لا أعرف ..

09:53 - 2022-04-08
حسن حنظل النصار

الداعي نيوز / مقالات

إلى أين تأخذني الكلمات و الجمل و الصور و المشاهد و الأسئلة . لا أعرف لماذا أتعلق بالكتابة إلى هذا الحد ! . الكتابة ليست خيارا ، ليست قرارا ، ليست مهنة ، ليست طريقة .. و لا طريق يحمل خطواتي كي أميز بين البداية و النهاية ، بين الرحلة و الوصول ، بين الهزائم و الإنتصارات ، بين المكاسب و الخسائر ، بين قطرات عرق بارد و بين دماء حارة .. بين بصيص أمل نقي و عواصف من العتمة المشلة للحواس.. بين السراب و الحقيقة ، بين اللذة القسوى و الوجع المتوحش السادي القاسي . في الكتابة أنا لست كاتبا.يا لها من معادلة غبية ! . كأن يقول بحار تحيط بيه زرقة البحر من كل جانب أنه ليس بحارا ، كأن يقول صياد يفصل جلد غزال عن لحمه أنه ليس صيادا ، كأن يقول أدولف هتلر أنه يحب اليهود ، كأن يقول باروخ سبينوزا أنه يحلم بالخلود في الضفة الأخرى . مع ذلك ، ها أنا أعيدها للمرة الشليار ؛ أنا لست كاتبا .
الكتابة جبل يتأمل بحرا . من أنا كي أقطع عن الجبل تأمله ؟ من أنا كي أقود تمردا ، من أنا كي أواجه المطلق ! ، من أنا كي أقبض على حمم البراكين ، من أنا كي أبلل الماء ، من أنا كي أروض النار ، من أنا كي أطارد سهما خرج من القوس ، من أنا كي أستوعب عوالم شائكة و معقدة .. من أنا كي أعادي المدى الغامض .. من أنا كي أدافع عني ! .
الكتابة فرس هاربة من مهمة الخيل ، سمك يفكر في الطيران ، ثعبان لا يعرف إلى اين يمضي ، دب قطبي يتسلى بالإنقراض ، قنفذ يمدح مزاجه .. 
الكتابة تمرين الأحياء على طقوس الفناء ، حديث الوحيدين خلف الشبابيك ، ذكريات العجائز في دور الإيواء ، كبرياء الكمنجة أمام مقبرة أشجار ، أعشاب خضراء نبتت بين شقوق قبر بلا أهل ..
الكتابة تعبث بعقلي ، تعبث بأعصابي، تعبث بذاكرتي ، تعبث بليلي .. حين تقتحم نومي و تحول وجهة حلمي ، حين تلسع لحمي و جلدي ، حين تجلدني بسياط الأسئلة السامة .
تعبث بنهاري .. حين تقفز إلى ذهني في كل لحظة ، في كل فكرة ، في كل مشهد ، في كل صورة .. حين تجندني خادما بسيطا في جحيمها الآهل بالتأويل و السراديب الباردة التي تفتح على سراديب أخرى .. الكتابة لا تترك لي فرصة التمرد عن مشروعها و رفض أوامرها الفوقية التي تقول ، بلهجة الرعد ؛ أكتب . فأكتب .
الكتابة لم تهبني شيئا .. يحز في نفسي أن لا أهبها شيئا .. يحز في نفسي أن أسافر في مساحتها مثل السائرين نياما .
الكتابة .. أرضعتني العواء و الحذر و القلق .
من أنا كي أعرف من أكون !
من أنا كي أكنس الريح من رأسي !

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين