اللامساواة كطريق لتحقيق العدالة

09:49 - 2024-04-24
القاضي اياد محسن

الداعي نيوز / مقالات

ليست المساواة دائماً الطريق الأوحد لتحقيق العدالة، فقد تكون اللامساواة أحياناً هي مصدر العدالة، هذا ما يذهب إليه بعض الدارسين والمهتمين بشؤون القانون والعدالة لا سيما عند الحديث عمّا يسمى بالامتياز القضائي، فالأصل أن تكون هناك مساواة في القانون بين الجميع في المساءلة والمتابعة الإجرائية والعقاب، لكن هذا لا يحدث دائما فبعض متسنمي الوظائف العامة كالنواب والقضاة والضباط في الاجهزة الامنية والعسكرية توضع لهم اجراءات اصولية خاصة عندما ينسب اليهم ارتكاب ما يخالف واجباتهم الوظيفية ما يعني ان لا يتم تعقبهم ومتابعتهم والتحقيق معهم إجرائيا كما تتم عملية تعقب وتتبع المواطنين العاديين وهذا ما يسمى بالامتياز القضائي، فالبعض ينظر الى هذا التمييز الإجرائي على انه امتياز يمنح لشاغلي بعض الوظائف العامة لخصوصيتها فيتم تعقب مخالفاتهم المهنية من خلال مسطرة إجرائية وأصولية تختلف في تفاصيلها عن المسطرة التي يتم من خلالها تتبع المواطنين العاديين.
فخذ مثلا أن اجراءات الشكوى من القضاة لأسباب مهنية تختلف عن إجراءاتها بحق الموظف العادي وحسب ما بينه قانون التنظيم القضائي من وجوب الإحالة من قبل السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى الى لجنة شؤون القضاة وان الطعن بقراراتها يكون أمام الهيئة الموسعة لمحكمة التمييز، وخذ مثلا الحصانة الممنوحة لعضو مجلس النواب في بعض الحالات فهي حصانة إجرائية بمثابة الامتياز القضائي الذي يمنحه الدستور لمن يتولى عضوية المجلس النيابي، وخذ مثلا إجراءات التحقيق مع منسوبي وزارة الداخلية فهي لا تخضع للمسطرة الإجرائية العادية ممثلة بقانون أصول المحاكمات الجزائية وإنما تسري عليها أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية لقوى الأمن الداخلي كذلك الحال بالنسبة لمنتسبي وزارة الدفاع فتسري حين التحقيق معهم القواعد الإجرائية المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري.
 وباعتقادي فإن تلك الامتيازات القضائية الإجرائية تمنح باتجاهين أولهما مصلحة المنتسب لإحدى الوظائف ذات الخصوصية العالية لضمان أن تكون إجراءات مساءلته محفوفة بالسرية والخصوصية واتباع منهجيات إجرائية ومهنية خاصة وثانيهما مصلحة نظام العدالة في الدولة ككل حيث يضمن أن يتم التحقيق والمحاكمة من قبل ذات المؤسسة التي ينتسب اليها المخالف وفي الوقت ذاته ضمان عدم إفلاته من المتابعة والملاحقة القانونية حتى مع أهمية ما يشغله من وظيفة عامة ومن ذلك يتضح أن اللامساواة المبنية على الخصوصية والموضوعية قد تكون طريقا اسرع لعدالة انجز اكثر من المساواة الشكلية التي لا تستند إلى أسباب موضوعية وحقيقية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين