حدود الإنسانية في العمل القضائي

09:33 - 2021-12-19
القاضي اياد محسن

الداعي نيوز / مقالات 

يحدث أحياناً أن يتم التلويح للقاضي بوالدة وزوجة وأطفال المتهم كمحاولة لاستهداف جوانبه النفسية ذات البعد الإنساني ووضعه تحت شكل من أشكال الضغط الوجداني  لاستمالته نحو تخفيف للعقوبة، أو قد يجد القاضي نفسه محاطا بضغط الظروف الإنسانية لبعض المتهمين كالحالة المرضية او سوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية لهم.

 وبالتأكيد فان المهنية تقتضي عدم الانسياق خلف تلك الضغوطات لان الإنسانية ليست قيمة معنوية سائبة بلا محددات وليست سبيلا متاحا ينهل منها من يريد بل ان القاضي واي شخص يصدر قراراً او يدير مسؤولية عامة عليه ان يخضع إنسانيته لمحددات المهنة وضوابط الوظيفة العامة وان يحقق التوازن المعقول بين إنسانيته من جهة  وتطبيق القانون وإنفاذه من جهة اخرى لان اي تغليب للإنسانية سيأكل من جرفه المهني وقد يدفع به باتجاه مخالفة القانون والإضرار بالمصلحة العامة.

وعلى سبيل المثال فان لجنة مناقشة رسالة الماجستير في أي جامعة لا يمكن أن تقبل وتقر رسالة طالب لا تتوافر فيها شروط السلامة العلمية فقط لان الطالب يعاني من مرض مستعص وسبب ذلك لان اللجنة حينذاك سوف تخالف الأمانة المهنية التي تفرضها القوانين والتعليمات التي تنظم عمل لجنة المناقشة كذلك الحال بالنسبة لقاض يحكم متهما في بيع المواد المخدرة فلا مجال لمراعاة الظروف الإنسانية له إلا في الحدود التي وضعها وبينها القانون، 

فالمشرع وفي قانون العقوبات العراقي أتاح المساحة الإنسانية المناسبة  في الحالات التي يمكن للقاضي فيها ان يراعي ظروف بعض المتهمين لكن هذه المراعاة يجب ان تكون محدودة ومحكومة بحدود نصوص القانون ومنها العقوبات التخييرية التي تجيز للقاضي ان يحكم بإحدى عقوبتي الحبس او الغرامة كذلك الحد الاعلى والحد الادنى للعقوبة والتي يمكن من خلالها للقاضي ان يراعي بعض الجوانب الانسانية للمتهمين في حدود ما يسمح به النص القانوني وفي غير الموارد التي أتاحها القانون فلا مجال للتهاون ولا مجال لإعمال الجوانب الإنسانية لان في الجانب الاخر هناك مصالح عامة قصد المشرع تحقيقها من وراء تجريم بعض الأفعال منها ما يتعلق بالحق العام ومنها ما يتعلق بحفظ حقوق المواطنين الخاصة ولا يجوز التفريط بتلك المصالح تحت ذريعة اعمال الجوانب الإنسانية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين