تغير القيم: أرقام صادمة أم وقائع قادمة؟

08:48 - 2022-01-28
منقذ داغر

الداعي نيوز / مقالات 

أواصل الابحار في مثلث برمودا الخاص ب(الاخلاق في العراق) لأدخل في صلب موضوع آخر أتوقع ان يثير الكثير من العواصف والانتقادات كما حصل مع الحلقات السابقة التي أعتقد البعض من خلالها أني أتجنى على الاخلاق والقيم في العراق محاولاً الاساءة لثقافتنا ومروجاً للثقافة الغربية! لكني كباحث أجتماعي عليه أن لا يخشى رصد وقياس كل الظواهر الاجتماعية بغض النظر عن حساسيتها،لكن بأدوات علمية حيادية تضمن الاقتراب من الحقيقة وتسليط الضوء على خباياها. وكما أن البعض يلوم الاطباء الذين يُخبرون مرضاهم بحقيقة أمراضهم الخبيثة أو المميتة بحجة ان ذلك قد يعرضهم لصدمة نفسية فيبدو ان البعض يفضل التستر على الواقع حفاظاً على (الفضيلة) كما يعتقدها،ومنعاً لمعرفة الآخرين بواقعهم الاجتماعي!! أما انا فأؤمن أن لكل مرض علاج وان هذا العلاج يبدأ بالتشخيص وقول الحقيقة كي يستطيع المريض مساعدة الطبيب على شفاءه.
ضرب الزوجات
أن موضوع ضرب النساء عموماً وضرب الزوجات خصوصاً هو من المواضيع الاجتماعية الحساسة والشائكة والمؤلمة في نفس الوقت،ولكنها شائعة كما يبدو. فطبقاً لتقارير اممية في عام 2020  فأن 40% من النساء العربيات تقريباً قد تعرضن لأحد أشكال العنف سواء في المنزل أو خارجه،ناهيك عن عدد النساء اللائي لم يبلّغن عن العنف الذي وقع عليهن لاسباب أجتماعية مختلفة لعل في مقدمتها لومَهُن لا الجناة على العنف الذي يقع عليهن!! ففي دراسة قمتُ بها سابقاً وجدتُ ان حوالي ثلثي العراقيين يلقون باللائمة أولاً على المرأة حينما تتعرض للتحرش مثلاً!
تبدو الارقام الخاصة بضرب الزوجات في العراق مخيفة حقاً. فحسب تقرير أصدره المعهد الديموقراطي الدولي NDI  عام 2019 فأن واحد من كل أربعة عراقيين يجد أن ضرب الزوجة مبرراً،والغريب أن هذه النسبة تقفز بين الشباب الذكور ممن هم أقل من 35 سنة عمراً لتصل الى 35% تقريباً!! أكثر من ذلك فأن 40% من العراقيين يبررون ضرب الزوجة أذا خرجت من بيتها دون أذن زوجها،و 30% يبررون ضربها أذا لم تطع أوامر زوجها أو عصته، و25% تقريباً يجدون ضربها مبرراً أذا لم تقم بواجباتها المنزلية!! وما يثير الدهشة أن نسبة النساء اللائي بررن ضرب الزوجة كانت مساوية تقريباً لنسبة الذكور. بمعنى ان كثير من النساء أنفسهن كنّ يبررن ضربهن!! وحينما أجريت مع فريقي البحثي مزيد من الابحاث عن هذا النوع من العنف وجدت ان غالبية من يبررون هذا السلوك يعتقدون أنه حق ديني منحه الله للرجل كي (يؤدب) زوجته.
أما تقرير مشروع المسح الدولي للقيم فأنه هو الآخر يؤشر عمق الأزمة التي تعيشها القيم العراقية في هذا الخصوص. فطبقاً لتقرير عام 2020 كان العراقيون والمصريون هم الاعلى تبريراً لضرب الزوجة من بين الدول العربية التي تم مسحها آنذاك. ففي الوقت الذي وجد فيه 21% من العراقيين والمصريين أن ضرب الزوجة مبرر جداً أو الى حدٍ ما،فان النسبة في تونس كانت أقل من 9% وفي الاردن 7%.
أما في أيران فقد كانت نسبة من يبررون ضرب الزوجة 5% فقط. وعلى الرغم من أن نسبة من يبررون ضرب الزوجة لسبب أو لآخر قد زادت من 16%الى 21% خلال الفترة من 2014 الى  2020 الا ان الخبر الجيد أن نسبة من لايبررون ضرب الزوجة في العراق تحت اي سبب زادت هي الأخرى من 67% الى 73% خلال نفس الفترة.
أن أزدياد نسب التبرير لضرب الأبناء والزوجات كما اتضح لنا من المقال السابق والحالي له دلالات خطيرة جدا على الواقع السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي في العراق.
ولعلي أشير بأقتضاب هنا أن تعود الأطفال على الضرب من قبل آبائهم،ورؤيتهم لأمهاتهم وهن يُضربن أمام أعينهم سيخلق جيلاً مؤمن بالعنف أولاً، وبالتسلط ثانياً،وبعدم أحترام أنسانيته ثالثاً،وبالتقليل من شأن المرأة في المجتمع رابعاً ناهيك عن الكثير من الامراض النفسية والاجتماعية الناجمة عن هذا السلوك العنيف نحو الأم. هذه الخاتمة تقودني الى استعراض بعض قيم تبرير العنف تجاه الآخر في المجتمع العراقي وذلك في الحلقات القادمة من هذه السلسلة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين