النوارس قد لاتعود .. هل شاخَ الرافدان ؟

2081 مشاهدة
09:32 - 2021-06-11
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز | تقارير

إلى الواجهة من جديد .. العراق مقبل على أزمة مائية تلوح في الافق،  بعد تدني مناسيب نهري دجلة والفرات، واختلاف الحصص المقسّمة بين الدول المتشاطئة من مياه النهرين، وقد يجف ضرع النهرين وينضب عطاؤهما، لتبدأ معه ازمة جديدة تضاف الى ازمات العراق المتخم بكل ما يؤرق العيش فيه .

 

من الأرشيف جفاف نهر دجلة سنة 2018

الصور التي تداولتها مؤخرا، وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن نهري دجلة والفرات تبعث على الأسى والاسف في ذات الوقت ، فمن مياه تغمر النهرين وطيور تسبح على سطحهما طربا بالوفرة وثروة سمكية عائمة تنعش اقتصاد البلد  الى شبه جفاف، وقد يتوارى الرافدان العظيمان وتضمحل ملامحهما ليضاف الى عطش العيش بكرامة عطش حقيقي قد يفطر الأكباد  .

ملف الموارد المائية بين العراق ودول المنبع تركيا وإيران شهد في الآونة الاخيرة عدة أزمات، بعد  بناء تركيا سدودا ومشاريع على منابع نهري دجلة والفرات في داخل أراضيها، ومنها سد أليسو، الامر الذي أدَى إلى نقص شديد في حصص المياه الداخلة إلى العراق ما اثر بدوره سلبا على حصة العراق المائية فتراجعت الزراعة واصاب الشح السقي والري.

العراق وعلى مدى عقود لم يوقع اتفاقيات مع الجارتين تركيا وايران لضمان حقوقه المائية، وبشكل يضمن تدفق حصصه المائية بانتظام ،وبعد ان دقّ ناقوس الخطر المنذر بالجفاف، دعا الى عقد مؤتمر دولي للتنبيه بمخاطر استمرار تدني مناسيب النهرين على حياة العراقيين واستدامتها وضمان حقوقه من بلدان المنبع ، من خلال تحقيق الإنصاف والعدالة في توزيع المياه.

ان معدل استهلاك العراق للمياه وبحسب آخر احصائية للموارد المائية بلغ مايقارب 53 مليار متر مكعب سنويا، وهو في تناقص مستمر بسبب تناقص معدلات الإطلاقات المحدودة الواصلة الى شواطئه.

في عام 2025 ستظهر ملامح جفاف شديد في عموم العراق مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود لا يغني ارضه ولايروي عطش العراقيين

الخطر الاكبر يكمن في توقعات مؤشر الاجهاد المائي الذي وبحسبه، فإن العراق سيكون أرضا بورا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل دجلة والفرات إلى المصب النهائي في الخليج العربي ،ووفقا للمؤشر فإنه و في عام 2025 ستظهر ملامح جفاف شديد في عموم العراق مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود لا يغني ارضه ولايروي عطش العراقيين .

أين سيدير العراق وجهه لينعش ارضه في ظل ظروف وتحديات صعبة يعيشها البلد ،على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ وكيف ستعمل وزارة الموارد المائية "المعنية بالامر" على خطة من شأنها إبعاد شبح الجفاف عن نهرين خالدين ارضعا ارض العراق عبر الاجيال فراتا عذبا ، في ظل غياب اتفاقية سارية مع جيرانه، باستثناء تفاهمات شفوية تُضرب عرض الحائط حالما تكون المصلحة العليا للجار "اولوية" ؟

أنشات تركيا سد أليسو الذي غيّر المعادلة بالنسبة لنهر دجلة، حيث سيتحول النهر بموجبه إلى قناة متدفقة داخل الحدود التركية بدلا من قناة متدفقة خارج الحدود، بينما العلاقة المائية مع ايران معطلة بتعطل اتفاقية الجزائر الموقعة بين البلدين في عام  1975 التي حددت التصرف بين بـ 42 نهرا بين البلدين .
 

صورة من الأرشيف لسد اليسو التركي الذي سيؤثر تأثيرا كبيرا على مناسيب المياه داخل العراق

للحق، فإن وزارة الموارد المائية قد ادركت التحدي الذي يواجهه العراق وأعدّت دراسة استراتيجية للمياه والأراضي تخطط حتى عام 2035، وستطبق سياسة مائية جديدة تعتمد على تقنين استخدام المياه وتغيير طرق الري باستخدام التقنيات الحديثة، بحسب تصريح وزير الموارد المائية، المهندس مهدي رشيد الحمداني ، لكنها ستصطدم بخفض حصة العراق المائية من دول المنبع، ما يعني انخفاض حصة الفرد الواحد من الماء المستهلك بشكل يومي، حيث سيؤثر هذا الخفض سلبا على حجم المساحات المزروعة ويزيد من عمليات التصحر وتغيير المناخ ، ويؤدي كذلك الى  انحدار  في الثروة السمكية وقلة الإنتاج الزراعي ، وهذا ما حذرت من تداعياته على حياة العراقيين وزارة الموارد المائية  نفسها، لكن التحذير وحده لايكفي ولابد من خطة استثنائية عاجلة لتدارك جفاف محتمل يأكل الاخضر واليابس على حد سواء .

وبالاشارة الى أزمة المياه العراقية التركية فانها ليست بالجديدة، بل تعود جذورها إلى عام 1920 بعد توقيع اتفاقيات "ثلاثية وثنائية" بين العراق وتركيا وسوريا لتقسيم المياه والتي  تضمنت نصا يتعلق بنهري دجلة والفرات :  "لا يحق لأية دولة من هذه الدول الثلاث إقامة سد أو خزان أو تحويل مجرى نهر من دون أن تعقد جلسة مشتركة مع الدول الأخرى وتستشيرها لضمان عدم إلحاق الأذى بأي طرف ".

فمياه نهر الفرات تأتي معظمها من تركيا ويتزود النهر بما يعادل 89% من مياهه من الأراضي التركية وبقية المياه يتزود بها من الأراضي السورية وسجلات تصاريف النهر قبل فترة بناء السدود، أي قبل 1974، تعد طبيعية وبعدها أخذت بالانخفاض نتيجة بناء السدود في تركيا وسوريا.

تقرير للأمم المتحدة، نُشر عام 2010، بيّن أن نهري دجلة والفرات ستجف مياههما عندما تصل إلى العراق إذا استمرت دول الجوار بتنفيذ مشاريعها المائية ، وتشيرالدراسات التي أجريت على كميات هطول الأمطار المستقبلية على العراق بأنها تتناقص مع مرور الزمن.

أنشات تركيا سد أليسو الذي غيّر المعادلة بالنسبة لنهر دجلة، حيث سيتحول النهر بموجبه إلى قناة متدفقة داخل الحدود التركية بدلا من قناة متدفقة خارج الحدود، بينما العلاقة المائية مع ايران معطلة بتعطل اتفاقية الجزائر الموقعة بين البلدين في عام  1975

باحثون في الشأن اشاروا الى أن فترات هطول الأمطار في العراق  ستكون قصيرة نسبيا، أي إن الأمطار قد تتساقط بتركيز عال في فترة قصيرة وهي دون جدوى وقد تؤدي إلى تعرية التربة وبالتالي تدهور الإنتاج الزراعي.

المرصد السوري لحقوق الإنسان دخل على خط الازمة ايضا ، واصدر بيانا في الرابع من شهرأيار 2021،  اوضح فيه أن منسوب نهر الفرات قد انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ بسبب قلة مياه الامطار وحجب الجانب التركي لمياه النهر ،بحيث لم يتجاوز تدفقه الـ ( 200) متر مكعب في الثانية، وهو ما يعد انتهاكاً للاتفاقية الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1987؛ حيث التزمت تركيا بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل يتقاسمها العراق وسوريا.

كما حذر المرصد السوري من كارثة وشيكة تهدد حياة وسبل معيشة أكثر من ثلاثة ملايين سوري يعتمدون على النهر في تأمين مياه الشرب والكهرباء والري الى جانب تاثر العراق بهذا الاجراء وتراجع حصته المقررة ،حيث ان نهر الفرات ينبع  من تركيا ويعبر الأراضي السورية ليجري داخل الأراضي العراقية و يلتقي في جنوبها مع نهر دجلة، ليشكلا شط العرب .

أزمة مياه ستثقل كاهل العراقيين وتضيف الى معاناتهم صفحة سوداء اخرى من سجل تأريخ البلاد المخضب بالحروب والازمات، فملف ازمة المياه الذي برز للسطح من جديد قد يكون الاخطر على الاطلاق، كونه يتعلق بحياة الناس واسباب عيشهم ، ولك ان تتصور كيف ستكون الحياة من دون مياه وهي سرُّها .

من بلاد الرافدين العظيمين الى بلاد تتسول المياه ! وبلاد تتراجع في كل شيء ، بلاد ستكون خاوية على  نفسها، ان استمرت السياسات الخاطئة في ادارة البلد ، والتي انحدرت بكل مفاصل الحياة في العراق الى الاسوأ وحالت بين عشق العراقيين للارض والزراعة والنوارس.

اختيار المحررين