ديمقراطية بين "عظمين"

09:12 - 2023-03-14
حمزة مصطفى

الداعي نيوز / مقالات 

لم تتحدد بعد برغم مرور عشرين عاما على التغيير هوية نظامنا السياسي.. هل هو إسلامي أم مدني؟ هذه الإشكالية لاتزال قائمة ويبدو إنها سوف تبقى قائمة الى وقت قد يطول. الأسباب كثيرة منها مايتعلق بالدستور ومنها مايتصل بالمجتمع. فالدستور كتب بإرادة قوى المعارضة التي تسلمت السلطة بعد سقوط النظام السابق وهي خليط  من أسلاميين لـ "العظم" ومدنيين أو ديمقراطيين لـ "العظم". الجميع يعرف أن الذي كان يجمع قوى الإسلام السياسي والقوى الديمقراطية المدنية معارضتهم للنظام السابق, وبالتالي كانت عملية إسقاطه هدفا مشتركا له. ولأن عملية التغيير تمت على يد الأميركان الذين جاؤوا محتلين جهارا نهارا بعكس الدهاء الأنكليزي كونهم "محررين لامحتلين" طبقا لمقولة الجنرال مود, فإن قوى المعارضة لم تكن لديها مثل الأميركان خطة لما بعد يوم التاسع من نيسان 2003. وبإختلاف هوية قوى المعارضة "إسلاميين وديمقراطيين" فإن الذي دفع الثمن بدءا من الدستور هي الدولة في أصل نظامها السياسي. فمن أجل أن يحافظ كل طرف على هويته الفرعية إحتمى بالدستور الذي طمأن الأسلاميين وطمأن الديمقراطيين على حد سواء. فطبقا للدستور لايجوز  سن قوانين تتعارض مع ثوابت الإسلام وثوابت الديمقراطية. لسنا هنا بصدد عقد مقارنة بين الإسلام والديمقراطية لكن زج الإسلام كدين والديمقراطية كنظام حكم عبر قوانين يتعين أن تكون قابلة  للتطبيق على أرض الواقع يمكن أن يخلق مشكلة في أي وقت. فبمجرد أن ترفع مفردة "ثوابت" سوف تجد نفسك حيال إشكالية لا أول لها ولا آخر حيال تعريف الدولة, وهويتها, وشكل نظامها السياسي ومحتواه. والدليل على ذلك إننا وبسبب مايبدو تعارضا بين ماينص عليه الدين وماتفرضه الديمقراطية من شروط حياة بتنا نختلف على كل شيء (المحتوى الهابط, وحرية التعبير, والكحول) بحيث باتت تبرز أسئلة من الصعب الإجابة عنها مثل من يحدد ذلك.. الإسلام الذي لاينبغي الخروج على ثوابته وهي معروفة فيما يتعلق بالخمر أو الديمقراطية وثوابتها معروفة بشأن طريق التعامل مع الناس على صعيد حرياتهم وخصوصياتهم الشخصية؟. 
لذلك نجد أنفسنا الآن حيال إشكالية لاتتعلق بالخلاف حول المحتوى إن كان هابطا أم لا وكيف ينبغي التعامل معه من الناحية القانونية أو السياسية أو المجتمعية, او الخلاف حول قانون البلديات التي تحظر إحدى فقراته الكحول, بل حيال هوية الدولة والنظام السياسي. فبالإضافة الى كون العراق بلدا تعدديا من حيث الأعراق والأديان والمذاهب فإنه متعدد لجهة الإنتماءات السياسية وهو مايعني صعوبة إحتكار أي طرف سواء من الإسلاميين أم الديمقراطيين لهوية المجتمع قبل الدولة. فليس كل العراقيين مسلمين, بل هناك أديان أخرى. وليس كل المسلمين إسلاميين. كما أنه ليس كل العراقيين ديمقراطيين. فهناك عراقيون من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق يحبون ممارسة حياتهم مثلما يشاؤون بدون بطريراكية من أي طرف ديني أو سياسي. وفي مقابل هؤلاء هناك من هم محافظون وبالتالي هم مؤيدون لإجراءات المنع والحظر بل وحتى التقييد الى اقصى مدى لكل ما يمكن أن يجعل الدولة تقترب من أن تكون دولة شمولية. 
وفي كل الأحوال فإن هذا النمط من الصراع بين كلا الطرفين إن كان على مستوى الهوية الكلية "إسلامي مقابل ديمقراطي" او على مستوى الهويات الفرعية فإن الحل لايمكن أن يكون بمحاولة سيطرة طرف على طرف آخر. ففي مجتمع تركيبته معقدة ليس بوسع الأحزاب الإسلامية أن تفرض شروطها بينما هي لاتمثل كل المجتمع من منطلق ليس كل المسلمين يؤيدون توجهاتها وأكبر شاهد على ذلك الانتخابات. كما إنه ليس بوسع الديمقراطيين فرض إرادتهم أيضا كون أن من ينتمي منهم الى أحزاب سياسية ينطبق عليه ماينطبق على الإسلاميين لجهة تمثيل الناس والإنتخابات شاهد على ذلك, بينما هناك ديمقراطيون ليسوا منتمين الى أحزاب, فضلا عن ذلك فإن الديمقراطيين موزعون بين الأديان والمذاهب والأعراق. هذا التشتت الهوياتي لاينبغي أن يقودنا الى صراع وجود بين الطرفين بل صراع هوية تحتاج الى وقفة جادة لتكييفها طبقا لإرادات متعارضة ينبغي إحترام خصوصياتها طبقا للقانون الذي لايزال مختلفا على صياغته  بما يرضي الطرفين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين