تراب

09:36 - 2021-12-19
طالب المحسن

الداعي نيوز / مقالات 

صوت ارتطام المفاتيح ببعضها ينبئنا بمقدمه، عند الباب وبوازع من خبرته يستل احداها، يفتح باب التوقيف المركون في زاوية من دائرة الامن.
يطل الحرس عبد الله لينادي بأسماءنا ليتأكد من الموجود الفعلي، وبعد فعالية دورة المياه يبدأ توزيع الطعام وهو لا يتعدى إناء كبير من حساء وبضع صمونات يابسات سرعان ما تتلقفها الايادي.
صاح السجين وضاح :
- أنا مضرب عن الطعام. 
إنسحبت الايادي من الاناء مفزوعة والوجوه تتلفت من هول ما سمعت. 
صاح الحرس :
- ماذا قلت يا ابن الكلب.
- أنا مضرب عن الطعام. 
صارت الزنزانة مزارا لضباط شتى يعيدون سؤال الحرس ذاته ويأتيهم جواب وضاح بنفس الصوت الواثق.
في الظهيرة تم سحله وانهالت عليه العصي أمامنا حتى فقد وعيه. أعادوه الينا، وبعد تضميد وتداوي استمر شهرا كاملا استعاد وضاح صحته. 
في صبيحة يوم جديد وأثناء توزيع الحساء صاح وضاح :
- أنا مضرب عن الطعام. 
لم يسأله الحرس ثانية ولم يأت الضباط للزنزانة لكن في ظهيرة ذلك اليوم الساخن إقتادوه الى حفرة وهالوا عليه التراب، بقي رأسه فقط يطل على الساحة، كنا نراقبه من خلف القضبان. بعد ساعة من هذا العذاب عاد الحرس لإخراجه، لم يجدوه، حفروا المكان، فتشوا التوقيف، أتى كل ضباط الدائرة، بعضهم يمسك التراب بيده ويبعثره في الريح لعله يرى وضاحا لكن دون جدوى. إختفى وضاح تماما وأمام أعيننا، أمام الحرس والضباط وكأنه تلاشى في التراب. 
تقول أُمه : في أيام العواصف أسمع أنينه في الازقة فأفتح نافذة غرفتي لتمتليء بالكلمات والتراب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين