نوافذ مكسورة

11:26 - 2023-05-08
القاضي اياد محسن

الداعي نيوز / مقالات

لتقليل معدلات الجريمة ومخاطرها فإن الأمر لا يرتبط بمكافحتها فقط وإنما بإدارتها أيضاً، وإدارة الجريمة تعني التحكم بالظروف البيئية والقانونية والاجتماعية التي تضمن منع حدوثها أو الحد من معدلاتها من خلال إدارة البيئة وتحويلها من بيئة فوضوية إلى بيئة نظامية، هذا ما ذهبت اليه نظرية النوافذ المكسورة في علم الجريمة.
 ومبنى هذه النظرية يتلخص بانك ان كسرت نافذة دائرة او محطة وقوف باصات في مدينة وتركتها دون اصلاح سوف يشعر المارة ان هناك غيابا للنظام والقانون بحدود معينة وسوف يجرؤون ويتشجعون على كسر نوافذ اخرى فتعم الفوضى وتزداد مظاهر الاشياء المكسرة، ويُقدم البعض على ارتكاب جرائم اخرى اكثر خطورة وهكذا، ولأجل ذلك فان التركيز على مكافحة كبريات الجرائم كالخطف او القتل او السرقة لن يحقق الامن والاستقرار ما دامت الدولة تترك صغريات الجرائم كالمخالفات المرورية والتهرب الضريبي ورمي المخلفات في غير اماكنها من دون مكافحة ومن دون وضع السياسات القانونية والاجرائية لمكافحتها.
هذا الترك سيصنع شعور اللامبالاة لدى العامة ويشجع بعضهم لارتكاب المخالفات والجنح البسيطة ليغيب النظام وتكون حينها البيئة مناسبة لارتكاب الجنايات الكبيرة والمنظمة اي ان الاعتياد على ارتكاب المخالفات يؤدي الى ارتكاب الجنايات، وهو وكما يصفه البعض بالعدوى الجرمية اذ ينتقل السلوك الجرمي المعدي مثل الوباء بين افراد المجتمع الذي لا يجد افراده ان الدولة حاضرة وبقوة لتقويض الفوضى وبسط النظام.
نظرية النوافذ المكسورة تجد تطبيقاتها في الواقع الحالي لمجتمعنا اذ اصبحت الكثير من النوافذ القانونية مهشمة كالنافذة الضريبية من خلال التهرب الضريبي والنافذة المرورية مهشمة من خلال فوضى الطرق والتجاوز على قوانين المرور واللوائح المعتمدة، ونافذة الاملاك العامة مهشمة كذلك من خلال التجاوزات الكبيرة على املاك الدولة حتى اضحت تلك المخالفات والتجاوزات التي يشكل كل منها جريمة مثل وباء يستشري بين المواطنين ما يجعل الدولة بكافة اجهزتها امام تحدي معالجة ومواجهة المخالفات البسيطة كما تواجه الجرائم الكبرى للحفاظ على اساس النظام وسيادة القانون.

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين