التصور الذهني للجريمة

09:14 - 2024-06-01
القاضي اياد محسن


الداعي نيوز / مقالات


التصوّر الذهني للأشياء يعني تخيّل شكلها ومحاولة التعرف على ماهيتها وتكوين الصورة الذهنية عنها، ويسميها البعض بالصورة الذاكرية أي استحضار صورة لتجربة سابقة عن شيء أو حالة.
والتصور الذهني أو الذاكري للأشياء والظواهر يرتبط بالمعلومات والتجارب السابقة عنها وكلما واجهك الشيء أو الظاهرة مجددا، استحضرت تجربتك السابقة لتطوير طريقة تعاملك معها.
 الجريمة حالها حال بقية الحالات والأشياء والظواهر تحتاج أن يملك القاضي والمحقق تصوّرات ذهنية سابقة يتم استحضارها لتطوير أي تعامل جديد مع جريمة من ذات نوعها، لأجل ذلك من المهم أن يمتلك المشتغل في مجال مكافحة الجرائم تصوّرات ذهنية عنها وعن مفاهيمها والأدوات المستخدمة في ارتكابها مثل جريمة السرقة والقتل والاختلاس، إذ يتصورها القاضي أو المحقق ذهنيا انطلاقا من تجاربه السابقة معها ومن ثم يستحضر تلك التجارب في مواجهة الجريمة مجددا والتعامل معها.
 أما في الجرائم الحديثة فان ما يصعب على سلطات التحقيق كشفها والوصول لفاعلها هو ضعف أو عدم امتلاك التصورات الذهنية عنها لاسيما إذا كانت مرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة والمفاهيم غير المحسوسة وغير المرئية فخذ مثلا جريمة سرقة الوصلات المايكروية التي تظهر في مجال الاتصالات وخذ مثلا جريمة الاحتيال باستخدام العملات المشفرة وجرائم التجسس الالكتروني الصناعي وجرائم الاحتيال الهاتفي، فهذه الجرائم حديثة ولا يمتلك القائمون بالتحقيق تصورات ذهنية كافية عنها يمكن من خلالها تشكيل الصور الذهنية للمفاهيم المرتبطة بها ومن ثم وضع اجراءات التحقيق المناسبة لمكافحتها ومعرفة فاعلها، ذلك الامر يضع القائم بالتحقيق والقاضي امام تحد معرفي وعلمي تجب مواجهته من خلال الاشتغال على الذات وتطوير مدركاتها وأدواتها المهنية والمعرفية لتعزيز القدرات المهنية، فإذا تقدم شخص للمحكمة مشتكيا عن تعرضه مثلا لجريمة احتيال هاتفي وسرقة مبالغ من محفظة بنكية هاتفية فلا يمكن للمحقق والقاضي مباشرة التحقيق وكشف خيوط الجريمة والتوصل لفاعلها من دون ان يحملوا تصورات ذهنية أولية عن ماهية المحافظ الالكترونية المالية وكيفية تأسيسها وتحميل تطبيقاتها وكيفية تعزيز ومناقلة أرصدتها وماهية نظم الحماية المتوفرة لحماية مستخدميها.
 كل ذلك يساعد في توجيه إجراءات التحقيق وانجازه في فترات زمنية قياسية لا سيما وان هذه الجرائم لا تتحمل بطء الإجراءات لما يمتلكه المجرمون من سرعة فائقة على التخفي الالكتروني وتغييب الهوية والتمويه، والمسؤولية تقع في الدرجة الأساس على اجهزة انفاذ القانون الساندة لعمل المحاكم في ضرورة امتلاكها لاجهزة استخبارية ذات خبرة توازي على الاقل خبرة المجرمين في الجرائم الالكترونية وجرائم الاحتيال الرقمي والهاتفي كذلك امتلاك أجهزة انفاذ القانون للمختبرات الالكترونية الجنائية التي تمكّنها من تقديم الخبرة الفنية لقضاة التحقيق، ومن دون تلك الخبرات والمختبرات ومع توافر المستويات المعرفية والتصورات الذهنية الأولية عن الجرائم المستحدثة يكون موضوع مكافحتها متطورا ويفوت على المجرمين فرصة خداع مجموعات جديدة من الضحايا للإيقاع بهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين