النووي الإيراني يتأرجح بين بغداد وفيينا

3340 مشاهدة
12:25 - 2021-05-08
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز | تقارير 

تشهد المنطقة ارتياحا حذرا، على إثر تجدد المحادثات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا، من أجل إحياء الاتفاق النووي الايراني الذي توصلت إليه الدول الكبرى مع ايران عام 2015 ، وتوقف بعدها على خلفية اتهامات متبادلة بين طهران وواشنطن بشأن الإيفاء بالوعود التي قطعتها ايران لايقاف تخصيب اليورانيوم. 

من الأرشيف مصافحة بين جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق و وزير الخارجية الإيراني الحالي محمد جواد ظريف في عام 2015

وشهدت العلاقات بين واشنطن وطهران قبل استئناف الجولة الاولى من المباحثات الأخيرة بشأن الملف النووي ، تأزما كبيرا بعد حادثة مقتل قائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، في مطار بغداد بطائرة امريكية مسيّرة.   وفي مطلع نيسان 2021، استأنفت ايران والدول الكبرى ،فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا بمشاركة غير مباشرة من قبل الولايات المتحدة الامريكية في فندق وسط فيينا، المباحثات الهادفة لإنقاذ الاتفاق النووي التأريخي المبرم قبل ست سنوات، بين إيران والقوى الكبرى، ويبدو ان ايران هذه المرة لديها الارادة والجدية لمواصلة المباحثات، بهدف رفع العقوبات الاقتصادية عنها والتي كسرت ظهر الايرانيين وجعلت التومان يهبط أمام الدولار الأمريكي الى ادنى مستوياته، تبادلها واشنطن ذاتَ الاستعداد، بعد فوز جو بايدن، في الانتخابات الامريكية التي ازاحت دونالد ترامب، وازاحت معه عائق العودة للمباحثات مجددا، وفتحت باب امل جديدا لإنعاش العلاقات المتوترة بين الخصمين العنيدين. 

يبدو ان ايران هذه المرة لديها الارادة والجدية لمواصلة المباحثات بهدف رفع العقوبات الاقتصادية عنها والتي كسرت ظهر الايرانيين وجعلت التومان يهبط أمام الدولار الأمريكي الى ادنى مستوياته

وبالعودة الى اتفاق العام 2015، فانه قد فرض قيودا على البرنامج النووي الإيراني مقابل ضمانات للمجموعة الدولية بأن إيران لن تسعى إلى تطوير سلاح نووي. 

من الأرشيف لحظة الإعلان عن الاتفاق النووي في عام 2015

وفي العام 2018 انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي من جانب واحد وأعاد فرض عقوبات أحادية، ما دفع بإيران إلى الرد عبر تجاوز بعض التزاماتها الواردة في نص الاتفاق. 

وأبدى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن استعداده للعودة إلى الاتفاق لكن إيران رفضت، في البداية، إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة طالما أن العقوبات ضدها لا تزال مفروضة.

ولعب الاتحاد الأوروبي مؤخرا دور الوسيط بين طرفي الأزمة ومهّد لاستئناف محادثات،انْ نجحت فستعود على المنطقة والعالم بجو من الاطمئنان وتغادر المنطقة تجاذبات سياسية القت بظلالها ومازالت على الاوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية،بل وحتى الصحية، وفي جميع مناطق نفوذ طرفي الأزمة، حتى وصلت الى العراق وسوريا واليمن ولم تكن المملكة العربية السعودية بعيدة عن تداعياته. 

وبدأت المباحثات أولى جولاتها على طاولة فندق في فيينا، لكن الدبلوماسيين الأمريكيين نزلوا في فندق غير الفندق الذي نزل فيه الوفد الايراني في فيينا، فالثأر هو الثأر حتى تُلقي النفوس ما بداخلها من غل. 

جولة المباحثات النووية الجارية حاليا في العاصمة النمساوية فيينا

بغداد لم تكن بعيدة عن هذه الاجواء بل كانت وحسب مصادر سياسية عراقية رفيعة، تمسك بخيوط التقارب بين طهران وواشنطن، في غرف المنطقة الخضراء. 

السفير الأمريكي في بغداد ماثيو تولر، وصف المباحثات المنعقدة في العاصمة النمساوية فيينا،بانها تهدف لبناء جسور الثقة بين طهران وواشنطن لكنه لم يذكر تفصيلات عن الحراك المنطلق من المنطقة الخضراء ببغداد صوب طهران ورجوعا، غير أن مصادر عراقية موثوقة ألمحت إلى أن بغداد تسعى لتقريب وجهات النظر، مؤثرةً لا متأثرة. 

واتفقت الأطراف المعنية بالاتفاق النووي خلال الجولة الاولى من المباحثات على مواصلة المشاورات، ما يؤشر انفراجا نسبيا في الازمة بين الخصمين اللدودين. 

وكانت بغداد على مايبدو محطة التقاء مهدت لمباحثات فيينا وكسرت حاجز جليد العناد الايراني والجبروت الامريكي، وكان مُضيّفُ تلك اللقاءات مستشار الامن القومي العراقي قاسم الاعرجي، الذي زار طهران مؤخرا في زيارة وصفت بالخاطفة، والتقى بكبار المسؤولين الدوليين في بغداد أيضا. 

كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي صرح بأن مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي التي بدأت جولتها الاولى ، ستنتهي بتقييم اولي من مجموعتي عمل ركزتا على بحث الخطوات النووية الإيرانية المطلوبة والعقوبات الأميركية، على أن تجري الوفود المشاركة مباحثات في عواصمها قبل أن تعود ثانية إلى العاصمة النمساوية بعد اسبوع من مباحثات الجولة الاولى، لمواصلة المفاوضات، في إشارة الى ان لا اتفاق من دون الرجوع الى "المرشد"، وبالمقابل اعلنت واشنطن" ضمنا" استعدادها لاتخاذ الخطوات اللازمة لرفع العقوبات عن طهران. 

عراقجي، وبعد مشاورات أجراها مع المدير العام للوكالة الدولية، رافائيل غروسي قال : " يجب على الولايات المتحدة رفع العقوبات في خطوة واحدة قبل أن تستأنف إيران الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة"، مستدركا بان المباحثات ماتزال بعيدة عن الانتهاء ولكنها تتقدم بشكل جيد.

وقال مسؤول ايراني رفيع : نجري مفاوضات لرفع العقوبات مرة واحدة، نحدد، ما هي العقوبات، كيف ترفع، مواصفاتها، سنحددها بدقة، لافتا إلى أن مجموعة العمل تعمل على جميع العقوبات التي فرضت بعد تنفيذ الاتفاق النووي في فترة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب. 

هل يلفظ الصراع الدائر في المنطقة أنفاسه الأخيرة في فيينا ؟ وهل يهوي النووي ويسمو الفرقاء ؟ وهل سنشهد انبثاق عهد جديد لاعناد إيرانيا فيه ولا جبروت أمريكيا يحكمه؟

وترى طهران بان التحقق من رفع العقوبات الأميركية يعني أنها يجب أن تكون قادرة على بيع نفطها بسهولة وبطريقة رسمية، وفي ظروف عادية، والحصول على مواردها، وترى أيضا أن أميركا "ملزمة" بالعودة إلى "خطة العمل المشتركة" برفع العقوبات واتخاذ إجراءات عملية متقابلة. 

ويُفهم موقف إيران بأنه يجب اتخاذ خطوة أميركية أولا تتمثل برفع العقوبات ومن ثم  ستستجيب للإجراء الأميركي بإجراء إيجابي متبادل. 

وتباينت آراء الأطراف المشاركة في المفاوضات بشأن التقدم الذي تم إحرازه خلال ثلاث جولات من المباحثات في فيينا، ففي حين دعا الأوروبيون إلى تسريع وتيرة المحادثات أبدى الوفد الروسي "تفاؤلا حذرا"،فيما قال دبلوماسي أوروبي إن "النجاح ليس مضمونا بأي شكل لكنه ليس مستحيلا"، متعهّدا ب"مضاعفة الجهود" من أجل تحقيقه. 

وجرت هذه المباحثات بجولاتها الثلاث على مستويات وأشكال مختلفة، ووصلت إلى مرحلة النضج، سواء في القضايا المتنازع عليها أو في الأجزاء المشتركة والمتفق عليها بين طرفي الأزمة، وهذا ما أكده كبير المفاوضين الايرانيين بالقول : "لقد نضجت المناقشات وأصبحت أكثر وضوحا"، لكنه لم يوضح الآليات التي سيتم من خلالها  رفع العقوبات ولم يوضح أيضا كيفية التزام إيران بمطالب واشنطن والعودة إلى التزاماتها في الاتفاق النووي. 

وليس ببعيد عن عراقچي فقد قالت الخارجية الإيرانية إن "جميع الأطراف متفقون على مواصلة هذه المباحثات خلال الفترة القادمة بمزيد من الجدية والعجالة"، بحسب ما نقلته" وكالة إرنا" الايرانية للانباء . 

وتبقى المباحثات التي انطلقت مطلع نيسان 2021، بين ايران والدول التي لا تزال منضوية في الاتفاق النووي، في إطار التصريحات ولم يرشح مايؤكد فعليا انها تمضي قدما دون تراجع، لكن المعطيات تشير إلى امكانية نجاحها في اجزاء معينة واخفاقها في اخرى. 

وعلى مايبدو فإن جميع المؤشرات تؤكد ان المنطقة على ابواب مرحلة جديدة مختلفة، أعادت فيها دول الصراع حساباتها وفق مصالحها المشتركة وتقاربت أكثر، وهي محاولة مرحب بها على المستوى الدولي، في ظل وضع عالمي حرج جدا، لا يحتمل مزيدا من الأزمات، ووباء فتك بدول العالم دون استثناء، ويبدو أيضا ان بغداد المثخنة بالجراح من كل صوب قد أدركت تماما أنها في موقع لا تحمد عليه إن حدث المحذور منه واصطدمت واشنطن بطهران في حرب سيكون ميدانها حتما أرض العراق، فأمسكت بلجام المبادرة وراحت تفتح الأبواب المغلقة منذ سنوات، مبادرة لا تحتمل التأجيل، جاءت بوحي العقل المدرك لخطر ان تكون وسط طرفي صراع خارجي لاناقة لها فيه ولا جمل، لكن لها شعب شطرته السياسات المتعاقبة شطرين، امريكي وايراني، فلا مناص لبغداد من فتح قناة على ارضها، تفتح هي الاخرى جداول تغذي أرضها الجدباء وترمم نفسها. 

هل يلفظ الصراع الدائر في المنطقة أنفاسه الأخيرة في فيينا؟ وهل يهوي النووي ويسمو الفرقاء؟ وهل سنشهد انبثاق عهد جديد لاعناد إيرانيا فيه ولا جبروت أمريكيا يحكمه 
كل شيء جائز في مطابخ السياسة العالمية، إنْ فتحت شهيتها للمصالح، لكن الشيء المؤكد حتى الآن، أن ملف النووي الإيراني مازال يتأرجح بين بغداد وفيينا، ولم يحن بعدُ موعد القول الفصل.

اختيار المحررين