طرق الموت .. إرهاب مروري

13438 مشاهدة
10:11 - 2022-07-05
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير 

اينما يتلفت العراقي ثمة خطر يحدق به ، فان نجا من قتل لم ينج من حرق وغرق، وان نجا من موت عابر لم ينج من حادث سير ، وان نجا من كل هذا مات هما. 

غياب واضح لكل ما يحفظ ارواح الناس في ظل دولة لا تستطيع تأمين حتى حدودها، دولة هشة قد تكسرها "قشة" ، فمن بين الحوادث التي تداهم العراق كل يوم بل كل ساعة باتت حوادث السير سواء على الطرق الداخلية او الخارجية هاجس رعب يؤرق العراقيين، واصبحت الحوادث المرورية  ماكنة سلب تقطف أرواح العراقيين بعد ما كان هاجس الموت من الارهاب يتصدر قائمة الخوف الاولى لديهم قبل اعوام وحتى اليوم ،حيث تجاوزت أعداد ضحايا الحوادث المرورية  أضعاف أعداد ضحايا أعمال العنف والإرهاب والقتل والنزاعات العشائرية والانتحار . 

صورة لحادث سير راح ضحيته 11 مدرسا ومعلما بعد عودتهم من كربلاء على الطريق الرابط بين كربلاء الحلة

النصف الاخير من العام 2021 شهد ارتفاعا بنسبة الحوادث المرورية التي فتكت بأرواح العراقيين، إذ سجل 8286 حادثا مروريا، توفيّ على إثرها 2152 شخصا، بمعدل 22 حادثا في اليوم تودي بحياة 6 أشخاص يوميا وارتفعت الحوادث المرورية في عام 2021 بنحو 44% عن العام الذي سبقه الذي سجل 4666 حادثا مروريا تسبب بوفاة 1552 شخصا، في حين ارتفعت نسبة ضحايا الحوادث بنسبة 30%، بحسب تقارير استقصائية غير رسمية. وتعد الطرق السيئة والتخسفات والشوارع غير المُعبّدة وغياب السياج الأمني والاهمال الحكومي وغياب الوعي المروري لدى المواطن ابرز العوامل التي زادت من نسبة احتمال وقوع تلك الحوادث. 

الخبير الأمني والباحث السياسي "كاظم الجحيشي" وصف الحوادث المرورية  بانها إحدى ماكينات الموت في العراق، ويُشير بأصابع الاتهام الى أياد خفية تستخدم هذه الورقة أداة من أدوات تدمير وتخريب البلد، مع فشل كل الحكومات المُتعاقبة في معالجة مشكلة الطرق والجسور الرئيسية، ويعطي مثالا على "طرق الموت" تلك التي تربط بين محافظتي البصرة والعمارة، وطريق الناصرية الديوانية، وأربيل بغداد، وواسط وكركوك وبعقوبة ، التي باتت تحصد أرواح العشرات من العراقيين من دون اجراءات حكومية تؤمن تلك الطرق وكأن الامر اشبه بمصيدة اعدت للعراقيون ، ويشير الجحيشي الى تعدّد واستمرار مكائن الموت في العراق  ،موضحا ان الأداة الأولى والأبرز هي المخدرات التي مازالت تفتك بالشباب، فضلا عن ظاهرة الانتحار التي باتت تزداد هي الأخرى نتيجة الضغوط النفسية والبطالة والظلم الذي يقع على شرائح المجتمع مع انتشار الأمراض والأوبئة وتحديدا المناطق الجنوبية ، مرورا بحوادث السير التي تفاقمت بشكل لافت خلال الاعوام 2020، 2021، 2022 ، وبحسب جهاز الاحصاء المركزي التابع لوزارة التخطيط ، فقد شهد العراق خلال الاعوام العشرة الماضية أكثر من 66000 حادث مروري اودى بحياة  22952  شخصاً وتسبب باصابة  79545 شخصا ،وهذه الاعداد المخيفة لا تتسبب بخسائر على مستوى حياة المواطنين فقط بل خسائر مادية تصل الى عشرات ملايين الدولارات. 

ان زيادة أعداد ضحايا الحوادث المرورية عن غيرها هو بمثابة "جرس إنذار" للدولة ومؤسساتها، بالإضافة إلى ضرورة أن يقوم البرلمان بدوره إن كانت هناك حاجة لتعديل أو تشريع القوانين اللازمة

مديرية المرور العامة، اوجزت في نهاية اذار من العام الحالي 2022 ،أبرز أسباب حوادث السير، فيما حددت الجهة المسؤولة عن تأثيث الطرق الخارجية، وأوضحت آلية التعامل مع سائقي المركبات المخالفين ،وقالت المديرية، إن "أغلب الحوادث التي تحصل هي بسبب السرعة الشديدة وعدم الانتباه واستعمال الهاتف النقال وعدم الالتزام بشروط الأمان"، مبينة أن "أكثر من 90% من الحوادث سببها المواطن نفسه بسبب تجاهل القوانين والأنظمة والتعليمات". 

مضيفة أنها "اتخذت كل الإجراءات اللازمة على الطرق السريعة الدولية"،وأن "مقاييس السرعة في الطرق الخارجية هي 100 كم في الساعة وهي السرعة الدولية"، كما اوضحت ان "كاميرات المراقبة على الطرقات مهمة ومن المفترض أن تتواجد في الطرقات والجسور لكنها تواجه مشكلة الروتين لاستحصال الموافقات وتزويد الطرق بالكاميرات وبالتالي فإن مديرية المرور العامة تعمل يدوياً لتنظيم حركة سير المركبات ومتابعتها". 

صورة لحادث سير يودي بعائلة كاملة على الطريق الرابط بين بعقوبة و ناحية كنعان

كما اشارت الى "أهمية تجهيز الطرق الدولية وحتى الشوارع الداخلية بالرادارات والكاميرات الحرارية لرصد المخالفات عن بعد"، منوهة الى  "ضرورة تحديد السرعات واتخاذ إجراءات رادعة جداً لا سيما أن هناك البعض من المواطنين يتجاهلون القوانين والتعليمات" ، وبينت أن "محافظة واسط على سبيل المثال فيها كاميرات تعمل على الطرق الخارجية وترصد  المخالفات لكن هذا لا يكفي أن تكون على مدى 1-2 كم بل من الضروري أن تكون على مدى مئات الكيلومترات، فضلاً عن الحاجة إلى مركبات حديثة تقوم بقياس سرعة المركبات ورصد المخالفات وتسجيلها إلكترونياً "، مشيرة إلى "حاجة المديرية لكاميرات متنقلة ومركبات حديثة وتأثيث الطرق وتجهيزها بالعلامات المرورية والشاخصات الأرضية" كما بينت المديرية ان تأثيث الطرق ليس من مسؤولية مديرية المرور وإنما مسؤولية دائرة الطرق والجسور وبلديات أمانة بغداد في العاصمة"، وحول سائقي المركبات غير الحائزين على إجازات السوق، اوضحت المديرية، إن "مفارز المرور تعمل ليلاً ونهاراً من

ابرز الذين قضوا بحوادث سير في العراق

أجل رصد المخالفات وحجز المركبات المخالفة التي لا يحمل أصحابها إجازات سوق"، مشددة على أنه "لا توجد أي تسهيلات بهذا الشأن والإجراءات مستمرة لمحاسبة مخالفي القانون"، مؤكدةأن "بعض المركبات يتم تغريمها بشكل فوري والبعض منها تبقى محجوزة إذا كان سائقها عمره لا يسمح له بقيادة المركبة (طفل) لحين إقامة دعوى على صاحب المركبة وتغريمه وإيداع الطفل الذي كان يقودها التوقيف". 

عدم التزام السائق بالنظام المروري وقواعد السير، والسرعة المُفرطة والاجتياز الخاطئ من جهة اليمين، بالإضافة لاستخدام الهاتف النقال، وعدم وضع حزام الأمان، وعدم عمل اغلب الاشارات المرورية وقدم وتهالك الطرق، كلها أسباب رئيسية للحوادث لكن ما يؤشر حقا ان اجراءات الدوائر المعنية ومن بينها المرور العامة وامانة العاصمة والدوائر البلدية في المحافظات غائبة عن هذا المشهد تماما ، فضلا عن ان السيارات المستوردة في الوقت الحالي مُختلفة عمّا كانت في السابق، فهي ليست بالمستوى المطلوب من حيث المتانة، وأغلبها تتميّز بالخفة والسرعة، وعند وقوع الحادث يكون التأثير السلبي أكبر على راكبيها. 

مدير عام دائرة الطرق والجسور حسين جاسم ، عزا سبب الحوادث المرورية الى السرعة التي تكون غالبا أعلى من السرعة المقننة للطرق والتي تتراوح بين 100-120 كلم/ساعة ، مرجعا تأخر العراق في مجال منظومة الطرق، من حيث سلامة التأسيس والعلامات ومسافات الارتدادات عن حواف الشوارع، إلى قلة التمويل وعدم الالتزام بالقانون وبناء مطاعم ومحال محاذية وملاصقة للطرق، فضلاً عن سرقة بعض المقتنيات كالأسيجة الواقية والعلامات الدالة. 

خط الموت" قرب بعقوبة في محافظة ديالى وطريق الموت بين محافظة واسط وبغداد مرورا بميسان والبصرة و"طسة كركوك" التي يعرفها الجميع ، وطريق اربيل بغداد وغيرها كلها باتتا ادوات قتل للعراقيين

فيما انتقد عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق علي البياتي ،البقاء على آليات إدارة المرور التقليدية وعدم تحولها لآليات متطورة تكنولوجيا، واصفا ما يخصّ المركبات والطرق والجسور والإعمار بـ "الفوضى" التي تعمّ البلد بسبب عدم توفر إجراءات ووسائل الأمن التي تكاد تكون معدومة ،مبينا أن أغلب هذه الطرق والجسور تعود لحقبة ما قبل عام 2003، ليُحمل بذلك الحكومات المتعاقبة تقصيرا واضحا في معالجة أصل المشكلة المتعلقة بتنظيم آلية وجود المركبات ومدى ملاءمتها لواقع أو مساحة أو عدد أو نوعية الطرق والجسور . 

صورة لمجموعة معلمين قضوا بحادث سير في الطريق الرابط بين كربلاء والحلة

ان زيادة أعداد ضحايا الحوادث المرورية عن غيرها هو بمثابة "جرس إنذار" للدولة ومؤسساتها، بالإضافة إلى ضرورة أن يقوم البرلمان بدوره إن كانت هناك حاجة لتعديل أو تشريع قوانين لإدارة آلية تنظيم دخول المركبات التي يجب أن تكون مناسبة مع طبيعة الطرق في العراق . 
ويرجع مختصون غالبية الحوادث المرورية الى سوء شبكات الطرق وتهالكها ، وأن اغلب تلك الحوادث ما كان ليقع لو أن الطرق الخارجية آمنة وخالية من الحفر والمطبات والتكسرات وعريضة كما هو الحال في الدول الاخرى ومجهزة بالعلامات المرورية وقطع الدلالة واللوحات التحذيرية والارشادية والاسيجة الامنية الواقية. 

من أهم أسباب الحوادث المرورية، هو ضعف تطبيق القوانين المرورية والتي أدت الى عدم التزام السائقين بتعليمات المرور، وعدم التشديد على إجازات القيادة، مما شجع غير البالغين على سياقة السيارات، كذلك أستخدام السرعة الفائقة وعدم فحص لمركبات الدورية والزيادة الكبيرة في اعداد السيارات، تليها التكسرات والتخسفات في الطرق وانعدام عمليات الصيانة والتبليط وتهالك البنية التحتية للطرق، وانعدام الإشارات ووسائل التحذير. 

"خط الموت" قرب بعقوبة في محافظة ديالى وطريق الموت بين محافظة واسط وبغداد مرورا بميسان والبصرة و"طسة كركوك" التي يعرفها الجميع ، وطريق اربيل بغداد وغيرها كلها باتتا ادوات قتل للعراقيين، حتى اننا اعتدنا على سماع سقوط ضحايا حوادث مروية في كل يوم ، مايستدعي تدخلا فوريا لإيقاف ازهاق ارواح العراقيين على تلك الطرق بعد ان تحولت الى خط للموت المحتم وخاصة بالآونة الأخيرة ، حتى ان منظَّمة الصحة العالميَّة دخلت على هذا الخط ووفقاً لتقارير سابقة أصدرتها ،بينت ان العراق حلّ واحداً من أعلى دول العالم في عدد الوفيات الناجمة عن الحوادث بسبب مابات يعرف ب "طرق الموت "   

صورة لضابط مرور يسجل مخالفة مرورية على احدى الطرق

شهدت الطرق الخارجية والداخلية، ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة بعدد الضحايا، وهو ما أشارت له دراسة موسعة صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء في العراق للحوادث المرورية لعام 2020 عدا محافظات كردستان بأن عدد حوادث المرور المسجلة 8186 حادثا منها 2016 حادثا مروريا مميتا، وتؤكد الدراسة نفسها أن هذه الحوادث أودت بحياة 2152 مواطنا، وتعرض 8383 مواطنا إلى إصابات مختلفة، وهذه آخر دراسة اعدت قبل عامين ، اضف اليها تزايد حوادث السير خلال عامي 2021 و2022 بشكل مهول لا يمكن المرور به دون وقفة جادة تشترك فيها كل المؤسسات المعنية بالامر . 

تشكل الطرق الخارجية والسريعة واحدة من أهم مظاهر البلد وواجهته الحضارية،لانها ا تواجه القادم إلى البلد، ومن خلال جودة وسلامة الطرق لأي بلد يمكن أن تحكم على مدى تطور ذلك البلد وتحسن مستوى الخدمات فيه، وهذه

صورة لاحد اهم الطرق في اربيل والذي يسمى بطريق 120 متري عبارة عن دائرة تحيط مدينة اربيل

الطرق تشهد أعلى وفيات وضحايا بسبب حوادث السير، فكيف تكون واجهة بلد من المفترض انه سبق جيرانه من الدول باولى علامات التحضر والنظام . 

تحصد حوادث السير في العراق آلاف الأرواح والإصابات سنوياً، اضافة الى خسائر مادية كبيرة ، ويشترك في هذه الجريمة المرورية كل مؤسسسات الدولة المعنية بتاهيل الطرق والشوارع الداخلية والخارجية والسائقين ايضا وعدم وجود نظام مراقبة حقيقي وكذلك غياب للوعي المروري ، ما يدفع ثمنه ارواح اناس ابرياء لاذنب لهم سوى انهم يريدون ان يصلوا الى وجهتهم مهما كانت بامان ، لكن الموت يتربص بالعراقيين من كل جانب ، فكلما رتقت الدولة فتقا انبرى فتق جديد ، دون حلول مسؤولة وضمير حي، ليضاف الى الارهاب الذي مازال يهدد امن العراقيين ارهاب اآخر لكن من نوع "مروري"!

 

 

 

اختيار المحررين