السياسة والهوية الوطنية
09:09 - 2023-03-14
صلاح السعدي
الداعي نيوز / مقالات
لم تُبتكر السياسة كعلم بذاته قبل ان تصبح غاية لفئات مختلفة من المجتمع فرواد المجتمعات القديمة كالملوك والاقاصرة والامراء ووزرائهم لم يدرسوا ليصلوا الى دفة الحكم وانما كانت لهم ميزات كالقوة والحكمة والنسب جعلتهم ضمن الطبقة الحاكمة ولم يدرسوا كيف يخدموا مجتمعاتهم ولم تلزمهم عقائد او افكار بعدم خيانة بلدانهم بل اكثرهم حملوا صفة الحاكمية وساسوا مؤسسات الدولة بخبرتهم ولم تظهر خيانة الدولة الا بعد ظهور رغبة الصعود لهرم الحكم ممن دخل ضمن منظومة الحكم .
وبعد قرون من التطور والتغييرات الحادثة وبعد النظر في تجارب الحكومات المختلفة أصبحت السياسة في مطلع القرن التاسع عشر علما يُدرس واصبح المفروض على كل حاكم لم يكن قد درسه ان يحاط بهيئة مستشارين تختص بفروعه كي تكون كل التجارب وطرق ادارة الدولة بين يدي الحاكم . ولتساعده تلك التجارب ايضا على اظهار الذات المعنوية المستقلة للبلد التي تحدد نوعية العلاقات الخارجية وفق ستراتيجية تخدم البلد المحكوم شعبا وارضا .
اما في بلدنا الذي تعاقبت عليه انواع الحاكميات منذ زمن حكم خدمة الالهة في بدء الحضارة السومرية والتي اعقبها حكم الكهنة الى اليوم لم تكن للعراق ذات سياسية حقيقية والاسباب قد تكون مختلفة حسب راي الباحث لكنني ارجع ذلك الى البنية النفسية لمجتمعنا حيث ان نزعة القيادة تراود الجميع تقريبا مما خلق تنافرا دائمل بين الرعية والحاكم فلا الرعية ممكن ان تخضع جميعها لحاكمها ولا الحاكم يستطيع الاطمئنان من رعيته .
الا ان اكثر فترات الحكم التي استطاع الحاكم فيها ان يسيطر نوعا ما ويروض المجتمع هي تلك التي أُتخِذ الدين وسيلة للحكم حيث ان حضارة بلاد الرافدين قامت على اساس خدمة الالهة فتاصلت في نفوس افرادها امكانية الانقياد عن طريق تعاليم السماء .
وربما هذا ما يحدث اليوم ونحن نعيش في ظل غياب شبه تام لهوية العراق السياسية نتيجة التدخلات الخارجية والصراعات الدولية على ارضه ، ومن ايدها وابقاها هم المتنافسون على دفة الحكم فيه وما يلفت النظر في هذه المرحلة هو الافصاح الصريح عن العمالة والاستعدادات لتنفيذ اجندات هذه الدولة او تلك من اجل الظفر بمبتغى الساسة غير المتمرسين لفن السياسة فاصبحت عندهم السياسة مجرد كذب واختلاف بين واقع حكمهم وما يعلنوه دون حياء او خجل . ولا اعرف من وضع في علم السياسة مبدا الكذب اساسا للعمل السياسي ؟!
ان واقعنا هذا يجعلنا مسؤولين عن اظهار واقع ما نرى للساسة انفسهم وللشعب الذي مازال يقاد باسم الدين ولم يعلم ان الدين حكم طبيعي فطري قائم به الله تعالى بمن حكمه ليخرج الناس من ظلمة الجهل الى نور المعرفة عن طريق التربية فيصبح كل محكوم به هو حاكم يربي حسب القانون الطبيعي للتربية حيث ان الاب حاكم لابنائه حتى يحملوا صفاته فيحكمون بدورهم ابناء لهم وهكذا فتتشبع غريزة الحكم ولا يفكر بخيانة نفسه وبلده فمن يحكمه الله لا يخون ولا يكذب ولا يظهر بنجاحات لم تتحقق على ارض الواقع ويخرج بلده من الازمات الدولية ويجعل له هوية ثابتة وعنوان واضح لذاته المعنوية ليصبح عنصرا فعالا في المحافل الدولية لا مجرد ساعي بريد بين الدول المتناحرة وقبل ذلك يحقق مبتغى الشعب بتوفير مستلزمات الحياة من خدمات وامن واستقرار والسير به في طريق الرفاهية بانهاء كل اشكال الفساد وتحصينه من اي نوع من انواع الافكار الارهابية عبر حمل فكر وطني حر يسعد به الفرد وينهض المجتمع .