سلاح الدولة "المنفلت".. مجزرة "جبلة" أنموذجا

5520 مشاهدة
08:55 - 2022-01-03
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز/ تحقيقات وتقارير
 
روايات وقصص وأحاديث متضاربة بشأن حادثة "جبلة" في محافظة بابل،التي حدثت يوم الخميس الموافق 30 من كانون الاول 2021، والتي راح ضحيتها 20 شخصا من عائلة واحدة متسلسلة من الجد الى الأحفاد ، عندما اقدمت قوة أمنية على ملاحقة أحد المطلوبين بحسب الرواية الاولى ، والذي اشتبك معها، وكانت النتيجة مجزرة وضحايا وضبابية تلف القضية، وسط مطالبات بتحقيق عادل يكشف للرأي العام، حقيقة ما جرى.  

صور لمكان وقوع مجزرة جبلة في محافظة بابل

بدأت القصة عندما أعلنت القوات الأمنية ، مساء يوم الخميس، أن مطلوبا بتهمة الإرهاب، ارتكب مجزرة بعائلته، بعد محاصرته، من قبل قوة أمنية وأقدم على قتلهم جميعا، وانتحر لاحقا، بعد اشتباك دام ساعتين خلف ايضا جريحين من القوة الامنية المداهمة ، وفق الرواية الرسمية. 
 
لكن ملابسات الحادث بدأت تنكشف شيئا فشيئا، بعد وصول وسائل الإعلام إلى موقع الجريمة، واجراء حوارات مع الاهالي  وذوي الضحايا، الذين قالوا إن هناك خلافات عائلية بين رب الأسرة، وأحد أقربائه الذي يعمل ضابطا في وزارة الداخلية، وهو من وجّه التهمة إليه "كيدا" وبحكم علاقاته أرسل قوة أمنية من العاصمة بغداد لاعتقال المتهم !. 

مثل هكذا حادثة كان السلاح المنفذ فيها سلاح الدولة  "لا يمكن أن يتم السماح بإفلات من تورط بعمليات القتل وهؤلاء يجب أن يحاسبوا بأقسى العقوبات وفق القوانين النافذة

محافظ بابل حسن منديل، وفي حديث عقب الحادثة قال : "إن صاحب الدار كان متعاونا مع الأجهزة الأمنية (في السابق)، لكن البعض غرّر به، وقاده إلى الاصطدام بها، وهناك أمور أخرى لا يمكن ذكرها حرصا على سير التحقيق"، مبينا أن "المتهم ليس مطلوبا بمادة 4 ارهاب، ولكن كان هناك أمر قبض وفق المادة 406، صادر من محاكم بغداد، حيث حاولت قوات الشرطة تنفيذه في المحافظة، واكد المحافظ انه لا توجد أي مؤشرات أمنية حول هذا الشخص من قبل المحافظة. 
وبحسب رواية محافظ بابل فان الضابط الذي جاء بأمر القبض هو من اشتبك مع المتهم، وطلب إسناد قوات سوات والقوات الأمنية الأخرى بعد تبادل لإطلاق النار، حيث تفاجأت القوات الأمنية بعد اقتحامها المنزل بوجود ضحايا في موقع الحدث. 

وصول وزيرة الداخلية عثمان الغانمي الى مكان الحادث

واظهرت صور لمكان الحادث تعرض منزل الضحايا إلى إطلاق نار كثيف من الخارج، فيما تهدم أحد أضلاعه وسط شكوك بمقتل تلك العائلة على يد القوات الأمنية. 
رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وعلى الفور وجه بفتح تحقيق في الحادثة، لمعرفة التفاصيل، وأرسل وفدا أمنيا برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، لمتابعة سير التحقيقات، اعقبه توجيه من الكاظمي ايضا بان يكون ملف الحادثة بيد جهاز الامن الوطني حيث سارع رئيس الجهاز حميد الشطري للذهاب الى موقع الحادث في جبلة لمعرفة الملابسات والوقوف على التحقيقات ، فيما اتخذت وزارة الداخلية قرارا باعفاء قائد شرطة بابل اللواء علي هلال الشمري من منصبه وإحالته إلى التحقيق واعفاء العميد علاء شبر من مهام مدير استخبارات بابل.  
الخبير الأمني حميد العبيدي، اوضح ان "الصور تظهر تعرض المنزل إلى رشقات بسلاح متوسط، من الخارج، ما يعني أن القوات الأمنية التي حاصرت المنزل، كانت ترمي بكثافة كبيرة، لكن على رغم ذلك، تبرز عدة تساؤلات، عن كيفية مقتل هؤلاء جميعهم، وعددهم 20 شخصا من عائلة واحدة كلهم يسكنون المنزل، دون إمكانية أن ينجو منهم أحد، من خلال الاختباء في الأماكن البعيدة عن الرمي، أو تلك التي لم يصبها الرصاص من الخارج". 
 

محافظ بابل حسن منديل

أن كلا الفرضيتين (مقتل 20 شخصا على يد القوات الأمنية، او مقتلهم على يد  صاحب المنزل) لم تكونا مقنعتين الى حد ما ،ويجب أن يجري تحقيق عادل وشفّاف، في الأمر، مع احتمالية أن يكون مقتل هؤلاء حصل من الداخل، وهي فرضية، تطبيقها صعب، بسبب وجود شباب ورجال ضمن الضحايا، وهؤلاء يمكنهم الدفاع عن أنفسهم، لجهة كثرة عددهم ، ما يعني ان ما حصل يمثل لغزا كبيرا، وربما الأجهزة الأمنية العراقية غير قادرة على فكه. 
 
شقيقة الشخص المطلوب الذي قُتل أو انتحر، ذكرت في تصريح لوسائل الاعلام، إن القوة الامنية قصفت منزل أخيها وعائلته بالصواريخ والقذائف، مضيفة ان شقيقها " فلاح بسيط ليس له علاقة بالمخدرات والإرهاب". 
أثارت الحادثة الرعب في صفوف المجتمع العراقي، ولم تتكشف بعد تفاصيل دقيقة وموثوقة بل ومقنعة بشأنها، لكنها أثارت ضجة واسعة، على مواقع التواصل الاجتماعي، وفتحت ملف تعاطي القوات الرسمية مع المطلوبين، أو المعتقلين، وطبيعة الاجراءات المعمول بها في التعاطي مع البلاغات، وسهولة اتهام الأشخاص بتهم "كيدية"، من خلال"مستغلين لمناصبهم الامنية". 

 ان مجزرة جبلة تؤشر بدقة خللا كبيرا رافق ومازال يرافق المؤسسة الامنية العراقية وعدم عملها بمهنية وتجرد، وهذا بحد ذاته قد يشكل خطرا وتكرارا لجرائم ضد ابرياء تنفذ بسلاح الدولة التي تطالب بحصر السلاح بيد الدولة ،وهي غير قادرة على ضبط السلاح بيدها

ومع مثل هكذا حادثة كان السلاح المنفذ فيها سلاح الدولة  "لا يمكن أن يتم السماح بإفلات من تورط بعمليات القتل وهؤلاء يجب أن يحاسبوا بأقسى العقوبات وفق القوانين النافذة مع ضرورة تنقية المؤسسة الامنية من العناصر غير المنضبطة والتي تستغل السلطة والسلاح لمآرب شخصية وتصفية خصومها.  
 

رئيس جهاز الامن الوطني حميد الشطري في مكان مجزرة جبلة

ان مجزرة جبلة تؤشر بدقة خللا كبيرا رافق ومازال يرافق المؤسسة الامنية العراقية وعدم عملها بمهنية وتجرد، وهذا بحد ذاته قد يشكل خطرا كبيرا على المجتمع العراقي وتكرارا لجرائم ضد ابرياء تنفذ بسلاح الدولة التي تطالب بحصر السلاح بيد الدولة ،وهي غير قادرة على ضبط السلاح بيدها . 
وحتى ظهور الحقيقة من خلال تحقيقات عادلة وشفافة لمجزرة "جبلة" تبقى المطالبة بضبط عمل القوات الامنية وتصفيتها من العناصرغير المنضبطة مطلبا شعبيا قائما ،ولابد من عقاب رادع وفق القانون لاولئك الذين نفذوا الجريمة الكيدية ليكونوا عبرة لمن قد يفكر باستغلال منصبه او وظيفته الامنية للانتقام من خصومه.

 

 

اختيار المحررين