماثلة في وضح القانون و" يتكتر " القانون جانبا

لم تتمكن الحكومات المتعاقبة على إدارة البلد بعد عام 2003، من تطبيق مشروع "حصر السلاح بيد الدولة"، رغم تضمينه في برامجها الحكومية ،وبات يهدد أمن المدن العراقية دون استثناء ،وانتقل سلاح المليشيات والجماعات المسلحة والعشائر والقبائل التي تخوض بين الحين والآخر معارك طاحنة فيما بينها الى واقع يومي يؤرق المواطن الذي ينشد السلام ويريد بلدا حضاريا يسوده القانون، حالما ببلاد منزوعة السلاح مزروعةً بالامل و البنَاء  . 

من الأرشيف استعراض عسكري تنظمه إحدى الجماعات المسلحة في شوارع العاصمة بغداد

صراع على  كل شيء حتى على ”دجاجة" وأراض زراعية وثأر ومشكلات اجتماعية ، خصوصاً في محافظات البصرة وذي قار وميسان، في حين تشهد بغداد مركزالحكومة، بين الحين والاخر،اشتباكات عشائرية مماثلة في وضح القانون و" يتكتر " القانون جانبا ليتيح لها ما ارادت ، فالشرطة لا حول لها ولاقوة امام سلطة العشيرة والمجاميع المسلحة بينما القانون والقضاء يكافح دون جدوى . 

ناقوس الخطر يدق كل يوم لكن الآذان صم والقلوب ترتجف من ذكر "السلاح المنفلت" وكأنه هو القانون والقانون محصور بيده ! 

في عام 2019، قال قائد شرطة البصرة حينها ،رشيد فليح، إن "السلاح المنفلت في البصرة يعادل ترسانة فرقتين عسكريتين"، وطلب المساعدة من بغداد من أجل ضبط ظاهرة السلاح المنتشر بيد العشائر والجماعات، إلا أن الحكومة المتصدعة سياسيا وشعبيا انشغلت بتظاهرات شعبية، انطلقت في الأول من تشرين الأول الماضي من ذات العام ، وأرجأت

عملية احتواء سلاح العشائر، وحينما تولى رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، أكد على حصر السلاح بيد الدولة، وأهمية التزام المؤسسة العسكرية بمهامها الوطنية والمهنية، وفرض هيبتها واحترامها، والدفاع عن سيادة العراق وأمنه واستقراره. 

لكن الواقع يشير الى غير ذلك، فالنزاعات العشائرية تفاقمت اكثر في الجنوب والوسط وحتى في بغداد، والتي يذهب ضحيتها كل يوم عشرات العراقيين، وتفاقم معها تهديد الجماعات المسلحة لمصالح المستثمرين وأصحاب الشركات وحتى المواطن. 

سلاح المليشيات المتفاخرة به هو الاخر تنامى كثيرا وبدأ يشكل راس هرم السلاح المنفلت واخطره ،ما يشير الى ان ما اراده الكاظمي كان مجرد اسقاط فرض لارضاء كتل بعينها وكسب الود الشعبي بينما تشهد شوارع العاصمة بغداد كل حين ،استعراضات عسكرية في هتك واضح لحرمة المدن و بسلاح خفيف ومتوسط وثقيل وتحت انظار القوات الامنية بل حتى انها ترافق تلك الاستعراضات في بعض الاحيان. 

التقديرات الحكومية حول كمية السلاح الموجود لدى العشائر وبحسب مسؤول في وزارة الداخلية تشير الى أكثر من 7 ملايين قطعة، بين سلاح خفيف ومتوسط، وأعلى من المتوسط مثل مدافع الهاون والقذائف المضادة للدروع وصواريخ الكاتيوشا. 

مشهد السلاح المنفلت وهو" يتبختر ويغض الطرف" عن دعوات حصره لايمكن لاي احد ان يدرك خطورته اذا ما عرفنا ان لا امل سوى بما ينتظره العراقيون في الانتخابات المبكرة من تغيير، ولكن حتى يوم الانتخابات "إنْ جرت بسلام"  قد نشهد تفاقما لظاهرة السلاح الهائج وقد يتهور ليردي الدولة صريعة برمتها، اذا ما أفلس اصحابه . 

ملف السلاح المنلفت في العراق من بين أبرز الملفات الأمنية التي ارهقت كاهل الحكومات العراقية المتعاقبة، بعد داعش، والمليشيات المنفلتة، وعصابات الجريمة المنظمة وشبكات تجارة المخدرات، لاسيما انه نتاج لكل هذه الافرازات. 

مقترحات الحكومة لشراء السلاح من العشائر والافراد بأضعاف سعره، وتنفيذ عمليات تفتيش من قبل الجيش العراقي بغطاء قانون يتم تشريعه بشأن السلاح خارج إطار الدولة، لم تطبق على ارض الواقع بعد، وان طُبقت فستكون الخطوة الأولى لحصر هذا السلاح، إنْ كانت جادة ! 

ولكن تبقى كل هذه المقترحات والافكار مرهونة بتطور الاوضاع الامنية والسياسية سلبا او ايجابا، لاسيما وان العراق مقبل على مرحلة انتخابات مبكرة قد تكون أسخن من سابقاتها بعد ان أيقن السياسيون المتربعون على عرش السلطة والمال والسلاح ان رياح التغيير آتية لامحالة، ليبقى العراقيون يعيشيون ب "الهبّاطة" حتى مطلع ذلك التغيير .

#سياسة #اخبار #العراق

اختيار المحررين