خريف "الطشـة" !

20656 مشاهدة
07:42 - 2023-02-11
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز/ تحقيقات وتقارير 

باتت مواقع التواصل الاجتماعي وللاسف الشديد نافذة للاختلاف وتبادل الشتائم والسبب والتهديد وغياب الحشمة والخصوصية على الاغلب،  من خلال ما ينشره الكثير من مستخدمي هذه المواقع  من  محتوى هابط يسيء للذوق العام والآداب في ظل حرية منفلتة مبالغ فيها من دون ضوابط تحكم هذه المواقع، وتسبب الانفتاح الكبير وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي (تيك توك انستغرام سناب شات فيسبوك وغيرها) بمخاطر تهدد تماسك المجتمع وعادات وتقاليد العائلة العراقية وجلبت معها الكثير من المشاكل دون مراقبة لمن يستخدم تلك المواقع.  


كما استغل الكثير من الناس ممن يعانون من البطالة مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للرزق والكسب المادي ليتغلبوا على مصاعب الحياة وهذا الكسب لا يتم دون جذب المشاهدين والمتابعين وباعداد كبيرة ليصل المحتوى الى اكبر قدر من المستخدمين ويأتي هذا في الكثير من الاحيان على حساب الذوق العام والآداب المجتمعية . 

اعمام مجلس القضاء العراقي ضد أصحاب "المحتوى الهابط"

وباتت مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا مهما للأخبار والمعلومات لسرعة نشرها ،خصوصا ان الوصول الى تلك الاخبار يكون سهلا للغاية من خلال الهاتف المحمول الذي يملكه جميع الناس ، فكيف اذا كانت الاخبار تدعو للفتنة وترويج للإشاعة وتبث الكراهية والتسقيط السياسي والمجتمعي ونشر محتويات فاحشة ومخلة بالاداب العامة ؟ 

محتوى هابط وحرية صاعدة! 
وبما أن مواقع التواصل الاجتماعي تشهد الكثير من المحتويات التقليدية ، لذلك يلجأ بعض صناع المحتوى لاختراع ونشر ما يزيد المشاهدات ويجذب المتابعين بمختلف الأعمار والأذواق خصوصا فئة الشباب وهو المحتوى الهابط الذي يتضمن التنمر او إبراز المناطق الجنسية أوالإشاعات والفتن أوالسباب والشتم  . 

شهد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العراق الكثير من المبالغات وتخطى حدود الحرية بسبب الانفتاح اللامعقول وغير المقنن على هذه المواقع ،حيث ولد هذا الانفتاح المفاجئ وغير المنضبط ارتدادات أضعفت النسيج المجتمعي والعلاقات الأسرية وحتى عالم السياسة الذي لم يغب عن هذه المواقع وكانت الطريق الى بعض الساسة والمتنفذين للاستفادة منها من خلال التسقيط السياسي والحث على الكراهية واشاعة خطاب التطرف والتهديد وحتى التجاوز على الدستور والقانون النافذ. 

ان اعتقال منتجي هذا النوع من المحتوى ليس أكثر من "شوشرة" إعلامية أقامتها الجهة المسؤولة لتبين للعراقيين أنها تتابع ما يحدث، مما جعلها أشبه بهيئة رقابية سلطوية على محتوى مواقع التواصل 

الخبير في مجال حقوق الإنسان، علي البياتي، يقول في هذا الشأن، ان "كل الحريات بحاجة الى تنظيم، على اعتبار ان الحرية الشخصية والحقوق متاحة بشرط ان لا تتجاوز على حرية وحقوق الآخرين، وهذا يتطابق مع المادة 17 من الدستور التي تكفل حماية الخصوصية بشرط عدم التجاوز على الآداب العامة، ويضيف ان لا اختلاف على ضرورة ان تكون منصات التواصل الاجتماعي هي مساحة لحرية التعبير عن الرأي، ولكن بدون التجاوز على حريات الاخرين وحقوقهم". 

ويوضح البياتي ان "الكثير من المواد والحقوق المكفولة في الدستور العراقي او حتى القوانين الدولية، غير مترجمة من خلال التشريعات، وبالتالي نحن ما بين تشريعات قديمة تعود لحقبة ما قبل 2003 إن وجدت ويساء استخدامها، او مواد غير مترجمة على ارض الواقع، وبالتالي هناك فراغ تشريعي وقانوني واضح"، مشددا على ضرورة الفصل ما بين عمل هذه المؤسسات والسلطات، ابتداء من التشريع الذي يعرّف هذا النظام وهذه الآداب لأنه غير موجود، وكذلك الحال بالنسبة للتشريع الذي يعرّف هذه المواد القانونية والدستورية، فهو غير موجود ايضاً". 

سعد معن مدير دائرة العلاقات والاعلام في وزارة الداخلية

لقد واجه العراقيون الكثير من تضييق الحريات وتكميم الأفواه على مدى عقود، وفجأة وجدوا مساحة واسعة لقول وفعل  ما يريدون ويشاهدون وفي أي وقت يشاؤون، دون حساب من الدولة أو رفض من المجتمع، وتنتشر هذه الحرية السلبية دون رقابة او قانون ينظم عمل تلك المواقع التي تنشرها، ما ولد حالة هستيرية لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وراحوا يتفننون في نشر كل ما يمكن نشره ،لافراغ طاقاتهم السلبية، في ظل صمت حكومي وعدم تدخل مؤسسات الدولة المعنية بالنشر مثل هيئة الاعلام والاتصالات ووزارة الثقافة، وخلقت هذه الحالة حالة مضادة لكنها ليست قانونية بل تخضع للامزجة من قبل ضباط في الاجهزة الامنية يوجهون كيفما تشتهي غاياتهم فيمنعون هذا المستخدم ويسمحون لذاك ، في حين كان الاجدر ان يتم اقرار قانون جرائم المعلوماتية داخل قبة البرلمان ليكون مستندا دامغا لاولئك الذين يسيئون للمجتمع عبر فيديوات ومنشورات وصور خادشة للحياء، وكذلك اولئك الذين يحرضون وينشرون محتويات طائفية وعرقية تحرض الناس على الناس ، وهؤلاء اخطر من سيدة تستعرض ملابسها او مقتنياتها من الذهب والاموال .  

لابد من سيطرة الدولة على كل ماينشر ويقال على مواقع التواصل الاجتماعي ، لكن وفق ضوابط قانونية يحددها التشريع وينفذها رجال القضاء على ان لا يستغل اولئك العاملون على انفاذ القانون تلك الضوابط ويخضعونها لامزجتهم واهوائهم  .

لقد ولد قرار وزارة الداخلية، الاخير الخاص بتشكيل لجنة لمكافحة المحتوى الهابط على وسائل التواصل الاجتماعي، ردود فعل مختلفة، لاسيما بعد اعتقال عدد من صناع المحتوى على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي،ويؤكد معنيون أن هذه المهمة هي ليست ضمن مسؤوليات وزارة الداخلية، المعرفة وفق القانون، إضافة الى ان عمل اللجنة يتسم بالضبابية، مع عدم وجود رؤية واضحة اومعايير او نصوص لضوابط تحدد من هو المسيء ، ودعا المعنيون السلطات الى احترام الدستور والنظام الديمقراطي وعدم التجاوز على الحقوق الأساسية وكسر مبدأ الفصل بين السلطات، حيث لايمكن لرجل الامن ان يحدد ماهو المحتوى الهابط ،لان ذلك يحتاج الى متخصصين ومؤسسات تعنى بهذا الامر وليس ضباط في الداخلية، والسؤال الذي يفرض نفسه هو اين هؤلاء الضباط من اولئك الفاسدين الذين ينشرون ويروجون لمحتويات طائفية وعنف وتهديد وتسقيط ؟  

ان ظاهرة اصحاب المحتوى الهابط او السيء ممن يسعون خلف الشهرة وعرفوا باصحاب "الطشة" صارت تنتشر كالافة تاكل بنسيج المجتمع ويعلم الكثير ان هؤلاء دخلاء على الاعلام تسموا بمسميات شتى مثل ( البولكرات او اليتيوبرية او الفاشنيستات)

وليس الاشخاص العاديون وحدهم ينشرون محتوى سيئا ، فهناك مسؤولون وسياسيون ومتنفذون ينشرون ما هو اسوأ من هؤلاء انهم ينشرون التطرف والطائفية والابتزاز ويعلنون الحرب فيما بينهم متجاوزين الدولة والقانون وحتى القضاء .  

تنحصر مهمة وزارة الداخلية وحسب التشريعات الموجودة بحفظ الامن الداخلي وضبط الحدود مع دول الجوار ومكافحة الارهاب وتجارة المخدرات والسلاح، ولا توجد ضمن مهمات وزارة الداخلية مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي او المعاقبة،اذن كيف لوزارة الداخلية ان تقوم بهذه المهام وهي ليست ضمن مهامها حسب القانون ؟
وعلى وفق أي مادة ستتم معاقبة اصحاب المحتوى الهابط ؟ 

جنح الكرخ تصدر حكمين، الاول بالحبس لمدة سنتين بحق المدان (حسن صجمة)، والثاني لمدة ستة اشهر بحق (ام فهد) 

ورغم هذا فان كل مواطن يشعر بالارتياح  لتنظيم ما ينشرعلى وسائل التواصل الاجتماعي بشرط ان يكون وفق القانون وطبقاً لما يصدر من تشريع بهذا الخصوص مصدره البرلمان ، لكن هل تستطيع الحكومة محاسبة  السياسي الفاسد  صاحب المحتوى السيء الذي ينشر لاجل "الطشة " ؟ 

المدير التنفيذي لمؤسسة الميثاق للتنمية والديمقراطية سعد عامر، اكد الحاجة الى تنظيم هذا الفضاء الواسع من مواقع التواصل ، مبينا ان العراق  يفتقد لوجود الاليات الدستورية والقانونية، التي تمنع التصرفات التي تسيء للذوق العام، مؤكدا انه في الوقت الحالي لا يمكن محاسبة شخص ينشر محتوى غير لائق، فلا يوجد نص قانوني يسمح بذلك، كما لم تحدد وزارة الداخلية أية معايير للعمل وفقها، ولم تطلب ان يكون هناك تدخل من المشرّع العراقي ليشرّع مثل هكذا قوانين اوالتعديل على قوانين موجودة سابقاً. 

كما اشار عامر إلى ان ترك الأمور تسير بهذه الطريقة يعني ذهابنا باتجاه عملية ازدواجية ومزاجية في محاسبة الأشخاص اوالمشاهير والإعلاميين، بحسب قوله ، منوها إلى انه "يجب ان تكون هناك رؤية وآلية عمل واضحة، ويتم التعريف بالضوابط والمحددات وما هو الممنوع والمسيء"، كما عبر عن خشيته من استغلال لجنة مكافحة المحتوى الهابط التي شكلتها وزارة الداخلية، في إسكات الأصوات وتقييد الحريات، لافتا الى ان هناك جهات تعمل على تكميم الأفواه التي تنتقد بعض الجهات السياسية أو الحكومية. 
كما علّق الكاتب والأكاديمي فارس حرام على موضوع لجنة المحتوى بالقول: ان "دخول وزارة الداخلية على الخط لمكافحة ما يسمى المحتوى الهابط أمر غير مؤسسي ولا دستوري وبلا سند قانوني، فالظاهرة أصلها ثقافي، وتتم مكافحتها عبر إنقاذ قطاعي التربية والتعليم من الانهيار، وليس بعمل بوليسي سيختلط من دون شك بالقمع والانتقاء". 

الخبير القانوني علي التميمي

وقال حرام، إنه "لا بدّ من نشر الوعي بخطورة التفاهة حين تغزو حياتنا، لكن مع التذكير أن فكرة المجتمع الفاضل مستحيلة التحقيق، وإذا كان من دفاع عن فضيلة ما فتلك هي مسؤولية المجتمع بوسائله السلمية وصراع الأجيال وقدرات الإقناع وهي  قضية ثقافية تماماً، لا صلة للشرطة بها، مردفا بالقول :" وإذا أردتم التغيير فعلاً، فأبدأوا من التعليم الذي خربته سياساتكم" ، محذرا من الدفاع عن المفاهيم العامة في عمل الشرطة وتطبيق القانون، بحسب قوله. 

ويذكر ان وجه مجلس القضاء الاعلى كان قد وجه الاربعاء 8 شباط  2023، باتخاذ إجراءات مشددة بحق أصحاب المحتوى المسيء للذوق العام على مواقع التواصل الاجتماعي ،وقال رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان في اعمام رسمي وجهه إلى رئاسة الادعاء العام وهيئة الاشراف القضائي ومحاكم الاستئناف كافة، "إنه لوحظ من خلال الرصد الاعلامي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير أخلاقية اضافة الى الاساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات لذا اقتضى اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة بحق من يرتكب تلك الجرائم وبما يضمن تحقق الردع العام." 

جاء ذلك بعدما انتشر في الآونة الأخيرة بث مقاطع فيديو لمشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي يُقدّمون فيها محتوى هابطا لا ينسجم مع الثقافة العامة والعادات والتقاليد المجتمعية، فيما أطلقت وزارة الداخلية العراقية حملة لرصد تلك المحتويات.

كما أصدرت محكمة جنح الكرخ حكمين، الاول بالحبس لمدة سنتين بحق المدان (حسن صجمة)، والثاني لمدة ستة اشهر بحق المدانة (غفران مهدي سوادي) المدعوة بـ (ام فهد) لقيامهما بنشر عدة افلام وفيديوهات تتضمن اقوال فاحشة ومخلة بالحياء والاداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي ،وذكر المركز الاعلامي لمجلس القضاء الأعلى في بيان أن "الحكمين بحق المدانين يأتيان استنادا لاحكام المادة 403 من قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969 المعدل". 
وعلق أستاذ الإعلام في كلية الإسراء الجامعية نزار السامرائي على اعتقال منتجي هذا النوع من المحتوى بانه ليس أكثر من "شوشرة" إعلامية أقامتها الجهة المسؤولة لتبين للعراقيين أنها تتابع ما يحدث، مما جعلها أشبه بهيئة رقابية سلطوية على محتوى مواقع التواصل ، مضيفا أن الأمر يبدو أنه يتعلق بفئة معينة راحت منشوراتها تفضح واقع العديد من المسؤولين والمؤسسات، ومنها الجهات الأمنية التي تتعامل مع هؤلاء حتى أصبحوا هم من يتقدمون على النخب المثقفة والأدباء والإعلاميين في المحافل العامة ، معتبرا اعتقال من وصفوا بأصحاب المحتوى الهابط مخالفة دستورية صريحة لعدم وجود ما يبرره، خاصة أن هذا المحتوى أصبح للأسف سمة في الشارع. 

يقول مدير العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية سعد معن رئيس لجنة مكافحة المحتوى الهابط معلقا على عمليات اعتقال اصحاب المحتوى السيء "إن عمليات الاعتقال جاءت نتيجة شكاوى وصلت الى الوزارة من قبل مواطنين وناشطين عبر منصة (بلّغ) الإلكترونية التي استحدثتها الوزارة مؤخرا للتبليغ عن المحتويات التي تخدش الحياء" ، مشيرا الى أن المعتقلين سيحالون إلى القضاء وبحضور لجنة من الخبراء للنظر في قضاياهم، منبها إلى أن وزارة الداخلية لاحظت تراجعا واضحا في انتشار المحتوى "الهابط" بعد عمليات الاعتقال، في الوقت الذي أكد فيه أن عملية الاعتقال تمت وفق المادة 403 من قانون العقوبات. 

وتقول المادة 403 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن 200 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتابا أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوما أو صورا أو أفلاما أو رموزا أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة". 

ولم يكشف معن عن أسماء المعتقلين، إلا أنه أكد أنهم 5 أشخاص بينهم سيدتان، في الوقت الذي أشارت فيه مصادر صحفية إلى أسماء هؤلاء المعتقلين وهم: حسن صجمة، سيد علي، عسل حسام، أم فهد، قدوة المعروف بسعلوسة، وهم من الناشطين على تطبيق تيك توك Tiktok ويستخدمون مفردات أثارت جدلا بين العراقيين، سيما أن عدد متابعيهم قد بلغ مئات الآلاف. 

بالوثيقة.. نقابة المحامين تشكل لجنة لرصد محتوى أعضائها "الهابط"

الخبير القانوني علي التميمي، فصّل بان قانون العقوبات قد ميز بشكل واضح بين السب والقذف والتشهير، داعيا الى افتتاح قسم خاص في هيئة الإعلام والاتصالات يكون بمثابة تعديل لقانون 65 لسنة 2014، ويقترح التميمي أن تتولى هيئة الاعلام والاتصالات مسؤولية المراقبة من خلال تفعيل قسم مختص يضم عددا من خبراء الإعلام والقانون، على أن يكون ارتباطه بالمدير التنفيذي للهيئة لمراقبة ما ينشر عبر الإنترنت، وإحالة ما يخالف القانون للقضاء، مشددا بالوقت ذاته على ضرورة تشريع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية ليكون حلا لمثل هذه الجرائم الشائعة. 

ان ظاهرة اصحاب المحتوى الهابط او السيء ممن يسعون خلف الشهرة وعرفوا باصحاب "الطشة" صارت تنتشر كالافة تاكل بنسيج المجتمع ويعلم الكثير ان هؤلاء دخلاء على الاعلام تسموا بمسميات شتى مثل ( البولكرات او اليتيوبرية او الفاشنيستات) وهؤلاء يقدمون محتوى هابطا وسيئا للبحث عن اكبر قدر من المشاهدات وبأي شكل وبأي طريقة مما جعلهم يتمادون بالاستهتار بكل الاخلاقيات المجتمعية، وبمقابل هذا لم تكن هناك قوانين تواكب هذا التطور التكنولوجي لتحدد ضوابط النشر والمسموح منه والممنوع، وحينما وجدد هؤلاء المساحة الاعلانية والاعلامية فارغة تمادوا وخرجوا عن كل ما هو مألوف مجتمعيا واخلاقيا وعرفيا وحتى ديني ، مستغلين الصراع الازلي بين الساسة للتسقيط السياسي فيما بينهم مع غياب النية الخالصة لممثلي الشعب لتشريع القوانين التي تضبط ايقاع المجتمع على الاقل في مواقع التواصل الاجتماعي . 

الباحثة الاجتماعية الدكتورة ندى العابدي، ترى أن المحتوى الرقمي بحاجة إلى دراسة ومراجعة واقع المجتمع العراقي، ومعرفة أسباب لجوء غالبية الشباب والشابات والمراهقين لمتابعة هذه المحتويات التي وصفتها بـالخالية من المعنى ، مؤكدة ان هناك غيابا لفهم معنى الحرية من قبل هؤلاء الذين يبثون محتويات تافهة أو سطحية تعمل على إشغال الشباب في قضايا قد تعيق تنمية مواهبهم وتطوير ذاتهم".

لاتملتك الحكومة العراقية على مايبدو،ارقاما وإحصائيات بأعداد أو نسب العراقيين المستخدمين لشبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، بحسب ما يؤكده المتحدث باسم وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي عبد الزهرة الهنداوي ، الذي يؤكد ان مثل هذه الإحصائيات لن
تتوفر قبل إجراء التعداد السكاني العام، ويشير إلى أن الوزارة  أعلنت منتصف كانون الثاني الماضي 2022 عن إعادة تشكيل الهيئة العليا للتعداد العام للسكان والمساكن، مرجحا تنفيذ التعداد السكاني أواخر العام الحالي. 

فيما كشف مركز الإعلام الرقمي عن أن عدد مستخدمي شبكات التواصل بمختلف أنواعها خلال عام 2022 بلغ نحو 28 مليونا و300 ألف مستخدم، حيث يشكل الذكور ما نسبته 67.9%، بحسب المركز. 

بالعودة الى أستاذ الإعلام في كلية الإسراء الجامعية نزار السامرائي، فانه يرى "ان الحلول لظاهرة نشر المحتوى السيء والاساءة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تكمن بوجود توعية مجتمعية مكثفة، تبدأ من المراحل العمرية الصغيرة، وذلك عبر إقرار مادة التربية الإعلامية والرقمية ضمن مفردات مناهج وزارة التربية من أجل التوعية بكيفية التعامل مع محتوى كهذا، وحث الشباب على تجاهله، وكذلك تشجيع ودعم الشباب من ذوي المحتوى الهادف، مع استضافتهم كضيوف شرف في المحافل الاجتماعية والثقافية والرسمية بدلا عن استضافة أصحاب المحتوى الهابط،ومن الممكن أن تكون هذه الطريقة أكثر فاعلية من لجنة المحتوى والسجن اوالاعتقال، ولم يخفِ السامرائي خشيته من أن تكون خطوات الاعتقال هذه ممهدة لاعتقال مدوّنين آخرين يعملون على نقد الجهات الحكومية والسلطة، وبالتالي يصبح الموضوع تكميما للرأي العام. 

وهذا ما اكدته الدكتورة ندى العابدي، التي ترى أن حملة الاعتقال ليست حلا، وإنما هي علاج ترقيعي، مضيفة ان هذا النوع من المحتوى موجود في غالب دول العالم، وبدلا من اعتقال من ينشره، لا بد من معالجة المشكلة من جذورها ومعالجة حالة اللا وعي التي تعصف بالمجتمع بسبب تردي مستويات التربية والتعليم والفراغ القاتل الذي يعيشه الشباب. 

وعلى مايبدو فان الامور كل الامور تدار في العراق وفق امزجة وتعدد مؤسسات لاعلاقة لها بتخصصها الذي عرّفه القانون ، وقد يكون المحتوى السيء في مواقع التواصل الاجتماعي خطيرا على المجتمع وحياة الناس ولكنه ليس اخطر من معالجته بطريقة خاطئة او كما يسمى بطريقة "الصدمة "أي ان كل حدث يثار في مواقع التواصل الاجتماعي يقابله تدخل مباشر من السلطة سواء معنية او غير معنية بمعالجته ويكون التدخل عشوائيا لا سند قانونيا له ما يعني غياب التشريع المكتمل لمفاصل الحياة وهذا مايؤشر سلبا على مجلس النواب العراقي الذي يسعى هو ايضا الى "الطشة "ولكن بطريقة مشرعنة!!



 

اختيار المحررين