كيف تموت حسينيا؟

05:02 - 2023-08-07
نصير العبودي

الداعي نيوز / مقالات

إن حياة الإنسان هي أثمن شيء يملكه وهو يعيشها وفق الوسيلة التي اختارها لنفسه هاربا من الموت خوفا منه على حياته ولازال هذا الإنسان خائفا من الموت مادامت وسائله قاصرة عن تحقيق ما يريده فطريا لنفسه وما يريده هو البقاء والخلود وخوفه هذا يشير الى رغبته علة خلقه ومعرفة ما ينتظره إذا فارق الجسد ومات عن دنياه التي لابد له يوما أن يجيب داعي الموت هذا إذا نزلت به أسبابه ، فالجوع والعطش والمرض وغيرها من العوامل البيئية والطبيعية هي أسباب تجعله يُسخّر عقله ليملك ما يدفع به هلاكه ،  وبما أن الإنسان بطبيعة الحال غير باق في دار الانظار ولابد له من فراقها يوما ما فعليه أن يتمسك بوسيلة تكشف له الغطاء عن علة وجوده وترفع له الحجب عن ما سينتقل إليه عند موته .

إن الإنسان وكل مخلوق خلق من معنى الله وبمعنى الله أي إن معنى الله ومعناه الحياة المثالية الحقة الموصوفة بالبقاء والخلود هي أصله وجوهره وهو فطرة لها لهذا هو يطلبها ويبحث عنها ويسأل عنها والسؤال عن الشيء دليل على وجود أسباب امتلاكه ، وفطريا الإنسان يسأل عن أصله هذا ليحياه ويعيشه ومن هذا نعرف أن الله خلق الإنسان ليعرفه فإذا عرفه سعى لامتلاك شأنه ومعناه وهذا ما فعله الأنبياء والانبياء وهم بشر طبيعيون عرفوا أنفسهم فعرفوا ربهم وأصبح الله أصلهم وجوهرهم وهم مظهره فلا ينطقون إلا عنه ولا يحركون ساكنا أو يسكنون متحركا إلا والله هو آمرهم وناهيهم وقد وصلوا إلى هذا المقام بموت قبل موت عرفوا به أنفسهم فشهدوا معنى الله فيهم فطرة وبشهادتهم له مسوه وفطروا عليه واحبوه أي جذبوا إليه وهم يسمعونه ويرونه وهو يربيهم وينميهم حتى ولدوا إلى حياته يحيونها ويعيشونها بما يغذيهم بها من معارف ربانية وعلوم نورانية ويملّكهم صفاته وينمون به حتى وصلوا إلى مقام التطبع والاطمئنان ، اولياء الله لا خوف عليهم ولا حزن بمعنى امتلكوا الوسيلة التي بها عرفوه فأحبوه فعبدوه وملكوا صفاته وأصبحوا بهذا المقام حجة على الناس ممن يريد أن ينجو بنفسه وحياته ويعالج خوفه من الموت بطريقتهم الإلهية الربانية ولا يخلوا زمن من إنسان وصل إلى هذا المقام وظهر به يمثل باب رحمته وتوبته ونجات من يريد أن يختاره له وسيلة يصاحبه بها ويصبح من المتعلمين على سبيل نجاته.

وهذا ما فعله الحسين عليه السلام لما خرج من المدينة مخاطبا أهل عشيرته ومن كان يدعي أنه تابع له أنه من خرج معي فهو شهيد ومن لم يخرج فلم يدرك الفتح ، ولا يقصد هنا معنى الشهادة هو القتل بالسيف إنما قصد من خرج معي وهو يصاحبني كي أربيه بالعلوم الربانية وأُشهده معنى الله ليموت إليه بموت قبل موت أي يتصل به بتسخير عقله وحسه الى آياته وشعائره فيحضره وإن شرط الشهادة هو الآية الناطقة والخبير السابق له وأنا الخبير له بذلك ، فمن عرف له من يمثل الحسين عليه السلام في كل زمن كاية ناطقة عن غايته التي تريدها فطرته فهو شهيد أي بسبب تربية الآية الناطقة أو الإمام الحي الظاهر الحاضر يشهد معنى الله ويموت إليه باتصاله به فيكون معنى الموت هو الحياة وليس نهايتها . إن الشيطان وهو المعنى المغاير للمعنى الإلهي حضر للإنسان ليضله عن طريق الله الحق وهو يطرح له عقيدته الموصوفة بالظنون وهي وصف كاذب للآخرة بكل مفاهيمها ، مثلا يقولون الله دون أن يسمعوه ويروه ، يقولون بالجنة دون أن يتنعموا بها ، يقولون بالنار دون أن يدخلوها يقولون بالقبر دون أن يتبينوا ماهیته وهم فرق وملل وأحزاب وطوائف يعودون بعقيدتهم للموروث وآراء مظاهر الشيطان ممن يروجون لعقيدة الظنون فيتقولون على الله بالظنون بآراء فقهاء الظنون وهذا هو الكذب الذي سحر عقول الناس وخدرهم ومن مات منهم مات أعمى عن الحقيقة التي لها باب ورباني آياته كما كان الحسين عليه السلام يدعوهم فلم يسمعه أو يطعه إلا قليل .

فإذا أردت أن تعيش حياة الحسين عليه السلام عليك أن تعرف حسين زمانك الذي هو شرط الدين وبداية اليقين الموصوف بالعصمة والناطق عن الحقيقة ولا يخلو زمن منه فما دام الله موجودا وهو معنى مادام هنالك مظهرا له داعيا له دالا عليه وإذا أردت أن تكون شهيدا كمن تبع الحسين عليك أن تسخر عقلك وحسك لما يطرحه الله به لك بحسين زمانك لتشهد به معنى الله الذي ستموت إليه بالموت المعلوم فتمس حقيقته وتفطر عليها وتحبه وتولد إليه وتظهر للأقربين مبشرا ونذيرا كما ظهر أصحاب كل نبي وولي وبالخصوص أصحاب الحسين داعين بالحكمة والموعظة الحسنة الى الله .

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين