أمريكا التي على المزاج
09:43 - 2023-08-24
حمزة مصطفى
الداعي نيوز / مقالات
قبل عام 2003 حاولت المعارضة العراقية التي كان بعضها يعمل منذ السبعينات إسقاط النظام السابق لكنها لم تتمكن. في التسعينات من القرن الماضي إستعانت بعض قوى تلك المعارضة العراقية بالأميركان وصدر مثلما يعرف الجميع قانون “تحرير العراق” عام 1997 على عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. وبالفعل بعد سنوات “جيشت” الولايات المتحدة الأميركية الجيوش وأسقطت النظام. كانت قبل هذا التجييش قد جيشت الجيوش عام 1991 من أجل إخراج العراق من الكويت الذي كان إحتلها عام 1990 ونجحت في إخراجه بالقوة. وبعد 13 سنة نجحت للمرة الثانية في وقت كان العراقيون يعيشون لاسيما في السنوات الأخيرة أوضاعا مأساوية قاسية بسبب الحصار الذي فرض عليهم بعد إحتلال الكويت من قبل النظام السابق مباشرة. لم يكن سقوط بغداد على أيدي القوات الأميركية في التاسع من نيسان 2003 بمثابة مفاجأة. فوزير الدفاع آنذاك الفريق سلطان هاشم توقع ذلك في مؤتمر صحفي شهير حين قال أن الأميركان سوف يصلون بغداد في غضون 4 الى 5 أيام. صدقت توقعاته, وصلوا فعلا وأنتهى كل شيء. دخلت الدبابات الأميركية العراق من أبواب متفرقة ليس خشية من أحد لكن كونها متناثرة في قواعد عديدة محيطة بالعراق من كل الجهات. أخذت تجوب شوارغ بغداد بكل حرية. ولكي يأمن الناس شرها لأنها كانت تتوقع كل الناس أعداء لها طلبت من المواطنين أن يرفعوا رايات بيضاء حين تمر مواكبهم حتى لاتستهدفهم. البعض خلع فانيلته البيضاء ورفعها وكان يمر من أمام حشودهم مبتسما منتشيا لأن الوعود الوردية كانت قد سبقتهم. والوعد الوردي الأكبر كان البطاقة التموينية التي باتت شحيحة في السنوات الأخيرة قبيل سقوط النظام السابق. وطبقا للوعد الأميركي الوردي ومن سوق له فإن البطاقة تتضمن 52 مادة بمن فيها الحلويات والجوز واللوز والعطور ومعجون الحلاقة والأسنان والكلونيا. أما القادة الأميركان فقد كانوا ضيوفا دائمين على بعض الموائد المنصوبة لهم والتي تستلقي على أطنان التمن والثريد واللوز والجوز الخراف المذبوحة على الطريقة الإسلامية. ليس هذا فقط فإن بعضهم بل وأقذرهم تلقى أغلى الهدايا بمن فيها تلك التي لها رمزية وقدسية. لم يطل الزمن كثيرا حتى “كبت العيطة” على الأميركان الذين سرعان ماتبخرت وعودهم وأول ماتبخر وعدهم بالتحرير حين جاؤوا الى مجلس الأمن عشاء باكين بأنهم قوة إحتلال. تبخر قانون “تحريرالعراق” هو الآخر وبدأت المحاصصة لتشمل كل شيء. كان كل ذلك نوعا من صناعة الوهم الذي نجيده في كل العصور والأزمان لأننا لانملك سوى الوهم في رؤية مستقبلنا كوننا نعيش الماضي الذي هو دائما تليد حتى لو كان بلا معلبات ولا ثريد. دخلنا ومازلنا مع الأميركان في كل أنواع الصراعات من زلماي خليل زاد الى الينا رومانسكي التي هي الآن تصبح مع مسؤول وتمسي مع آخر. إستمر الأميركان في خططهم ومخططاتهم وبقينا نحن ننسج خيوط هذا الوهم المتراكم. فالذين أخرجوهم الأميركان بالأمس يمنون النفس اليوم بالأوهام عسى أن يعودوا ومعهم وعد ساذج آخر بسيط وهو قائمة بمواد البطاقة التموينية لاتقل عن 52 مادة. المحصلة أن كل طرف بات يريد الأميركان على مزاجه. لكن وبكل تأكيد فإن الطرفين المتوهمين قبل عشرين سنة أو اليوم ينظرون الى أميركا من زاويا وهمهم هم. أمريكا بالنسبة للطرفين خادم مطيع لما يحملونه من أوهام فضلا عن أضغاث الأحلام. أميركا بالنسبة لهم هي اميركا التي تعمل ساعتها البيولوجية على مزاجهم. يريدونهم من أجل تخليصهم من فلان يأتون طائعين. وحين ينفذون أوامر المتوهمين سرعان مايقولون لهم “يالله شوفوا لنا عرض كتافكم”. سرعان ما يأمر الجنرال الذي أكل على الموائد ولم يفده الزاد والملح جنوده بالعودة الى قواعدهم بالهرولة. فأميركا ليست أكثر من جمعية خيرية تقدم خدماتها للمظلومين والمعوزين و.. النايمين الضحى.