هل تحوّل مزاج القضاء العراقي إلى مزاجٍ سياسي؟!

6648 مشاهدة
12:29 - 2021-11-17
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تقارير  

تعد السلطة القضائية وفي اي بلد ، الركيزة الاساسية لبناء الدولة والحفاظ على التشريعات القانونية من خلال تنفيذها وفق القوانين المقرة ، لكن الواقع في العراق دائما مايكون خلاف ذلك، فعندما يكون القضاء أداة بيد أحزاب السلطة الحاكمة ويكون القاضي وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، وربما مكاسب شخصية والتعبير ليس "عموما" كي لا نبخس حق قضاة نزيهين مازالوا يرابطون على الحق ولاجله ، عندها سنشهد مانشهده اليوم من تخاذل !! 


صورة من الارشيف لمبنى مجلس القضاء الاعلى
لقد استولت الأحزاب المتسلطة على رقاب العراقيين على كل مفاصل الدولة وبات القضاء والنزاهة ومفوضية الانتخابات وحقوق الإنسان مناجم  تدر الأرباح على لصوص السلطة سواء كانت المادية منها أو الاعتبارية لتضمن لها ديمومتها في امتصاص دماء الشعب وبقائها في السلطة رغم فشلها. 

 ان كل شيء في العراق قد تراجع ،ولكن ان يطال التراجع القضاء العراقي فتلك هي الانعطافة الخطيرة ، فكيف لمن يدق مطرقة العدالة، يدقها لِيُسكت اصوات الحق بدل الباطل وكيف لسلطة قضائية يطمئن اليها المواطن البسيط وهي تكيل "غالبا" بمكيالين سياسي واخر خط احمر

بات القضاء العراقي عاملاً حاسماً في زيادة حدة الأزمة السياسية، بدلاً من أن يكون حكماً عليها، فقد استُخدم هذا القضاء بشكل منهجي في فرض أحادية السلطة، عبر قرارات المحكمة الاتحادية التي قوضت أحكام الدستور العراقي، وقوضت الفقه الدستوري نفسه، بإصدارها قرارات "مجاملة " لتكريس هذه السلطة! كما كان مجلس القضاء الأعلى أداة في صراع تصفية الحسابات السياسية بشكل واضح. 

لقد اثبت القضاء العراقي "باعلى هرم" فيه بانه ليس بمنأى عن السياسة ودهاليزها وكأنه اداة يطوّعها الكبار المتمرسون بالسلطة "اصحاب الفضل"، كيفما شاءوا والا فما دور رئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان في الحراك المحموم والحوارات الجارية بين الفرقاء السياسيين من الفائزين والخاسرين في انتخابات تشرين، لقاءات ومشورة وسبل لمخارج تعطي لهذا وتاخذ من ذاك، لا ليخرجوا برؤية موحدة حول تشكيل تحالفات تقود الى حكومة عراقية وطنية قوية بل للدفع باتجاه تلبية من يسيل لعابه لاجل السلطة ، ولا احد قادرا على توجيه النقد لهذه السلطة لامن جنس المواطن البسيط ولا رقابة تعلو سلطة القضاء . 

صورة لرئيس مجلس القضاء الاعلى خلال استقباله رئيس تحالف الفتح هادي العامري ورئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي

لقد بات القضاء العراقي ورغم تقدمه الملحوظ في عدة قضايا بتَ بها بشكل يطمئن المواطن ويحفظ قانون الدولة، بات محور انتقاد للكثير من عامة الناس على الاغلب ، كونه تعاطى مع بعض القضايا بمزاج سياسي مثل قضية قاسم مصلح وغيرها، ما جعل حظوظ الثقة به تتراجع ، وليس هذا فحسب بل وان السلطة القضائية في العراق لا تتعاطى مع حرية الرأي ضمن المواثيق الموضوعة في الدستور العراقي والذي يجب ان تكون هذه السلطة حارسا عليها ، فمن ينتقد يصنف على انه يهدد مؤسسات الدولة ومن يصوب يعد خارجا عن القانون، فالسلطة بايدي القضاء. 

ما هو مسلَّمٌ به ان كل شيء في العراق قد تراجع ،ولكن ان يطال التراجع القضاء العراقي فتلك هي الانعطافة الخطيرة ، فكيف لمن يدق مطرقة العدالة، يدقها ليسكت اصوات الحق بدل الباطل وكيف لسلطة قضائية يطمئن اليها المواطن البسيط وهي تكيل "غالبا" بمكيالين سياسي واخر خط احمر لايمكن تجاوزه . 

ان مزاجية عمل السلطة القضائية ، هي جزء من مزاج  السلطات الثلاث في البلاد، والتي ادت بالنهاية الى ضعف السلطة القضائية بالتزامن مع ضعف سلطة الدولة ، والسبب يعود الى اعتماد نظام المحاصصة

لم يتمكّن القضاء العراقي ومنذ عام 2003 ،من رسم صورة إيجابية أو مستقلة له ، فالتحيّز لجهات سياسية دون غيرها ظلّ مرافقا له على الدوام، حيث كشف مسؤولون عراقيون عن رصد (31) قضية كبيرة مرّ على أغلبها سنوات من دون أن يحسمها القضاء رغم اكتمال أركان القضية واكتسابها كل الجوانب القانونية التي يجب توافرها، ومنها ملف سقوط الموصل، وملف مجزرة سبايكر، وجريمة تفجير الكرادة، وملف سرقة الآثار، وملف تسريب الدولار لإيران، وملف المليار ونصف المليار دولار المحتجزة في بيروت، وصفقة الأسلحة الأوكرانية، وصفقة الطائرات الروسية، وملف المدارس الإيرانية الحديدية، وملف سرقة أملاك العراقيين المسيحيين في بغداد ونينوى وتحويلها إلى أسماء أشخاص آخرين. 

رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي فائق زيدان يحضر مجلس عزاء شهداء التظاهرات الاخيرة  

ووفقاً لمصادر فإنّ تلك الملفات تتعلّق بمسؤولين كبار في الدولة وقيادات سياسية شيعية وسنية وكردية متورطة بشكل مباشر فيها، فمثلاً، ملفّ سقوط الموصل وحده والمجمّد من قبل القضاء، تسبّب بمقتل وإصابة ما لا يقلّ عن ربع مليون عراقي، واختفاء نحو 40 ألفاً آخرين، فضلاً عن الدمار الهائل الذي قدّر بنحو 88 مليار دولار في مدن شمال وغرب ووسط البلاد، عدا عن تهجير قرابة الستة ملايين عراقي داخل البلاد وخارجها ،إلا أنّ القضاء لم يفتح أيّاً من تلك القضايا ويرفض الحديث عنها، كما أنّ سياسيين يتحاشون التصادم مع القضاء خوفاً من كسب عداوته وبالتالي الإيقاع بهم كما حصل مع آخرين سابقين. 

يؤكدّ برلمانيون سابقون ومسؤولون في الدولة، وكذلك أكاديميون وحقوقيون، أنّ القضاء سجّل انتهاكات دستورية ومجاملات كثيرة لصالح الأحزاب المتنفذة والحاكمة، واهمل ملفات وقضايا خطيرة ولم يلاحق المتورطين فيها.
 

رئيس الوزاء السابق عادل عبد المهدي خلال زيارته الى مجلس القضاء ولقاءه برئيس المجلس القاضي فائق زيدان

ان مزاجية عمل السلطة القضائية ، هي جزء من مزاج  السلطات الثلاث في البلاد، والتي ادت بالنهاية الى ضعف السلطة القضائية بالتزامن مع ضعف سلطة الدولة ، والسبب يعود الى اعتماد نظام المحاصصة، فحتى في السلطة القضائية يتم اختيار أعضاء مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية وفقا لذات المحاصصة التي يتم فيها تشكيل الرئاسات الثلاث وكأن لا انتخابات كانت ولا استحاقاقات !.

اختيار المحررين