"جذع النخلة" يكسر عزلة العراق

20817 مشاهدة
11:26 - 2023-01-15
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير

يبدو ان مافرقته السياسة تعيده الرياضة، هكذا بدت الامور جلية في "خليجي 25" الذي اعاد العراق الى عمقه العربي من بوابة البصرة في رسالة لا تقبل الشك بان العراق يستحق الحياة ويستحق الفرح، لأنه بلد الحضارات وبلد السلام والتآخي، بلد الكرم والضيافة، وأثبت ابناؤه ان السياسة السوداء والحقد الطائفي والفرقة بين ابناء البلد الواحد وبين الاشقاء العرب بددته الرياضة لأنها ترفض كل تلك الشوائب التي تمنع الشعوب من التعايش فيما بينها دون مسميات او انتماءات عرقية او طائفية او مذهبية.  

حفل افتتاح خليجي 25 في مدينة البصرة

بعد غياب دام 43 عاما انطلقت بطولة كأس الخليج بنسختها الـ25 في 6 كانون الثاني 2023 ، بمشاركة ثمانية منتخبات مثلت كل من (العراق، السعودية، الإمارات، قطر، سلطنة عمان، الكويت واليمن) وتستمر حتى 19 من الشهر نفسه، وصنف متخصصون بالشأن السياسي هذه البطولة بانها ستكون بوابة لاستعادة العراق مكانته إقليميا وعربيا بعدما أثبت قدرته على تنظيم مثل هكذا حدث مهم تنتظره الجماهير العربية التي احتضنتها محافظة البصرة اجتماعيا لا بروتوكوليا حيث فتحت المضايف ابوابها للمشجعين العرب وكانت بيوت البصريين تغدق الكرم ضيافة للاشقاء العرب حتى بدت البصرة واحة سلام والفة ومحبة في ليلة وضحاها بعدما عاش العراق سنين عجاف من العزلة العربية بسبب السياسة التي انهارت كل قواها امام قوة الرياضة جماهيريا. 

ملعب جذع النخلة يمتلىء بالجماهير في خليجي 25

لقد غيرت بطولة خليجي 25 الصورة النمطية عن العراق من اشقائه العرب ، ومهدت لان يعيد العراق النظر في علاقاته مع العرب على اعتبارهم الأقرب من الجميع سواء من الناحية الجغرافية والقومية والاجتماعية ، فكان مجرد قبول المشاركة في البطولة، هو بادرة حسن نوايا العرب تجاه العراق، ورغبتهم باستعادته إلى حضنه وعمقه العربي بعد قطيعة وجفاء امتدت لثلاثة عقود . 

وهذه هي المرة الأولى، التي ينظم فيها العراق دورة كأس الخليج، منذ تنظيمه النسخة الخامسة للبطولة في عام 1979 ، قبل أن يحرم من استضافة مباريات كرة القدم الدولية بسبب غزو الكويت والأحداث الأمنية في مرحلة ما بعد عام 2003 ، حيث يتطلع العراق للانتقال إلى مرحلة جديدة من علاقاته مع دول الجوار من بوابة كرة القدم التي اثبتت انها اقوى على لم شمل الاشقاء من السياسة ودهاليزها . 

لقد غيرت بطولة خليجي 25 الصورة النمطية عن العراق من اشقائه العرب ، ومهدت لان يعيد العراق النظر في علاقاته مع العرب على اعتبارهم الأقرب من الجميع سواء من الناحية الجغرافية والقومية والاجتماعية

لقد بددت بطولة خليجي 25 ونجاح تنظيمها وافتتاحها الذي ابهر العالم وملاعبها العملاقة الرائعة كل مخاوف الاشقاء العرب من الاوضاع في العراق ومن عدم قدرته على استضافة البطولة، وشاهدت الوفود والجماهير الخليجية بأم عينها أن الواقع العراقي مختلف تماما عن الصورة المنقولة في الاعلام ، وأن البصرة قادرة على بناء مشاريع عمرانية واستثمارية يفتخر بها الضيف قبل ابن البلد ، وان العراقيين قادرون على صنع حياة آمنة كشعب، ولا بد من القول ان حكومة البصرة نجحت في تنظيم هذا الحدث المهم الى جانب كل المؤسسات المعنية الرياضية والاجتماعية والثقافية والامنية، حيث خلت تلك البصرة التي لوثها الفساد ومظاهر العنف العشائري من كل ما يعكر صفو المدينة وكان "الكورنيش" ملتقى ثقافي ورياضي واجتماعي تجمع فيه العراقيون من كل المحافظات وانصهروا مع اشقائهم العرب ، وظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من القصص التي تتحدث عن كرم العراقيين وكيف يستقبلون المشجعين الخليجيين في المنازل والمضايف والمطاعم ، وبرز شيوخ عشائر من البصرة بمظاهر كرم فاقت الوصف، ونُحرت المئات من الذبائح وافترشت الولائم الكبيرة شوارع كورنيش البصرة ترحيبا بالقادمين من الخليج ، وتغنى الخليجيون بـ "الدولمة والكباب والسمك المسكوف والكيمر العراقي" ، وكانت الرسالة واضحة لاتقبل الشك بان العراقيين متفقون كشعب لكن السياسة هي من كانت توصد ابواب اللحمة فيما بين ابناء البلد وبين اشقائهم العرب ، مايضع السياسيين العراقيين امام التزام اخلاقي على الاقل ويتجاوزن الكثير من العقبات التي رسمت صورة مغايرة عند العرب والعالم ككل عن العراق بشكل عام والبصرة على وجه الخصوص . 

  حمد بن خليفة آل ثاني ‏رئيس الاتحاد الخليجي لكرة القدم

ولا يتوخى العراق من تنظيمه واحتضانه للبطولة، مردودات مادية ، كون الالاف من الزائرين والمشجعين الذين وصلوا الى البصرة  قد لا يمثلون شيئا امام حجم الإنفاق الذي أنفقته الحكومة على البنى التحتية في البصرة والمدن الرياضية في المحافظة ، لكن الأثر الاقتصادي للبطولة سيكون جليا في المستقبل القريب من خلال جذب الاستثمارات وزيادة العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وستكون ارض البصرة وغيرها من مدن العراق قبلة للمستثمرين الخليجيين بعدما شاهدوا أرضية مناسبة وبيئة آمنة مغايرة تماما لما كانوا يسمعون عنه. 

عدنان درجال يتفقد تحضيرات المدينة الرياضية في البصرة استعداداً لخليجي 25

يرى الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، أن "القبول باستضافة العراق، وبالتحديد البصرة، بطولة خليجي 25 من قِبل الدول العربية الخليجية يمثل رسالة سياسية من منطلق أن هناك متغيراً كبيراً في طبيعة العلاقة بين العراق من جهة، ودول الخليج العربي، حيث إن هناك محاولة لتوثيق العلاقات في كل المستويات، وقد يكون هذا الحضور بهذا المستوى وما يتبعه من إهتمام سياسي وإعلامي وحضور المشجعين، إنما يمثّل في الواقع رسالة دعم للشعب العراقي. 

البطولة مضت بابهى حلة وكان افتتاحها بمثابة صفعة لكل من لايريد للعراق ان يخرج من عنق معاناته ويندمج مع محيطه العربي والدولي ، وبدا المشجعون والزائرون العرب يتجولون في البصرة  باطمئنان وكأنهم من أهالي المدينة

ويضيف الشمري ،" ان الأمر الآخر المهم هو أنها تمثل بدء مرحلة جديدة من العلاقات في المجالات الاقتصادية والرياضية والاجتماعية والدينية والعشائرية، ومن ثم فإن كل هذه الصلات تمثل تقارباً رسمياً بين الدول العربية الخليجية مع العراق، وان الاهتمام العراقي وعبر أعلى المستويات في إنجاح هذه البطولة، إنما هو رسالة أيضاً من قِبل العراق إلى أشقائه العرب بأن العراق يضع هذه الدول ضمن عمقه وانتمائه العروبي بالدرجة الأساس، وهو ما سوف ينعكس إيجابياً على طبيعة العلاقات الثنائية بين العراق ودول الخليج العربي".  

خالد جاسم مقدم برنامج المجلس في البصرة / خليجي 25

وعلى مايبدو فان ابرز ما تمخض عن اقامة بطولة خليجي 25 ،هو  أن كل السياسات والممارسات السابقة التي حاولت عزل العراق عن عمقه العربي الخليجي باءت بالفشل، وهو ما يعني أن الشعب العراقي ومن خلال ما بات يعبر عنه من حب لأشقائه الخليجيين، لم يتأثر بكل محاولات ابعاده عن أشقائه العرب؛ وفي مقدمتهم أبناء الخليج، فضلاً عن أن السياسات الطائفية التي حاولت جهات إقليمية وداخلية اتخاذها فشلت وانهارت هي الأخرى. 
 

السندباد البحري تميمة خليجي 25 

بعد سنوات صعبة من الاحتلال الأمريكي، والتدخل الخارجي ، والارهاب والسلاح المنفلت ورغم كل هذه التحديات الحالية التي تواجه العراق  ، عززت بطولة خليجي 25 من الترابط الخليجي على مستوى الرياضة والجماهير وبدت هتافاتهم في المدرجات تنشد الاخوة والتلاحم، بدل القطيعة والجفاء وبدا العراق قادرا على تحقيق الكثير من الانجازات الكبيرة رغم آلامه وجراحه ، لكن هناك من لا يرغب في عودة العراق الى القه وعمقه العربي ، ويتمنى أن يستمر الخلاف والتباعد، ولربما يسعى لتأجيج القطيعة وافتعال المشاكل، حيث برزت تصريحات ايرانية حول تسمية "الخليج العربي" في إشارة إلى البطولة ونقلتها وكالة فارس الإيرانية عن النائب في البرلمان الإيراني ولي الله بياتي، والذي قال ، "انه يرفض إطلاق كل من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومقتدى الصدر عبارة الخليج العربي عوضا عن " الفارسي" على البطولة مشيرا الى أنها " التسمية الأصلية والتاريخية وستظل كذلك على مر العصور" حسب قوله ،وبرر النائب الإيراني موقفه بان وصف الخليج " بالعربي" وليس " الفارسي" يضر بمصالح الشعبين العراقي والإيراني، فيما رد مسؤول في التيار الصدري، بان ايران منزعجة من تقارب العراق مع محيطه الخليجي قائلا "مطالبة البرلمان الإيراني الاعتذار من الصدر، هو بسبب الانزعاج الإيراني من تقارب العراق نحو المحيط العربي من خلال بطولة الخليج، خصوصاً أن كرة القدم ربما تنقل لاحقاً الى اقتصاد وسياسة وغيرها من القضايا، وهذا الامر ازعج ايران، فهي تخشى على نفوذها في العراق وعملها السياسي والتجاري في العراق، بسبب التقارب مع المحيط العربيواتهم الجهات الايرانية بالبحث عن ذريعة لابعاد العراق عن محيطه العربي والخليجي. 

تمثال الشاعر بدر شاكر السيباب في البصرة

ولكن .. البطولة مضت بابهى حلة وكان افتتاحها بمثابة صفعة لكل من لايريد للعراق ان يخرج من عنق معاناته ويندمج مع محيطه العربي والدولي ، وبدا المشجعون والزائرون العرب يتجولون في البصرة  باطمئنان وكأنهم من أهالي المدينة ، وعبّروا عن امتنانهم الكبير للكرم والضيافة البصرية، واقيمت مباريات البطولة وكان ملعب جذع النخلة في البصرة صدمة للجميع وحتى العراقيين الذين لم يتوقعوا ان في البصرة ملعبا بهذا الجمال يظاهي اكبر واجمل الملاعب العالمية ، كان انجازا عراقيا ناجحا بكل المقاييس وكان مردوده سياسيا اكثر من كونه رياضيا ، ومن يدري قد يفتح جذع النخلة وخليجي 25 افاقا ابعد لعودة العراق الى مكانته الحقيقية دون تشويه، وينطلق من بوابة البصرة كل ما يفرح العراقيين والعرب ، لقد كسر جذع النخلة في البصرة عزلة العراق عن اخوته، فهل يكسر السياسيون عزلتهم فيما بينهم ويفهمون الدرس ، بان كل ما تحبه الشعوب اقوى من السياسة والمصالح .

شط العرب في محافظة البصرة 


 

اختيار المحررين