الخلل في آليات مكافحة الفساد

11:55 - 2022-10-02
القاضي اياد محسن

الداعي نيوز / مقالات

 

يفشل النظام القانوني العراقي المعني بمكافحة جرائم الوظيفة العامة في رسم آلية قانونية وادارية ناجحة لمكافحة الفساد.. يفشل كذلك في ايكال مهمة التحقيقات الادارية لكشف جرائم الفساد المالي والاداري للجان تحقيقية محايدة لا تخضع لضغوطات واملاءات الرئيس الاداري الأعلى، فالمادة ١٠ من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم ١٤ لسنة ١٩٩١ رسمت آليات تشكيل اللجان التحقيقية، اذ يشكل الوزير او رئيس الدائرة اللجنة للتحقيق مع الموظف المخالف والمحال اليها وإذا وجدت اللجنة ان الفعل يشكل جريمة تقرر إحالته الى المحاكم المختصة، اي ان التحقيق يجري في ذات المؤسسة التي حصل فيها الاتفاق والتواطؤ الذي مهد لارتكاب جريمة الفساد والتحقيق كذلك يجري في بيئة وظيفية لا يتصور خلوها من عمليات الضغط والترويع الذي يمارس على اللجان التحقيقية لحرف مسارات التحقيق عن جادة الحقيقة وتقديم التوصيات، أما بعدم وجود الجريمة او بتقصير صغار الموظفين وحماية كبار المسؤولين وعدم إحالتهم الى المحاكم.
واكاد اجزم ان كاتب نص المادة ١٠ من القانون أعلاه كتبه وهو لا يتصور أن يكون الوزير او رئيس الدائرة اما ضالع بارتكاب جريمة الفساد بنفسه او ان الجريمة ارتكبت بعلمه وتحت مظلته ورعايته لذلك أوكل اليه مهمة تشكيل اللجان والمصادقة على توصياتها لما يتوقعه من امانة لدى شخص قررت الحكومة استيزاره حيث يفترض فيه قدر عال من المهنية والإخلاص، كذلك الحال بالنسبة لتحديد قيمة الضرر والهدر بالمال العام الذي ينتج عن جرائم الفساد، اذ اوكلت المادة الثانية من قانون التضمين مهمة تشكيل لجنة تحديد مقدار الضرر للوزير المختص ولذلك فان اغلب التحقيقات الادارية وتوصيات لجان التضمين توصي بعدم وجود المقصريات وعدم تضمين الموظف المخالف لعدم وجود الضرر بالمال العام، وازاء هذا الخلل التشريعي الكبير فليس من المتصور ان يتم كشف جرائم الفساد الكبيرة لعدم وجود جهاز محايد ومستقل يتولى إجراء التحقيق الاداري وبيان مقدار الضرر بالمال العام، جهاز يخرج عن سيطرة الوزارة وضغوطات المسؤولين ممن يرتكبون جرائم الفساد ويسعون الى إخفائها لاسيما بعد حل مكاتب المفتشين العموميين تلك التجربة الرقابية التي كانت تحتاج إلى شيء من المراجعة والتقويم لتصحيح مساراتها بدلا من الإجهاز عليها وحلها وفتح الباب مشرعا لسرقة المال العام في الوزارات بلا رقابة قبلية او بعدية.
صحيح أن هيئة النزاهة مؤسسة مستقلة إلا أن القانون لم يمنحها صلاحيات إجراء التحقيقات الادارية وفرض العقوبات الإدارية مثل الفصل والعزل وتحديد مقدار الهدر بالمال العام كذلك فان ديوان الرقابة المالية يشخص المخالفات ولا يجري أي تحقيقات ادارية وإنما يقدم تقارير فنية بالمخالفات المالية والإدارية دون بيان المقصرين وإزاء هذا الخلل القانوني البنيوي الخطير أصبح لزاما على صناع القرار التشريعي والمؤسسي ان يضعوا المعالجة المناسبة بسحب صلاحيات تشكيل اللجان التحقيقية ولجان التضمين من الوزراء وليتم ايكالها الى جهاز او هيئة مستقلة تعمل بحياد بعيدا عن اي ضغوطات لكشف جرائم الفساد وتحديد المقصرين وبيان مقدار الضرر في المال العام من خلال تشريع قانون يؤسس هذا الجهاز ويمنحه الصلاحيات المذكورة آنفاً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين