البرلمان يُشرِّع "خارج السرب"

12365 مشاهدة
08:12 - 2022-06-03
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير

أجريت الانتخابات النيابية المبكرة في العراق في 10 أكتوبر 2021، وتحدد الانتخابات 329 عضوا من أعضاء مجلس النواب الذين سينتخبون بدورهم رئيس الجمهورية ويصادقون على تعيين رئيس الوزراء ، حيث تم تغيير النظام الانتخابي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة في عام 2018، وسط احتجاجات وتظاهرات عارمة خرج بها الشارع العراقي، وبحسب النتائج النهائية فقد فازت الكتلة الصدرية التي يتزعمها مقتدى الصدر بأكبر عدد للمقاعد البرلمانية، بحصولها على 73 مقعدا في البرلمان المكون من 329 مقعدا ، في حين كان التيار الصدري يمتلك 54 مقعدا في البرلمان الماضي وحصلت كتلة "تقدم" التي يتزعمها محمد الحلبوسي على 37 مقعدا ،في حين حصل ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي على 33 مقعدا، مقابل 24 في الدورة السابقة وحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني على 31 مقعدا، في حين حاز منافسه الكردي "تحالف كردستان" على 17 مقعدا ،وحصل "تحالف الفتح"، الممثل الرئيسي لفصائل الحشد الشعبي داخل البرلمان بعد اعتراضه على النتائج الأولية بدعوى حدوث تزوير على 17 مقعدا، بعدما كان يشغل 48 مقعدا في البرلمان السابق، وسجل تحالف "قوى الدولة الوطنية" برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ويضمّ أيضا "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، تراجعا كبيرا إلى 4 نواب فقط، وكان لتيار الحكمة 19 نائبا في البرلمان السابق، وائتلاف العبادي 42 نائبا ،وحصل تحالف "عزم" بقيادة خميس الخنجر على 14 مقعدا ،وتمكنت حركة "امتداد" في أول تجربة انتخابية تخوضها من الفوز بـ9 مقاعد، كما فازت "إشراقة كانون" بـ6 مقاعد، وتعد هاتان القوتان من إفرازات الاحتجاجات الشعبية التي شهدها العراق العامين الماضيين، والتي سميت بحراك تشرين ،في حين حصل تحالف "العقد الوطني" على 4 مقاعد، وتحالف حركة "حسم للإصلاح" على 3 مقاعد، وحركة "بابليون" على 4 مقاعد، وتحالف "جماهيرنا هويتنا" على 3 مقاعد، وجبهة "التركمان للعراق" الموحد على مقعد واحد، وحراك "الجيل الجديد" على 9 مقاعد، وتحالف "تصميم" على 5 مقاعد. 

العراقيون يصوتون في الانتخابات المبكرة وسط اجراءات امنية مشددة

وبلغ عدد الأحزاب الفائزة بمقعد واحد 16 حزبا، في حين بلغ عدد مقاعد الأفراد الفائزين في الانتخابات 43، تنقسم بين 38 رجلا و5 نساء. 

وقالت المفوضية إن أكثر من 9.6 ملايين شخص أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، التي تنافس فيها ما لا يقل عن 167 حزبا وأكثر من 3200 مرشح على مقاعد البرلمان. 

وردد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مرارا  أن تياره سيختار رئيس الوزراء، ويدعو لتشكيل حكومة "أغلبية" ممثلة في الأحزاب التي حصلت على أعلى عدد من الأصوات. 

بات مجلس النواب العراقي  شبه معطل بسبب الخلافات والصراعات السياسية على تشكيل الحكومة واختيار رئيس للجمهورية واقرار قوانين تنصف العراقيين 

بدأ مجلس النواب العراقي الجديد جلسته الأولى  بعد نحو 3 أشهر من إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2021، وسط خلافات حادة بين الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر الفائز بالانتخابات والكتل الشيعية البارزة الأخرى ممثلة بالاطار التنسيقي الشيعي. 

الصدر يهنيء الشعب العراقي بعد فوزه باغلب المقاعد

وترأس النائب محمود المشهداني الجلسة الاولى للبرلمان، بوصفه أكبر الأعضاء سنا بحضور 325 نائبا من من مجموع 329 ،وطلب من النواب الحاضرين ترديد القسم، ثم فتح باب الترشيح لمنصب رئيس البرلمان الجديد ونائبيه، وسط خلافات حادة بين نواب التيار الصدري من جهة وبين قوى الاطار التنسيقي الممثلة للقوى الشيعية من جهة ثانية ، ومابين شد وجذب وغياب وحضور ولبس الاكفان من قبل نواب الكتلة الصدرية، انتخب محمد الحبلوسي رئيسا للبرلمان وحاكم الزاملي نائبا اول وشاخوان عبدالله نائبا ثانيا للبرلمان ، اذا افتتح البرلمان اولى خطواته بمحاصصة سنية شيعية كردية وعاد لون البرلمان الذي اعتاده العراقيون من دون تغيير كان يرتقبه العراقيون بعد احتجاجات واسعة عمت اغلب مدن العراق وراح ضحيتها المئات بين شهداء وجرحى . 

الجلسة الاولى للبرلمان العراقي برئاسة رئيس السن محمود المشهداني

فيما سلّم العراقيون للامر الواقع وراحوا ينتظرون من البرلمان الجديد قرارات وتشريعات تترجم ما خرجوا وضحوا لاجله ، لتغيير الواقع الخدمي والاقتصادي والسياسي ،ولكن ابوابا جديدة فُتحت على مصراعيها ادخلت بدل التشريعات والقوانين خلافات لاحصر لها بين القوى الشيعية من جهة والقوى السنية من جهة اخرى والقوى الكردية على الجانب الاخر من الوطن الذي مزقته هذه القوى بخلافات لاتصب بالضرورة في خدمة الشعب، وانما تخدم مطامح ونوايا هؤلاء المتخاصمين علنا ،المتصالحين في الخفاء . 

كل المعطيات تشير الى عدم وجود انفراجة للانسداد السياسي الحاصل في العراق ما يعني أن تعطيل جلسات البرلمان سيستمر وسيترتب عليه انعدام أي فرصة لتشريع القوانين المهمة

والقت الأزمة السياسية في العراق بظلالها على القوانين والتشريعات التي ينتظرها الشارع العراقي وباتت بين معطل ومرحّل من الدورة السابقة ينتظر في ادراج برلمان جديد وُلد معاقا ،ولم ينجح البرلمان الجديد بعد خمس جلسات رسمية في تمرير أي قانون أو تشريع قرّر البرلمان السابق ترحيله إليه، او قوانين جديدة جاءت الانتخابات لتقرها ، على الرغم من تشكيل اللجان النيابية وتوزيع جداول المهام الرقابية لها.

نواب الاطار التنسيقي يقاطعون جلسة البرلمان لاختيار رئيس الجمهورية

ومنذ أول جلسة رسمية عقدها البرلمان الجديد في 9 كانون الثاني 2022 ، لم ينجح المجلس بعقد جلسة كاملة واحدة بعدها، بسبب الأزمة السياسية وغياب الايثار الوطني ، بل كانت الازمة تترجم على شكل تغريدات لرؤساء الكتل النيابية تعبر عن صراع "تويتري" لا يغني العراقيين ولايشبعهم . 

ومن بين ابرز القوانين المهمة التي ينتظرها الشارع العراقي، قانون الموازنة العامة للعام الحالي، وما تحمله من مشاريع خدمية وتعويضات للمواطنين، وكذلك قانون النفط والغاز، وقانون حماية المرأة والطفل، وقانون حرية الإعلام والجرائم الإلكترونية، وقانون التكافل الاجتماعي، وقانون الأحوال المدنية، وقانون حماية التنوع ومكافحة التمييز الطائفي والعرقي، وقانون الاختفاء القسري، وقانون توزيع قطع الأراضي السكنية للمواطنين ، وقوانين اخرى تتوقف عليها حياة الكثير من العراقيين ،فضلا عن قانون تعديل بعض بنود الدستور الحالي. 
 

لحضة تصويت البرلمان العراقي على قانون تجريم التطبيع مع اسرائيل

تحالف "الإطار التنسيقي" الجامع للقوى الشيعية كان قد عطل انعقاد ثلاث جلسات برلمانية متتالية مخصصة لانتخاب الرئيس العراقي، من خلال مقاطعته الجلسات التي تتطلب حضور ثلثي الأعضاء لاستكمال النصاب القانوني المطلوب لانتخاب الرئيس، كونه يسعى لدفع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى القبول بمشاركته في الحكومة المقبلة، بناء على عرف "المحاصصة"، فيما يتمسك الصدر بتشكيل حكومة "أغلبية وطنية او سياسية" ، في رؤية "ضبابية " لامعنى يفسر مصطلح الوطنية والسياسية ، الا الراسخون بالعناد !. 

ووسط كل هذا التراجع في اداء البرلمان لدوره التشريعي والرقابي وماينتظره الشعب من قوانين تخدم البلد وتغير من واقع المواطن وتعالج الاخفاقات السابقة وترتقي ببلد ينزف معاناة ، صوّت أعضاء مجلس النواب العراقي، الخميس / 26 أيار 2022 ، لصالح مقترح قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل وسط أجواء احتفالية، في وقت دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره للخروج إلى الشوارع احتفالاً بالتصويت ، وكأنه يحتفل بانجاز قانون عراقي يخدم الشعب ويحسن من وضعه المعيشي ،وقالت الدائرة الإعلامية للبرلمان في بيان،  إن التصويت على هذا القانون المقدم من اللجنة القانونية تم بإجماع الحاضرين ، مبينة أن القانون يهدف إلى الحفاظ على المبادئ الوطنية والإسلامية والإنسانية في العراق، نظرا للخطورة الكبيرة التي تترتب على التطبيع مع "الكيان الصهيوني" المحتل أو الترويج له أو التخابر أو إقامة أي علاقة معه ،وأضاف البيان أن القانون يستهدف قطع الطريق أمام كل من يريد إقامة أي نوع من أنواع العلاقات مع "الكيان الصهيوني" المحتل، ووضع عقاب رادع بحقه، والحفاظ على وحدة الصف بين أبناء الشعب وهويته الوطنية والإسلامية. 
 

الفقر في العراق

وشهد البرلمان أجواء احتفالية بعد التصويت على القانون، وأظهرت مقاطع فيديو تداولها عراقيون على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي احتفاء الأعضاء بهذا التصويت. 

وتباينت ردود فعل وتعليقات العراقيين على منصات التواصل الاجتماعي، بين مرحب ومشكك واغلبية لا يعنيها هذا القانون بقدر ما يعنيها قانون يمس واقعها المعيشي والخدمي ، فيما عده آخرون صك براءة لكتل سياسية اتهمت بالتطبيع مع إسرائيل وصوتت اليوم على القانون، فيما يرى اغلب العراقيين التواقين لتشريعات وقوانين تخدمهم وتخدم بلدهم ان البرلمان اقر قانونا لا يضر ولاينفع العراقيين ، فالعراقيون يريدون خدمات وعيشا كريما وحرية حقيقية وقوانين تغير احوالهم نحو الافضل وان البرلمان ترك امور واحتياجات البلد ومواطنيه وراح يقر قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني البعيد كل البعد عن تطلعات الشعب وطموحاته في  قوانين عراقية تكون لصالح العراقيين . 

بات مجلس النواب العراقي شبه معطل بسبب الخلافات والصراعات السياسية على تشكيل الحكومة واختيار رئيس للجمهورية واقرار قوانين تنصف العراقيين ، لكنه شمرعن ساعديه بكل قوة لاقرار قانون تجريم التطبيع وبسرعة فائقة وترك ماهو اهم من تشريعات هي في صلب عمله ومسؤولياته، فكان الاحرى به ان يشكل حكومة قوية ويختار رئيسا للجمهورية ويؤسس لحكما رشيدا، لتكتمل الدولة التي ينشدها كل عراقي، بعيدا عن قضايا لا تهم بالضرورة حياة العراقيين .    
 

البطالة في العراق

الأزمة السياسية الحالية أثّرت كثيرا على عمل واداء البرلمان ولجانه النيابية، التي يفترض أن تتولى ممارسة الدور الرقابي والتشريعي، وتنبري بمقترحات قوانين ملحة اهم من قانون تجريم التطبيع، وها هوالبرلمان يقترب من نصف عام منذ إجراء الانتخابات، ولم يقم بأي إنجاز تشريعي من خلال إصدار قوانين مهمة، ولا حتى إنجاز رقابي من خلال استجواب وزراء ومسؤولين مقصّرين في أدائهم أو تحوم حولهم شبهات فساد ،وكل هذا بسبب استمرار الصراع السياسي الذي ابقى البرلمان هامشيا من دون إنجازات تذكر، "يغرد خارج سرب الوطن" وقضاياه الملحة.

كل المعطيات تشير الى عدم وجود انفراجة للانسداد السياسي الحاصل في العراق ما يعني أن تعطيل جلسات البرلمان سيستمر وسيترتب عليه انعدام أي فرصة لتشريع القوانين المهمة أو ممارسة أي دور رقابي حقيقي من قبل النواب تجاه من ينتظرهم ممن وثقوا باختيارهم ممثلين عنهم في مجلس النواب ، فضياع نصف عام او عام كامل من عمر الدورة البرلمانية ليس بالجديد على الواقع السياسي في العراق  بل يتكرر في كل دورة انتخابية ،بسبب أزمات ومشاكل على تشكيل الحكومة وحصص اللجان ومغانم السلطة، مايعني ضياع فرص العراقيين في تشريع قوانين تنصفهم ولو لمرة واحدة وتمهد لمرحلة استقرار سياسي واقتصادي، ولكن يبقى المتضرر الاول هو الشعب والرابح الاول هو كل برلماني غرد خارج سرب مسؤولياته واولوياته في خدمة الناس .
 

اختيار المحررين