مفهوم الأغلبية وإشكالية الهوية الوطنية

03:59 - 2024-06-03
حمزة مصطفى

الداعي نيوز / مقالات

نحن, أخص العراقيين,أكثر شعوب الأرض "نصرف" وطنيات. تبدأ الوطنية عندنا من الكهرباء التي في حال حصل إشكال في وطنيتها نتجه للحل الجراحي الذي لابد منه وهو "السحب". ومع إننا نوصف طبقا لأوصاف سياسيينا وزعمائنا الوطنيين وما أكثرهم بأننا "شدة ورد" أو "قوس قزح" تعبيرا عن التعددية التي هي ليست حكرا علينا فإننا أكثر الدول أو الشعوب التي أساءت إستخدام التعددية أو سبل توظيفها من أجل نهوض الأمة مثلما يفترض لا نهوض العشيرة والحزب والقومية والطائفة والدين. في الهند مثلا وهي أم الوطنية وخالتها وعمتها لسابع ظهر لا تجد من "يزامط" بالوطنية سواء كانت كهرباء أم أحزابا أم قوى سياسية أم إئتلافات أم أطر أم تنسيقيات. قد تجد أحزابا أو تجمعات تستخدم تسميات مناطقية أو حتى دينية لكنها لاتعمل وفق مبدأ مصادرة الآخر المختلف تحت هذا العنوان. ربما تحصل خلافات وربما صدامات وتصفيات وعمليات قتل حتى لزعماء مكرسين يفترض لا خلاف عليهم مثل المهاتما غاندي أب الهند الحديثة, كما قتلت إبنة رفيق دربه جواهر لال نهرو التي حملت إسمه إنديرا غاندي, كما قتل إبنها راجيف أيضا. نعم يحصل ذلك وهناك أدلة كثيرة في التاريخ بمن في ذلك التاريخ الأميركي على الرغم من أن أميركا توصف بأنها "أمة مهاجرين" قبل أن يحسم أمرها بايدن مؤخرا بوصفها "أمة مثليين" هو "يكول مو آني".  
فقبل سنتين وبرغم التعايش بين السود والبيض في أميركا برغم كل الإشكاليات التي إرتبطت بالتمييز العرقي قتل شرطيا أبيض مواطنا أسود هو جورج فلويد. الأمر نفسه حصل  في جنوب أفريقيا قبل أن يغير نيلسون مانديلا المعادلة تماما لصالح مبدأ التعايش السلمي بين المواطنين بعيدا عن أية هويات أخرى فرعية لكنها كانت أيام كان مانديلا بالسجن هويات قاتلة بلغة أمين معلوف. المقاربة نفسها تنطبق على رواندا التي تقاتلت فيها قبيلتا الهوتو والتوتسي في تسعينت القرن الماضي  وراح ضحيتاها أكثر من نصف مليون فرد لكنها اليوم إحدى النمور الأفريقية تقدما وإزدهارا. لو طبقنا هذه المقاربات على وضعنا كعراقيين فإن أهم مانلاحظه إننا لسنا مثل أي واحدة مما ذكرت من نماذج. فنحن لم يحصل بيننا تمييز تحت أي مسمى بحيث نحتاج الى مانديلا عراقي. ولم تحصل بين تجمعاتنا البشرية سواء كانت عرقية أم دينية أم مذهبية حربا أهلية طاحنة مثلما حصل في رواندا. كما إننا لسنا مثل أميركا بعشرات التعدديات المتباينة, ولسنا مثل  الهند أم المئات من التعدديات المتعددة الاشكال والألوان. نحن فقط مثلما يقال شدة ورد او قوس قزح ببضعة الوان لا أكثر.
مع ذلك أكرر "نصرف هواي" وطنيات. لايوجد حزب أو تكتل أو تجمع أو جمعية أو معهد أومركز أبحاث حتى لو كانت مجرد" كلاوات" تضاف أحيانا لحاجات "تلفازية" سيما إذا أضيفت لها اللازمة الشهيرة "الإستراتيجي" أقول لايوجد مسمى من هذه المسميات دون أن يطلق أو يسمي نفسه بالوطني الفلاني. وهنا لابد من طرح سؤال مهم وهو .. ماهي مصاديق الوطنية هنا؟ عمليا لايوجد ما ينسجم مع مايطرح على أرض الواقع طالما أن الجميع يوظف فهمه لـ "الوطنية" بوصفها "سحب" سياسي لصالح مايعتقد به من مفاهيم إرتبطت بماهو ديني عقائدي أو مذهبي أو إثني أو مناطقي أو حتى عشائري. فالأغلبية دخلت حتى في نسيج المكون الواحد والطائفة الواحدة والتكتل الواحد بل والعشيرة الواحدة التي باتت تصنف نفسها بأنها .. العشيرة الوطنية مقابل نظرتها لكل الآخرين بإعتبارهم .. سحب. والأمر نفسه ينطبق على الأحزاب "الوطنية" التي عند تقسيم الكعكة "تخلي" الوطنية صفح وتخرج من الخرج شعار .. الأغلبية التي لا يغلبها غلاب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين