رياضة

القطاع الخاص .. غياب أم تغييب؟

11152 مشاهدة
08:20 - 2023-07-19
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تقارير وتحقيقات  
 
في جميع بلدان العالم ، مهما كانت سياستها الاقتصادية، فان القطاع الخاص هو البوابة لانعاش اقتصاديات تلك الدول، والذي يزيد بدوره من عمليات الإنتاج والاستثمار وسوق العمل , وفي العراق ونتيجة للسياسات الاقتصادية المتخبطة والخاطئة وعدم التوازن، خصوصا بعد العام 2003 ، تراجع أداء القطاع الخاص بشكل لافت وفقد دوره الحقيقي والمهم في تحقيق عملية التنمية الاقتصادية في البلاد  . 
 

اخذ القطاع الخاص ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام1921 ،مكانة متميزة في سلم اهتمامات الدولة من خلال منحه الكثير من أشكال الدعم بوصفه الموازي الاقتصادي والشريك الفاعل الى جانب القطاع العام ، لكن الكثير من العوامل الداخلية والخارجية خصوصا بعد العام 2003 جعلت منه معاقا غير قادر على تقديم الفائدة المتوخاة ، وغاب دوره في العملية الإنتاجية التي تسهم بتنمية مستدامة تحقق لاقتصاد البلد التوازن ومواكبة التحديات الاقتصادية . 

في بلد مثل العراق تتقاذفه امواج الصراعات السياسية والنفس المتشنج تجاه الاخر لايمكن ان تكون هنالك عملية تنمية حقيقية تحقق الاكتفاء الذاتي وتعيد للقطاع الخاص الذي همش واهمل دوره في هذه العملية

لقد عانى القطاع الخاص في العراق من تغييب مقصود مع تعاقب الحكومات منذ عام 2003، إذ لم تنجح تلك الحكومات في وضعه على مكانه اللائق، فضلاً عن غياب دوره في أهم المراحل التي مرت بها البلاد ،وتوقفت مصانع وشركات أهلية بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، واصبح الاستيراد الخارجي يمثل اساسا بديلا عن الانتاج المحلي الذي مات سريريا بفعل فاعل، لان ثمة ارادة سياسية واضحة كانت وراء هذا التوجه . 
 
متخصصون بالشأن الاقتصادي شخّصوا ابرز المعوقات التي تحول دون اخذ القطاع الخاص لدوره في عملية التنمية بالعراق، ومنها تدهور الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي والافتقار إلى سياسات واستراتيجيات تدعم القطاع الخاص، وتقادم وتعقيد الإطارين القانوني والتنظيمي الذين صمما لاقتصاد مخطط مركزياً، وكذلك عدم كفاية مصادر التمويل المتاحة وطول المدة اللازمة للحصول على قروض استثمارية، فضلا عن انهيار البنية التحتية المادية وعدم كفاية إمدادات الطاقة والمياه ، وايضا سوء ادارة الملف الاقتصادي من لدن صناع القرار، اضافة الى الاستيراد المنفلت وعدم قدرة المنتج المحلي على المنافسة، ويضيفون الى ذلك عوامل اخرى مهمة منها الفساد الاداري والمالي في هيئات الاستثمار المتعاقبة والارادة السياسية الخفية التي تحول دون اخذ القطاع الخاص لدوره في العملية الاقتصادية من خلال الارتباطات مع دول تدفع لهؤلاء عمولات واموالا وهدايا مقابل عدم الوقوف بوجه عملية الاستيراد المبالغ من تلك الدول .  
وعمدت تلك الأطراف المتنفذة في الحكومات العراقية المتعاقبة إلى فتح الباب أمام الاستيراد من دون رقابة، خدمة لمصالحها الخاصة، ما تسبب في انحسار الإنتاج المحلي، حيث ظهرت تأثيرات ذلك على الوضع الاقتصادي للبلد، وبات اقتصاده ريعيا معتمدا على عائدات النفط التي تغطي بنود الموازنة، في عملية غبية ستدفع الاجيال اللاحقة ثمن هذا الغباء. 

لقد عانى القطاع الخاص في العراق من تغييب مقصود مع تعاقب الحكومات منذ عام 2003، إذ لم تنجح تلك الحكومات في وضعه على مكانه اللائق، فضلاً عن غياب دوره في أهم المراحل التي مرت بها البلاد

يرى الباحث الاقتصادي حمزة لؤي الحردان، إن "القطاع الخاص يحتاج إلى ظروف معينة من أجل أن يأخذ دوره في نهضة الاقتصاد وتوفير فرص العمل، واصفا بيئة العمل والاستثمار في العراق بانها لم تقدّم أي عوامل من شأنها أن تدعم القطاع الخاص". 
 
عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات العراقي رائد الرحماني ، يقول : "إن معظم مصانع وزارة الصناعة والمعادن خاسرة، ولا توجد جدوى اقتصادية من استمرارها بهذه الحالة مقترحا عرض المصانع الحكومية للاستثمار أو المشاركة بين القطاعين العام والخاص من خلال قانون الشراكة بينهما والمطروح أمام البرلمان حاليا ، حيث يبلغ العدد الكلي للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227، في حين يبلغ العدد العامل منها 144 فقط، ووفقا لذلك فإن نحو 18 ألفا و167 مشروعا صناعيا متوقفة عن العمل لأسباب مختلفة. 
 
الاستشاري في التنمية الصناعية والاستثمار عامر عيسى الجواهري، كشف عن أن العراق شهد طفرة نوعية داخل الاقتصاد الوطني قبل عام 2003، ويشير الى ان العراق كانت لديه معامل في الأدوية والغزل والنسيج والألبسة والأسمدة والفوسفات ومصانع السكر ومصانع الإسمنت والحديد الصلب والصناعات الدقيقة، وأخرى للمواد الغذائية والألبان، وحققت الاكتفاء الذاتي للبلاد، مؤكدا ان تلك المعامل عاطلة عن العمل اليوم وتدفع رواتب للآلاف من موظفيها والعاملين فيها من دون إنتاج. 

 إن تنشيط القطاع الخاص ممكن أن يخلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل خلال أقل من عامين، في حال كانت هناك خطوات حكومية جادة وحقيقية

المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح ، ارجع أسباب ذلك إلى أنه "لا توجد سياسات متجانسة في العراق لبناء اقتصاد السوق وفق هياكل وتنظيمات مؤسسية"، ويضيف أن "السوق هي مجرد عجلة تتحرك بقوة اقتصاد الحكومة وإنفاقها العام وثرواتها النفطية حتى تستكمل دورة الأعمال الاستهلاكية حركتها في بلادنا، فالقطاع الخاص زبون اقتصاد الحكومة ويعتاش منها، وباستثناء دعم الأمن الغذائي للحبوب، فإن سياسة دعم الاستثمار الزراعي ما زالت غامضة والقطاع الزراعي الخاص الذي يضم قرابة 90 في المئة من النشاط الزراعي في البلاد، ما زال يعتمد على البنية التحتية الزراعية الحكومية التي تشكل 83 في المئة من تلك البنى الارتكازية الزراعية، وهي بأمسّ الحاجة إلى الاستثمار والتجديد بعدما باتت متهالكة، لذا لا تسهم السوق الزراعية اليوم سوى بـ4 في المئة أو أقل من الناتج المحلي الإجمالي السنوي وتضم 21 في المئة من قوة العمل". 
كما يؤكد صالح ، أن "القطاع الصناعي الأهلي الذي يضم أكثر من 50 ألف وحدة مصنعية وفي صفوفه قرابة 750 ألف عامل صناعي، فهو الآخر ما زال قوةً معطّلة ويعمل جزئياً ربما بأقل من 10 في المئة من نشاطاته وطاقاته التصميمية، يقابله قطاع عام صناعي هو الآخر عاطل بنسبة 80 في المئة ويضم أكثر من نصف مليون عامل". 
ويشير صالح الى أن "أسواق الإنتاج الحقيقية، لا سيما الزراعية منها ما زالت تتخبط في مشكلات الإغراق الاستيرادي وانفلاته ، مبينا ان المنع عبر الحدود يتم موسمياً بموجب روزنامة زراعية بين الحين والآخر من دون السيطرة على التهريب الزراعي العابر المنفلت، ما جعل البلاد تفقد قرابة 200 ألف دونم سنوياً مقابل التملح والتصحر والإهمال وهجرة الأرياف، في حين خسرت الصناعة التحويلية للقطاع الخاص بعد إهمال دام لعقود طويلة خبراتها أو ما يُسمّى بتدهور تراكم رأس المال البشري بسبب توقف المصنع والعامل الصناعي". 

 لابد من جرأة سياسية وطنية خالصة تشرع القوانين التي تحد من الاستخفاف بمقدرات البلد ومعامله ومصانعه وتجاره وتعيد هيبة اقتصاده التي تهاوت لاسباب كثيرة ابرزها الواقع السياسي العقيم الذي يشهده العراق

ويرى الخبير الاقتصادي علي الكرخي، إن تنشيط القطاع الخاص ممكن أن يخلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل خلال أقل من عامين، في حال كانت هناك خطوات حكومية جادة وحقيقية ، مضيفا أن "أول القوانين التي يحتاجها القطاع الخاص هو حماية المنتج المحلي من المستورد الرخيص وضبط عمليات الاستيراد، ودعم الورش والمصانع بقروض ميسرة وتعديل قوانين العمل والاستثمار المتوسط وطويل المدى، والأهم من ذلك كله حماية التجار وأصحاب رؤوس الأموال من تدخل الجماعات المسلحة والأحزاب وأي تأثير آخر ومنحهم الأمن الكافي لوقف هجرة الأموال إلى دول مجاورة والاستثمار هناك". 
 
لم يغب القطاع الخاص عن المشهد الاقتصادي في العراق ، لكنه غُيّب بفعل السياسات الخاطئة في ادارة المف الاقتصادي والجهات المتنفذة التي رسخت عملية الاستيراد من دول شتى، لاسيما دول الجوار لاسباب شخصية ومنافع فردية ، فيما لم تحقق الحكومات المتعاقبة أي طفرة في لم شمل القطاع الخاص الى جانب القطاع العام لانعاش الواقع الاقتصادي للبلد ، وبدلا من ان تفيد بلدها حققت الفائدة لدول اخرى تقتات على مشاكل البلاد التي لاحصر لها ، اضف الى ذلك تدخل الجماعات المسلحة المرتبطة بقوى سياسية متنفذة في مفاصل العملية الاقتصادية من خلال الترهيب المستمر لاي جهد وطني استثماري يعود بالفائدة على البلاد . 
 
في بلد مثل العراق تتقاذفه امواج الصراعات السياسية والنفس المتشنج تجاه الاخر لايمكن ان تكون هنالك عملية تنمية حقيقية تحقق الاكتفاء الذاتي وتعيد للقطاع الخاص الذي همش واهمل دوره في هذه العملية ، ولابد من جرأة سياسية وطنية خالصة تشرع القوانين التي تحد من الاستخفاف بمقدرات البلد ومعامله ومصانعه وتجاره وتعيد هيبة اقتصاده التي تهاوت لاسباب كثيرة ابرزها الواقع السياسي العقيم الذي يشهده العراق .. وحتى يأتي اليوم الذي يصدّر فيه العراق منتجاته الوطنية ويستغني عن الاستيراد يبقى هاجس الخوف من المجهول الاقتصادي الذي قد يضرب البلد ضربة قاصمة لايعود معها قطاع عام ولاحتى خاص .

اختيار المحررين