بعد مضي 200 عام .. تحديد بعضا من أسباب مقتل عشرات الآلاف من جنود نابليون

99 مشاهدة
05:57 - 2025-10-28
دولي


الداعي نيوز / متابعة 

بعد أكثر من قرنين على الكارثة التي أنهت حلم نابليون بونابرت بالسيطرة على أوروبا الشرقية، تمكّن العلماء أخيراً من تحديد بعض الأسباب الحقيقية وراء مقتل عشرات الآلاف من جنوده خلال الانسحاب المأساوي من روسيا عام 1812. 

فوفقاً لدراسة جديدة نُشرت في مجلة Current Biology، أظهر تحليل الحمض النووي المستخرج من رفات جنود نابوليونيين أن أمراضاً قاتلة كانت شريكاً رئيسياً في تدمير الجيش الإمبراطوري الفرنسي، بحسب تقرير نشره موقع ScienceAlert العلمي. 

كارثة الانسحاب من روسيا
فحين قاد نابليون نحو 600 ألف جندي من جنسيات أوروبية مختلفة نحو روسيا، كان يتوقع انتصاراً سريعاً. 

لكن مع حلول الشتاء الروسي القاسي، نفدت المؤن، واشتدت مقاومة القوات الروسية، ليتحوّل الانسحاب إلى مأساة إنسانية.

ورغم أن المؤرخين قدّروا أن نصف الجيش تقريباً قضى قبل بلوغ حدود بولندا، بسبب البرد والجوع والأمراض... لكن طبيعة هذه الأمراض ظلّت موضع جدل تاريخي طويل.

بحث في المقابر الجماعية
وفي عام 2001، اكتُشفت مقابر جماعية في مدينة فيلنيوس في ليتوانيا، تحتوي على رفات أكثر من 3 آلاف جندي فرنسي منسحب من روسيا. ومن هذه المقابر استُخرجت أسنان 13 جندياً لتحليل الحمض النووي المخبري، في دراسة قادها فريق من "معهد باستور" الفرنسي.
فيما قال الدكتور نيكولا راسكوفان، الباحث في علم الميتاجينوميات (علم "الجينات الجماعية") بالمعهد: "من المدهش أن نتمكّن اليوم، بفضل التقنيات الحديثة، من تشخيص أمراض أصابت أناساً دفنوا قبل أكثر من مائتي عام".

نتائج تفنّد الأسطورة القديمة
إذ لطالما ظن الأطباء والمؤرخون أن مرض التيفوس – الذي ينقله القمل وتسببه بكتيريا Rickettsia prowazekii - هو من فتك بالجنود.

لكن المفاجأة أن التحاليل لم تظهر أي أثر لتلك البكتيريا. بل كشف الحمض النووي بدلاً من ذلك، عن وجود مزيج من أمراض أخرى، هي الحمى المتكررة (Borrelia recurrentis)، التي تنتقل عن طريق قمل الجسم. وحمّى نظيرة التيفوئيد الناجمة عن السالمونيلا المعوية (Salmonella enterica).

وأشار الباحثون إلى أن الحمى المتكررة، وإن لم تكن مميتة بالضرورة، يمكن أن تضعف الجسم إلى حد كبير، خاصة لدى جنود أنهكتهم البرودة، وسوء التغذية، والمسيرات الطويلة.

مشهد الدمار
فيما كشفت دراسة المقابر أن معظم الجثث دُفنت بملابسها العسكرية الكاملة، وغالباً إلى جانب خيولها، مما يدل على أنهم لم يموتوا في معركة مباشرة، بل خائري القوى نتيجة المرض والتعب.

وأوضح الباحثون أن غياب الأسلحة حول الجثث يعزّز فرضية أن الوفاة كانت جماعية بسبب وباءٍ فتاكٍ اجتاح المعسكر أثناء التراجع.

مزيج من الأمراض والبرد
كما أكد الفريق العلمي أن حجم العينة الصغيرة (13 جثة) لا يسمح بالجزم النهائي، لكن النتائج تشير بقوة إلى أن الجيش الفرنسي كان ضحية مجموعة من الأمراض المتفشية إلى جانب البرد والجوع.

وجاء في التقرير أن "السيناريو الأكثر ترجيحاً هو مزيج من التعب الشديد، وانخفاض درجات الحرارة، وتعدد الإصابات، أبرزها الحمى المتكررة وحمى نظيرة التيفوئيد".

كذلك أضاف العلماء أن تحليل المزيد من الرفات قد يوضح الطيف الكامل للأوبئة التي فتكت بالجنود خلال الانسحاب. 

المرض.. حليف الشتاء الروسي
بهذا الاكتشاف، يتضح أن الجيش الفرنسي لم يسقط فقط أمام جيوش القيصر والثلوج الروسية، بل أيضاً أمام عدو مجهري لم يكن معروفاً آنذاك.

وقد يعيد هذا الاكتشاف صياغة واحدة من أكثر صفحات التاريخ العسكري مأساوية، إذ تُظهر الأدلة أن المرض لعب دوراً مساوياً للبرد في القضاء على "الجيش الكبير" الذي حلم نابليون أن يغزو به العالم.

اختيار المحررين