حرية التعبير .. بلا حرية !

16074 مشاهدة
12:58 - 2022-12-17
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير 

في العراق .. الرأي مكبّل والأفواه مكممة ... !! 

"لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة، ولكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها". 

هذا هو نص المادة (19) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ولا شيء من كل هذا يلوح في افق الحرية المزعومة في العراق ، سواء في حرية التعبير عن الراي او في الحريات العامة . 

البرلمان أثناء انعقاده لقراءة قانون حرية التعبير قراءة اولى

يقصد بمصطلح حرية التعبير أو حرية الرأي ،انها "الحق السياسي لإيصال أفكار الشخص عبر الحديث،ويستخدم مصطلح حرية التعبير أحياناً بالترادف، ولكن يتضمن أي فعل من السعي وتلقي ونقل المعلومات أو الأفكار بغض النظر عن الوسط المستخدم عملياً حق حرية التعبير ليس مطلقاً في أي بلد وعادة ما يخضع هذا الحق لقيود مثلما في حالات التشهير والفحش والتحريض على ارتكاب جريمة، ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية، و"مربط الفرس" هنا حيث الرأي في العراق وحرية التعبير باتا وبالا على اصحابها ، لابل تهديدا صارخا لتصفية اولئك المطالبين بحقوق اقل ما توصف انها شرعية .  

يعترف بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان بموجب المادة رقم (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويعترف به في القانون الدولي لحقوق الإنسان في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. 

قسّمت مؤسسة "دار الحرية freedom house" في تقريرها السنوي عام 2021 بلدانَ العالم الى ثلاثة أصناف (حرة، حرّة جزئياً، وغير حرّة بالمرّة) معتبرةً العراق، وفق معطيات الاحداث التي يشهدها ،بلداً "غير حر بالمرة"! 

لقد استبشر العراقيون بعد 2003 بنهاية حقبة تكميم الأفواه، وبدت الصحف تزخ كالمطر ،تعبيرا عن حالة الكبت التي كان يعاني منها العراقيون في ظل سياسة الحزب الواحد والإعلام الموجه،ولكن سرعان ما بدّدت فرحة العراقيين هذه مطاردات الاصوات الحرة التي بدأت تنتقد المسؤولين في السلطة نتيجة تراجع ادائهم وفسادهم وبطشهم ، وبدأ معها "الخط الاحمر" و"تاج راسك" و"الحجي " ووضع لهم المطبلون "عصمة "لايمكن انتقادها. 

باتت مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا للعراقيين وبحبوحة راي يمررون من خلالها افكارهم وآراءهم ويصوبون اخطاء العملية السياسية وينتقدون المفسدين والواقع المجتمعي والظواهر السلبية ، لكنها بعد ذلك بدأت تضيق شيئاً فشيئاً ، حيث ارغمت بعض دوائر الدولة موظفيها على التعهد بعدم المساس بالـ"الرموز الوطنية والدينية" للبلد على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض الكليات والجامعات لاحقت طلبتها الذين ينتقدون الأداء الأكاديمي الرديء بعقوبات وصلت حد الفصل من الجامعة  وشهد العراق، في السنوات الأخيرة انتكاسة للحريات بشكل ملفت بعد "ثورة تشرين" عام 2019، حيث سُجلت (373) حالة اعتداء بحق صحفيين ومدونين وناشطين، شملت جرائم اغتيال وتهديد بالقتل واختطاف ، وحلّ العراق في المرتبة 172 من 180 دولة شملها تصنيف حرية الصحافة الذي أصدرته أخيرا منظمة مراسلون بلا حدود، متراجعا 9 مراكز عن تصنيف العام 2021، ما يؤكّد أن "أكذوبة حرية التعبير" انكشفت بعد 19 عاما من امل بديمقراطية ربما تعيد للعراقيين جزءا من كرامتهم وحريتهم التي سلبها النظام الدكتاتوري الشمولي ، وتبدلت اجواء الديمقراطية المنشودة الى اجواء من الخوف والتهديد والخطف والقتل والمطاردة رافقت اصحاب الفكر الحر والمتظاهرين المطالبين بحقوقهم المشروعة . 

استبشر العراقيون بعد 2003 بنهاية حقبة تكميم الأفواه،  في ظل سياسة الحزب الواحد والإعلام الموجه،ولكن سرعان ما بدّدت الفرحة مطاردة الاصوات الحرة التي بدأت تنتقد المسؤولين في السلطة نتيجة فسادهم وبطشهم ، وبدأ معها "الخط الاحمر" و"تاج راسك" و"الحجي " ووضع لهم المطبلون "عصمة "لايمكن انتقادها

لقد اثار قانون جرائم المعلوماتية في العراق مؤخرا، جدلا واسعا بين العراقيين بمختلف توجهاتهم بعد ان إنهى مجلس النواب قراءته الأولى بطلب من الحكومة، وانقسمت آراء العراقيين بين رافض للقانون ومؤيد له ، ويبرر المتخوفون من اقرار هذا القانون خوفهم من انه سيكون مكبلا لحرية التعبير من خلال تضمينه حكما بالحبس قد يطال صحفيين ومدونين يحاولون الكشف عن ملفات فساد وقضايا إنسانية ضد الحكومة والجهات القضائية. 

النائبة سروة عبد الواحد ،وعبر حسابها على تويتر قالت : ان "مشروع قانون جرائم المعلوماتية يحتاج عدة خطوات ليكون نافعا، فعلينا تشريع قانون حق الحصول على المعلومة، وإحالة العقوبات بمشروع المعلوماتية إلى القوانين المشابهة، والتركيز على منع الابتزاز وغلق المواقع الوهمية، ومنع الجيوش الإلكترونية، لذلك، القانون بشكله الحالي مرفوض ويقيد الحريات" ، فيما قال ناشطون ، إن "قانون جرائم المعلوماتية المزمع تشريعه داخل مجلس النواب يحوي بنودا خطيرة ذات مصطلحات فضفاضة قابلة للتأويل يمكن أن تستخدم لإسكات الصوت المعارض وتقويض حرية الإعلام والصحافة والنشر، وان على جميع القوى السياسية مراجعة بنود هذا القانون وإدراك مدى خطورته على النظام الديمقراطي في العراق".

النائب سروة عبد الواحد

وانهى مجلس النواب العراقي القراءة الأولى لمشروع قانون جرائم المعلوماتية بعد طلب تقدمت به وزيرة الاتصالات العراقية هيام الياسري، والتي قالت : "إن تشريع القانون يمكن أن ينظم وسائل التواصل الاجتماعي التي تسودها الفوضى حاليا، مما أدى إلى انتشار ظواهر الابتزاز الإلكتروني والإساءة للقيم والأعراف الاجتماعية والعائلية بدواعي حرية التعبير"، بحسب تعبيرها . 

فيما اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch) وبحسب بيان لها ، "عدم مضي مجلس النواب بعرض مسودة قانون جرائم المعلوماتية انتصارا لحرية التعبير الإلكترونية في العراق". 

وبالتزامن مع الجدل الدائر حول قانون حرية التعبير والتظاهر والاجتماع السلمي، الذي يسعى البرلمان لتشريعه، بعد قراءته الأولى إصدرت محكمة عراقية حكما بالسجن 3 سنوات على الناشط حيدر الزيدي (24 عاما) بتهمة إهانة مؤسسات الدولة ،وقررت محكمة جنايات الرصافة (الهيئة الأولى) حبس الزيدي على خلفية انتقاده الحشد الشعبي الذي قام جناحه الأمني بالقبض عليه في وقت سابق، ليتم بعدها إطلاق سراحه، قبل أن يصدر الحكم بحقه وفق أحكام المادة 226 من قانون العقوبات، وأعطى القرار الحق لهيئة الحشد للمطالبة بالتعويض أمام المحاكم المدنية إذا اكتسب الحكم الدرجة القطعية، وللزيدي حق استئناف الحكم. 

شهد العراق، في السنوات الأخيرة انتكاسة للحريات بشكل ملفت بعد "ثورة تشرين"عام 2019، حيث سُجلت (373) حالة اعتداء بحق صحفيين وناشطين، شملت جرائم اغتيال وتهديد بالقتل واختطاف ، وحلّ العراق في المرتبة 172 من 180 دولة شملها تصنيف حرية الصحافة

وأثارت قضية الزيدي، جدلا وانتقادات شعبية واسعة للسلطة القضائية في العراق متهمة اياها بمحاولة إسكات الأصوات الحرة وتجاوز حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور العراقي، متهمين السلطة القضائية بالدكتاتورية، كونها استخدمت مادة يعود تشريعها إلى قانون عقوبات مجلس قيادة الثورة (المنحل) الذي أقر عام 1969 في عهد النظام السابق، وهو ما عدّه كثيرون بداية لمرحلة جديدة من تكميم الأفواه، في ظل الحكومة العراقية المشكلة حديثا برئاسة محمد شياع السوداني. 

ونشر الزيدي على صفحته الشخصية في فيسبوك تدوينة دعا فيها إلى وقفة احتجاجية أمام المحكمة لمساندته، قائلا "الجميع يعرف أن أمن الحشد اعتقلني قبل فترة، وسُجنت مدة أسبوعين وخرجت بكفالة ، وغدا محاكمتي في جنايات الرصافة، بعد اتهامي بموجب المادة 226 المتعلقة بإهانة مؤسسات الدولة". 

وتنص المادة 226 من قانون العقوبات التي تعود لعهد حزب البعث المنحل على أن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات أو بالحبس أو الغرامة مَن أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية، في حين ما تزال هذه المادة محل جدل مستمر وواسع من قبل الجهات الرقابية والحقوقية.  

ان قضية الزيدي تعيد لاذهان العراقيين استغلال نفوذ المسؤولين داخل المؤسسات لاستهداف الأفراد، وهو تجاوز على العدالة عندما تكون الخصومة بين مؤسسة دولة وبين مواطن. 

وبالعودة الى  مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر علق الحقوقي علي  التميمي بالقول، إن القانون  لم يشر إلى حق الإضراب والاعتصام، رغم كونهما جزءا من حق الاجتماع المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور العراقي بإجماع فقهاء القانون الدستوري، كما لم يتم تعريف معنى النظام العام والآداب العامة التي تكررت في مشروع القانون والتي أجاز وفقها تقييد الحريات وفق المادة 12 من هذا المشروع، والتي تخالف المادة 46 من الدستور العراقي، فضلا عن أنه لم نعرف من الجهة التي يحق لها هذا التقييد، إذا كان مجلس الوزراء أم مجلس النواب، ومن هي جهة الطعن عند حصول ذلك. 

ويرى التميمي، أن مشروع القانون مقتضب جدا، ويحتاج الى تفاصيل وتوسعة في التعاريف والأهداف وحتى الأسباب الموجبة، مشددا على ضرورة ألا يخالف المشروع المادة 19 من ميثاق العهد الدولي، والمادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، إضافة إلى ضرورة أن يفرق المشروع بين النقد والانتقاد فبينهما خيط فاصل، حيث يحتاج مشروع القانون إلى الدقة في التعاريف. 

لقد اكتشف العراقيون وبعد 19 من التغيير من نظام ديكتاتوري الى نظام ديمقراطي اكتشفوا ان حرية التعبير مجرد اكذوبة وما هي الا "فخ"  يقع فيه من اراد ان يتخذ من الديمقراطية جسرا للتعبير عن رايه ، بل وباتت ادة قمع لكل ما ينشر ويقال إنْ خالف السلطة او انتقد ظاهرة سلبية  ومنحنىً خطيرا تؤكده اعداد مذكّرات الاعتقال والقبض التي صدرت أخيرا بحق صحفيين ومدونين وناشطين عراقيين، لمجرّد أنهم انتقدوا مؤسسة حكومية أو شخصية سياسية او عبروا عن رايهم، وبات استهداف اصحاب الكلمة الحرة منهجا مشروعا بالنسبة للسلطة لتحافظ على ماتبقى من اركانها المتآكلة ، في وقت ينتظر فيه العراقيون ان تقطع الديمقراطية اشواطا كبيرة في سن وتشريع قوانين تعطي حرية اكبر وفسحة للتعبير عن الراي والنشر والحريات العامة . 

ان تحول استهداف من يعبر عن رايه في زمن الديمقراطية  إلى استهداف من قبل السلطة والقضاء يؤشّر بما لايقبل الشك إلى حالة من ان القضاء  بات ماردا مرعبا يلجم حرية التعبير ويقيدها  بدلا من أن يكون حاميا للحقوق ! 
وعلى من يمتلك زمام  الامر سياسيا ان ينبري لتقويم اعوجاج الديمقراطية العرجاء في العراق ويصوب نحو توسيع دائرة الحريات العامة والخاصة مع الاحتفاظ بالقيم  والتقاليد والثوابت ، والا فستكون الحرية في العراق عموما دكتاتورية جديدة بلباس دمقراطي هزيل .

اختيار المحررين