عودة القيصر

11:20 - 2025-08-16
هادي جلو


الداعي نيوز / مقالات

 لايريد الرئيس فلاديمير بوتين خسارة الفرصة التي يمنحها الرئيس دونالد ترامب. فبالرغم من المكاسب الميدانية المتحققة على طول نهر دينبرو في الشرق الأوكراني، وتراجع القوات الأوكرانية فإن تلك المكاسب لن تكون دائمية في حال إنزعج ترامب من الرد الروسي، وسيكون هناك مشاكل أكبر من تلك التي تسبب بها الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والعقوبات القاسية التي فرضت على موسكو، والتي قاومتها بضراوة، ونجحت في ذلك الى حد بعيد.. لكن ماذا لو فشل ترامب في وقف الحرب، وشعر في ذات الوقت أن بوتين هو السبب، وليس زيلينسكي؟ حينها سيضطر سيد البيت الأبيض الى فرض مزيد من العقوبات على القيصر الروسي، وسيضغط على دول كالهند للتوقف عن شراء النفط الروسي، وبحسب خبراء فإن الحرب الأوكرانية حققت لواشنطن ماتريد. فأوربا تعتمد الآن على الولايات المتحدة في إمدادات الطاقة التي بلغت أثمانها 750 مليار دولار على مدى السنوات القليلة المقبلة بعد وقف إمدادات الغاز الروسي، ولكن الفرق إن الأسعار باهظة مقارنة بماكان يدفعه الأوربيون من أموال لموسكو.
  القمة الأخيرة في آلاسكا كانت ناجحة لجهة عودة القيصر الروسي الى الواجهة، والخروج من دائرة الضغط والإنعزال. فماقام به ترامب من إستقبال حافل وترحاب كبير وبطريقة مبهرة يشير الى إن الرئيس ينعطف نحو مكاسب كبيرة، وهذه المرة من روسيا بعد ضمان مكاسب غير مسبوقة من أوربا التي رضخت لضغط الإدارة الجمهورية، وزادت من حجم الإنفاق العسكري ضمن حلف شمال الأطلسي.
 القمة الأخيرة لم تكن لإعلان نهاية الحرب، فذلك يتطلب مفاوضات معقدة سياسية وفنية، ولايمكن لترامب أن يغامر بإلغاء الحضور الأوربي بالكامل فهو يريد تحقيق السلام ضمن دائرة المصالح الأمريكية التي لاتسمح بالإنفصال عن أوربا، وهو يرغب كثيرا بكسب الجولة ضمن محاولات مستمرة من خلال التفاوض المباشر مع بوتين، ونقل ماجرى في القمة الى الحلفاء، والنقاش المطول معهم قبل العودة الى طاولة المفاوضات، وقد سمعنا الرئيس الروسي يقول في المؤتمر الصحفي: إن اللقاء المقبل سيكون في موسكو، ويبدو الطرفان على رغبة كبيرة في عدم خسارة بعضهما، لكن حرص بوتين أكبر لأنه وصل الى مرحلة متقدمة في الحرب خاصة وإنه ضمن عدم خروج البحر الأسود عن نفوذه، وفرض سيطرته على جمهورية القرم بالكامل، وربطها بالأراضي الروسية، وهو يكمل مهمة ضم لوهانسك ودونيستك وخيرسون وزابورجيا، ووصولا الى أوديسا الميناء الرئيس في الجنوب الأوكراني حيث تصبح جزيرة القرم مؤمنة بالكامل عن أي تهديدات مستقبلية، وهي بعيدة نسبيا عن العمق الأوكراني، وسيتم تأمين وصول مياه نهر دينبر الذي ينبع من أراض روسية في مقاطعة فالادي، ثم يتسلل الى روسيا البيضاء التي ترتبط بموسكو على صعد شتى، والنهر يمر بالعاصمة كييف قبل أن ينحدر جنوبا ليقطع الأراضي الجديدة ضمن الأقاليم التي سيطرت عليها موسكو، وتصل مياهه الى جمهورية القرم، وقد حاولت كييف قطع مياه ذلك النهر عن الجمهورية الروسية الواعدة..
    روسيا تحتل مساحة تزيد على ثلث مساحة أوكرانيا وتضمها الى أراضيها حيث تضم نصف عدد السكان المحتملين الذين يحملون الجنسية الروسية، والأمور ماضية الى تفاهمات يجب على أوربا أن تتعاطى معها بطريقة أكثر جدية والكف عن المشاكسات الفارغة والإستمرار بشراء الأسلحة بأموال الشعوب الاوربية وتحويلها الى كييف لتكون ضحية لفساد النخبة الحاكمة،  ومن الواضح إن الرئيس ترامب لن يحسم الأمور قبل التحدث الى الحلفاء الأوربيين، وتحقيق نوع من الإجماع خاصة مع القيادات الأساسية كالمستشار الألماني ميرتس والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني العمالي ستارمر المتحمس أكثر من غيره لإستمرار الحرب لأسباب منها رغبة لندن في لعب دور أكبر في أوربا بالرغم من الإنسحاب من الإتحاد، ولأن المملكة المتحدة تنظر بريبة الى الدور الروسي الذي يهدد شرق أوربا، وقد يمتد الى بقية العواصم الغربية...

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين