التفلزيون الورقي

08:07 - 2024-08-20
حمزة مصطفى

الداعي نيوز / مقالات

نضطر للعودة دائما الى قصة الصحافة الورقية لكن من زاوية هل لها قراء في ظل التحول المذهل في العالم الرقمي وصحافته الألكترونية أم لا؟ ومع أن هذا السؤال بات يتكرر كثيرا لكن الإجابة عليه وهي دائما إجابة تقليدية إن الصحافة الورقية وإن بدأت تتراجع من حيث كمية المطبوع لكنها لاتزال ذات حضور وأحيانا حضور كثيف في العديد من البلدان في العالم وفي المقدمة منها البلدان المتقدمة. ففي بعض البلدان بمن فيها العربية لاتزال هناك طبعات مسائية للصحف الورقية. وفي بلدان أخرى مثل اليابان والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لاتزال الصحف الورقية تطبع بمئات الآلاف. صحيح إنها كانت تطبع نسخا بالملايين لكن حركة الزمن والتطور التقني وخيارات القارئ بعد إختراع اللابتوب جعلت القراءة الألكترونية اسهل وأسرع. لا أريد هنا الحديث عن جانب ربما هو الأهم فيما يميز الصحافة الورقية عن سواها من أنواع الوكالات والصحافة  الألكترونية وهي المعايير الصارمة في دقة الخبر أو التقرير أو المعلومة الجديدة أو الوثائق التي تعرض للمرة الأولى والتي لاتزال تحتكرها كبريات الصحف الورقية في العالم. 
كل هذه المقدمة الطويلة نسبيا عن الصحافة الورقية من جهة والعالم الرقمي الالكتروني من جهة أخرى ليست هي ماسوف أتناوله لكي أثبت ربما في محاولة يراها الآخرون من عشاق العالم الرقمي بإنها محاولة بائسة من صحافي "عتيق"  لايزال يتشبث برائحة الورق والحبر بينما لايزال غير قادر على إستخدام الحاسبة واللابتوب بل حتى الهاتف الذكي الإ "بطلعان الروح" بل أمر آخر تماما. يتذكر من لايزال حيا من أبناء الجيل الذي سبق جيلي إن الصحافة الورقية التي بدأت عندنا في العراق عام 1869 عندما صدرت صحيفة "زوراء" الزوراء لاحقا على عهد الوالي العثماني المصلح مدحت باشا كانت هي ملكة الساحة الإعلامية حيث لامنافس لا من قريب ولا من  بعيد. لكن مع إختراع الإذاعة التي بدأت عندنا في العراق عام 1936 صارت تنافس الصحافة الورقية من جانب وتساهم في إنتشارها من جانب آخر. صار بمقدور الناس الإستماع الى الأخبار من المنزل بدل الذهاب الى المكتبات لشراء الصحيفة الورقية لقراءة الأخبار. ومع هذا التنافس بقيت الورقية قائمة وبل ومزدهرة مع وجود منافس جديد وغير متوقع. الأمر نفسه حصل بعد سنوات عندما تم إختراع التلفزيون الذي بدأ عندنا في العراق عام 1956 والذي 
أخذ ينافس كلا من الإذاعة والصحافة الورقية. 
ومع كل ماقيل عن نهاية الإذاعة والصحافة الورقية بسبب التلفزيون لكن ذلك لم يحصل وإن كانت نسب القراءة والمشاهدة والإستماع تتفاوت حسب الأذواق والرغبات. المفاجأة التي لم تكن متوقعة وبسبب التطور المتسارع في الألكترونيات والتي دخلت عالم الصحافة والإعلام من أوسع الأبواب فقد وصلنا اليوم الى مايمكن أن أسميه "التلفزيون الورقي". ففي ظل اليوتيوب والتطبيقات الرقمية الجديدة مثل بودكاست وغيرها فإن نسب المشاهدة للتلفزيون المركون في زوايا الغرف, غرف النوم, المكاتب, المقاهي, الشوارع تدنت لتنتقل الى العالم الرقمي. ففي البرامج الحوارية التلفزيونية وغيرها فإن المقاطع الأكثر إثارة من الحوار يجري تقطيعها وبثها في العالم الرقمي وتحقق نسب مشاهدة أحيانا تكون مرتفعة جدا. التفلزيون الواقعي تحول الى منتج للمادة مثل الصحيفة الورقية لكن سبل الإنتشار تكون عبر العالم الرقمي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين