اغلبية الصدر وتوافقية الإطار !

6730 مشاهدة
10:31 - 2021-12-07
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير
 

انسداد سياسي وانقسام وضبابية .. هذا هو الموقف في العراق بعد أجراء الانتخابات المبكرة في  10تشرين الأول 2021، وهي الانتخابات البرلمانية الخامسة التي يشهدها العراق . 
انتخابات اثارت  جدلا واسعا وأجريت بشكل مبكر عن موعدها بحوالي خمسة أشهر، وجاءت تلبية للحركة الاحتجاجية التي امتدت في جميع أنحاء البلاد، ضد الحكومة العراقية والقوى السياسية التي سيطرت على المشهد السياسي منذ سنوات ، وجاءت بنتائج مفاجئة شكلت صدمة للفائزين والخاسرين على حد سواء ،وكالعادة في العراق، فإن نتائج الانتخابات ليست دائماً هي من تحدد هوية من سيحكم البلد. 

صورة من الارشيف تجمع لقاء الصدر والاطار التنسيقي في منزل هادي العامري

الصراع السياسي القائم حول تشكيل الحكومة بين مقتدى الصدر الراغب في حكومة أغلبية ولا يعرف معنى "اغلبية الصدر" ! وبين بقية الفصائل الشيعية التي ترغب في حكومة توافقية ممثلة بالاطار التنسيقي ، بدا جليا بين شد وجذب ، وسط رؤى وتحليلات تكتنف تشكيل الحكومة العراقية القادمة، ويبدوأن تصريحات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أشارت صراحة إلى أن الحكومة القادمة لن تكون على أساس المحاصصة، وأن التيار الصدري في حال لم يستطع التحالف مع القوى الفائزة الكبيرة، فإنه قد يلجأ للمعارضة، وبالتالي لن تكون الحكومة القادمة توافقية مثلما يريد الاطار التنسيقي، على اعتبار أن التيار حصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وعلى مايبدو ايضا فان تشكيل حكومة توافقية يعني أن الانتخابات المبكرة لم تحقق اهدافها  وكانت مجرد جولة سياسية سياحية. 

 العراقيون بطبيعة الحال يطمحون لحكومة أغلبية، ولكن السؤال هنا أي اغلبية يريدها العراقيون ؟ اغلبية الصدر ام اغلبية وطنية حقيقية

بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية، سارعت الأحزاب الشيعية التقليدية الخاسرة لوصف الانتخابات بأنها مزورة، وحثت أنصارها على التظاهر أمام المنطقة الخضراء التي تضم أغلب المقرات الحكومية والبعثات الدبلوماسية ولجأت هذه الأحزاب إلى تقديم الطعون الانتخابية إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، وطالبت بإعادة الفرز يدوياً في جميع الدوائر الانتخابية وبحسب مفوضية الانتخابات فإن أغلب الطعون التي تقدر بالآلاف والمقدمة من الأحزاب الشيعية الخاسرة بلا قيمة، كما أن إعادة الفرز اليدوي لن تتم في جميع الدوائر الانتخابية، ولن تغير من نتائج الانتخابات بشكل كبير، وهذا ما اكده اعلان المفوضية للنتائج النهائية التي لم تغير في اصل النتائج بل جاءت متطابقة الى حد ماء مع فارق طفيف، حيث  اضيف مقعد هنا واخر هناك وصعد نائب وخسر آخر ، مايعني ان نتائج الانتخابات النهائية حسمت الجدل الدائر حول نزاهة الانتخابات واثبتت عدم وجود تزوير مثلما روج انصار الاطار التنسيقي الشيعي ، وخلال الأيام القليلة المقبلة ستقوم المحكمة الاتحادية العليا العراقية بالتصديق على النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، ومن ثم سيعقد البرلمان الجديد أولى جلساته، لاختيار رئيس البرلمان، وهو منصب يذهب للعراقيين السنة، وبعدها رئيس الجمهورية، وهذا منصب محجوز للمكون الكردي ، ووفق المعطيات فانه لن يكون لحزب الاتحاد الوطني هذه المرة.  

صورة من الارشيف للعد والفرز اليدوي لمحطة من المحطات الانتخابية المطعون بنتائجها

ومن ثم تبدأ معركة تشكيل الحكومة الجديدة، والتي من الممكن أن تمتد لأشهر ،لكن عناد مقتدى الصدر، وإصراره على تشكيل حكومة أغلبية، تراه باقي القوى السياسية الشيعية محاولة صارخة للاستحواذ على السلطة، وترى ايضا ان استقرار البلد مهدد إذا استمر الصدر في عناده بتشكيل حكومة أغلبية، وإن نفوذه السياسي هو الآخر مهدد، لذلك فإن التوصل إلى حل لتشكيل حكومة توافقية يضمن للجميع الحفاظ على النفوذ المكتسب منذ سنوات، وهذا مايراه الاطار التنسيقي ، مايعني نسف الاستحقاق الانتخابي وضياع الهدف الذي من اجله اجريت انتخابات تشرين المبكرة ، "ومثل مارحتي اجيتي".  


نصب الخيام من قبل المعتصمين أمام المنطقة الخضراء احتجاجا على نتائج الانتخابات
وسط هذا الإنسداد سياسي برزت مبادرتان متناقضتان، مبادرة للسيد عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، التي تطالب  بحكومة توافقية ، وتوسيع مقاعد البرلمان،وتقاسم الادواربين الحكومة والبرلمان،وتعويض الخاسرين، والغاء الانتخابات ونتائجها،فيما كانت مبادرة السيد مقتدى الصدر أكثر جرأة ودعت الى دمج الفصائل المسلحة مع الجيش والاجهزة الامنية، وسحب السلاح المنفلت وفرز العناصر غير المنضبطة في الحشد الشعبي، ،وإحالة كبار الفاسدين الى القضاء، وتشكيل حكومة أغلبية (وطنية )، يقابلها حكومة معارضة (وطنية)، داخل البرلمان،وعلى الخاسرين تقبّل النتائج،للخروج من الإنسداد السياسي،رافضاً  بذلك مبدأ التسوّيات والتوافقات،ونسف نتائج الانتخابات وإستحقاقاتها . 

معنى الاغلبية يبقى غامضا ،هل هي اغلبية وطنية بحق ام اغلبية سياسية ام اغلبية مقاعد بمقابل التوافقية التي رفعها الاطار التنسيقي شعارا للمرحلة المقبلة أي بذات النفس الذي تشكلت به الحكومات الماضية مايعني حكومة ضعيفة تاتي بتوافق لارضاء الغرماء !

طريقان هما من سيحدد مصير العملية السياسية ومستقبل العراق، اما حكومة الاغلبية او حكومة التوافق ، ولكن حتى معنى الاغلبية يبقى غامضا ،هل هي اغلبية وطنية بحق ام اغلبية سياسية ام اغلبية مقاعد بمقابل التوافقية التي رفعها الاطار التنسيقي شعارا للمرحلة المقبلة أي بذات النفس الذي تشكلت به الحكومات الماضية مايعني حكومة ضعيفة تاتي بتوافق لارضاء الغرماء ! 
 

بالصورة .. الصدر يشكل لجنة للتفاوض مع الكتل السياسية في مسألة التحالفات البرلمانية برئاسة العذاري

قد تلاقي حكومة "الأغلبية الوطنية" التي دعا اليها الصدر قبولا لأنها تلقى دعماً دولياً وشعبياً وعربياً ، في حين تلقى دعوة حكومة توافقية رفضا دوليا وعربيا وعراقياً، ولكن تحقيق أي منهما ،يدخل العراق بنفق الحرب الشيعية – الشيعية لامحالة،إذا لم تعلن تلك الجهات الدولية دعمها وتدخلها في مساندة ودعم حكومة الأغلبية ،بشكل مباشر وعلني، وحقن دماء العراقيين، وفرض القانون وتنفيذ بنود الدستور، هذا اذا سلمنا بان حكومة الاغلبية الوطنية ستكون وطنية حقيقية لاحكرا على صاحب المقاعد الاكثر لستفرد بالسلطة وتكون بدلا من حكومة اغلبية وطنية حكومة اغلبية دكتاتورية  . 
وفي كلتا الحالتين فان الحكومتين الاغلبية والتوافقية وبهذا النفس الصدري الاطاري لن تحققا تطلعات العراقيين اذا ماعرفنا ان الصدر يريد فقط الكيل لخصومه والاطار يريد اضعاف الصدر، وبين هذا وذاك ستسقط لامحالة الحكومة القادمة خلال اشهر، فلا هذا يرضى باغلبية تحكمه ولاذاك يرضى بتوافقية مكررة فاشلة، الا اذا صدقت النوايا وكانت فعلا حكومة اغلبية وطنية يراد لها انقاذ البلد ومحاربة كل اشكال الفساد والمحسوبية وتركن المحاصصة جانبا لينطلق العراق بحكومة قوية قادرة على تلبية مطالب شعبها التي من اجلها اجريت الانتخابات المبكرة  . 
وسيبقى البلد  أمام مفترق طرق، بين حكومة أغلبية يقودها التيار الصدري ،أو حكومة توافقية يقودها ألإطار التنسيقي بقــــــيادة نوري المالكي، وستكون ايام حراك تشكيل الحكومة الجديدة بشقيها الاغلبية والتوافقية حافلة بالمفاجآت وقد يتجه العراق الى طريق مسدود في ظل عناد الفائزين باكثر المقاعد والخاسرين الغرماء .  
 

محتجون امام المنطقة الخضراء على نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية 2021

العراقيون بطبيعة  الحال يطمحون لحكومة أغلبية، ولكن السؤال هنا أي اغلبية يريدها العراقيون ؟ اغلبية الصدر ام اغلبية وطنية حقيقية . 
 بعد لقاء الصدر مع الاطار التنسيقي في بغداد، غرد قائلا : الحكومة العراقية المقبلة ستكون حكومة أغلبية وطنية "لا شرقية ولا غربية" ،في لقاء التأم فيه البيت الشيعي بمنزل رئيس تحالف الفتح هادي العامري، وعقب اللقاء أصدر الإطار التنسيقي بيانا أوضح أنه تمت مناقشة القضايا العالقة وآخر مستجدات الوضع الحالي، "تعزيزا لروابط الوحدة والإخاء بين أبناء الوطن الواحد، وبما يخدم مصلحة الشعب العراقي التي هي أولوية لجميع الأطراف". 
هذا ما تمخض عن لقاء الغرماء ، ولكن الكواليس تقول انهم تقاسموا "مبدئيا" فيما بينهم الوزارات والمناصب ، وبقي منصب رئيس الوزراء معلقا لم يتم التطرق اليه ، مايعني ان عناد الصدر مازال قائما وهذا ما اكه في تغريدته لاشرقية ولاغربية حكومة اغلبية ، ويعني ايضا ان الانسداد  الساسي مازال قائما . 

صورة لاستقبال الصدر للممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت  

لم تعرف بعد طبيعة مصطلح اغلبية الصدر ، هل هي اغلبية وطنية باستحقاق انتخابي ام ستتغير الوطنية بعد ان يقدم الاطار التنسيقي المزيد من المغريات للصدر؟  ليغرد كعادته مجددا عن شكل الحكومة الجديدة وقد لاتكون اغلبية ولا حتى توافقية ، بل ستكون حكومة "ملونة" بكل الوان الخراب الذي يعيشه العراق .

 

  

اختيار المحررين