منارات ربانية

في لقاءات معهم قبل اكثر من اربعين عاما.. سواق وسائقات بلا مخالفات

بغداد في سبعينيات القرن الماضي
585 مشاهدة
01:32 - 2023-11-04
ثقافة عامة

الداعي نيوز/ ثقافة عامة
 تقرير_ علي ناصر الكناني

لاننسى ذكرياتنا مع (دوج ابو عليوي)..و(فورد ابو سويكة)
دابنت مديريةالمرور العامة قبل عقود من الزمن مبادرتها في كل عام وبالذات خلال احتفالات اسبوع المرور باقامةاحتفالية كتقليد حضاري يتمثل بتكريم نخبة من السائقين والسائقات المثاليين الذين امضوا فترة طويلة في مجال السياقة دون ان يرتكبوا اية مخالفة مرورية وتقديرا لالتزامهم العالي في اتباع قواعد المرور ووصايا وتعليمات السلامة العامة ..
 قبل اكثر من اربعين عاما حضوري لحفل التكريم لاجراء التغطية الاعلامية والصحفية لهذه المناسبة فحرصت حينها على ان التقي عددا منهم ليكون  اللقاء بمثابةرحلة استذكار نتعرف خلالها  على ما تختزنها ذاكرتهم من احداث ومواقف ماضية من حياتهم وتجاربهم.

أول المتحدثين كان السائق المثالي السيد ناصر حسين حمزة الذي قال:
_انا من مواليد عام ۱۹۳۲ ومنحت
اجازة السوق العمومي عام 1959 وقد مارست السياقة منذ الاربعينات وكنا نمتلك انذاك باص خشبي ضمن خط علاوي الحلة - الكاظمية وكانت اجرة الراكب هي عشرة فلوس ولكن رغم ذلك كان دخل السائق بعد نهاية يوم عمل جيد ووفير .. ويضيف مبتسما.. (كانت اكو قناعة عمي!!)

اما أول سيارة امتلكتها فكانت نوع فورد امريكي موديل ١٩٤٨ ولعل من الطريف هنا ان نشير الى ان السواق كانوا يطلقون تسميات على بعض موديلات السيارات فمثلا ( الفورد ) كانوا يسمونه ( ابو سويكة ) اي انه اذا حصل به عطل معين سوف لايشتغل بسهولة ) أي يطنكر ) واما سيارة ( الدوج ) فكانوا يسمونها ( ابو عليوي ( نسبة الى سائق كبير السن الا انه لم يحالفه الحظ بالزواج من ابنة عمه كان يحبها كثيرا والتي تزوجت من شخص اخر غيره وبقي هومن دون زواج.. وكلما تحدثوا معه بهذا الامر اي الزواج يقول لهم لقد فاتني قطار الزواج وصرفت النظر عنه...اذ كان يتمنى ان يرزق بولد ليسميه (عليوي)..

وماذا عن مقدار الغرامة التي كانت تفرض على المخالفين يومذاك
كانت لاتتجاوز النصف دينار اي خمسمائة فلس  في اسوأ الأحوال  ...
 اما محطتنا الثانية فكانت عند السائق المثالي حسين ياس خضير ويعمل سائق تكسي وهو من مواليد عام ١٩٣٥ وحصل على اجازة السوق عام ١٩٥٣ فحدثنا قائلا : - كنت في بداية الامر اشتغل عامل
ميكانيك ( فيتر ) في شركة اوتوروكس الانكليزية للسيارات وكان ذلك عام ١٩٤٧ وقد تعلمت السياقة في نفس الشركة وفي عام ١٩٥٣ دخلت دورة في شرطة قوة السيار لمدة ثلاثين يوما منحت بعدها اجازة سوق عمومي . واول سيارة امتلكها كانت نوع ( هلمن  ام الجادر) وهي انكليزية الصنع موديل ١٩٤٦ واشتريتها بمبلغ ٣٦ دينار فقط ! وكان ذلك عام١٩٥٣.
 لغرض الاشتغال بها بين علاوي الحلة والمنصور والاجرة للراكب لاتزيد عن عشرة فلوس ثم قدمت طلبا للاشتغال كسائق في مصلحة نقل الركاب على سيارات قديمة نوع كومر الانكليزية وشوفرليت التي كانت اغلبها غير صالحة وكنا نعود الى البيت واجسادنا وملابسنا تغطيها الدهون والشحوم السوداء ومع ذلك كانت الرواتب قليلة .. فقررت الانتقال الى شركة البيبسي كولا براتب ۱۲ دينارا شهريا اضافة الى ارباح تمنح للسائق والموزع بمقدار فلس واحد لكل صندوق يباع وذلك لعدم اقبال الناس على تناول البيبسي كولا بكثرة وكان سعر القنينة الواحدة ( ١٤ ) فلسا .

صور لسائقين مثاليين

شركة ( بيت لاوي ) والبيع بالاقساط
_اما السائق المثالي السيد جميل محمد محسن من مواليد عام ۱۹۲۸ فحدثنا هو الآخر عن ذكرياته خلال هذه الفترة التي امضاها في مهنة السياقة قائلا : - منحت اجازة السوق عام ١٩٥٦ واول سيارة اشتغلت بها كسائق تكسي كانت نوع شوفرليت موديل ١٩٥٢ واتذكر انه كانت في بغداد شركة (بيت لاوي)التي كانت تستوردثلاثة انواع من السيارات وهي الشوفرليت وبيوك والكاديلاك وكان سعر السيارة انذاك بحدود ۱۲۰۰ دينار وباقساط شهرية بمقدار ( ٢٥ ) دينارا بعد دفع مقدمة مقدارها ( ١٥٠ ) دينارا مع كفالة شخص ضامن وفي حالة دفع المبلغ نقدا تحتسب بـ ٧٥٠ دينارا مع اجور الترسيم الكمركي والارقام اضافة لبقاء السيارة عند المشتري لمدة أسبوع تحت التجربة والفحص.
- اما السائق المثالي الحاج حسن صحن عبد الذي هو من مواليد ۱۹۲۳ فحدثنا قائلا:
لقد مارست السياقة منذ الاربعينات وحصلت على الاجازة عام ۱۹٥٥ بعد اجتيازي للاختبار الخاص بذلك واتذكر انني كنت امتلك سيارة نوع ( أويل ) موديل ١٩٥٨ ولم ارتكب اية مخالفة في حياتي سوى مرة واحدة الا انها لم تسجل لتسامح ضابط المرور معي . ولكن رغم انه لم تكن انذاك اشارات ضوئية في شوارع بغداد الا في اماكن محدودة وقليلة الا ان السواق بصورة عامة كانوا أكثر التزاما من سواق ) هلوكت ) . . والان بعد هذه التجربة الطويلة لك مع السياقة هل من نصيحة تقدمها للسواق الشباب اطلب من ابنائي السواق الشباب الالتزام بتعليمات المرور والانظمة الخاصة بها حفاظا على أرواحهم وارواح الاخرين لتجنب الحوادث المؤسفة والتعاون الودي بينهم وبين رجال المرور لان السياقة فن وذوق و اخلاق .

وفي مكان اخر التقينا اثنتين من السائقات المثاليات اللائي امضين فترة طويلة من الزمن بلا مخالفات مرورية فكانت المتحدثة الاولى المحامية ناهدة رشيد يونس والتي حصلت على اجازة السياقة عام 1965 قائلة :
بعد دخولي لدورة خاصة في مكتب عبد الستار البغدادي ، لتعليم السياقة والذي كان هو المكتب الوحيد الموجود في بغداد أنذاك وكان نوع السيارات التي تدربنا عليها فوكسل و مجموع محاضرات الدورة ثمانية مقابل ثمانية دنانير وبمعدل ساعة لكل محاضرة عملي ونظري . اما اول سيارة امتلكها واقودها فكانت نوع ، انگلیا ، موديل ١٩٦١ واشتريتها بمبلغ ٥٠٠ دينار.
وماذا عن المواقف الحرجة والطريفة التي مرت بك  خلال هذه الفترة ؟.
_اتذكر موقف صعب مر بي خلال السبعينات وكنت ما ازال طالبة في كلية القانون والسياسة حيث كنت على عجل لكي لا اتأخر عن الوصول الى الكلية وكان لدي امتحان مهم وفي الطريق حصل عطب في احد الاطارات (بنجر) وعندما حاولت استبداله بالاطار الاحتياطي وجدته هو الآخر غير صالح مما اضطرني الى ترك السيارة في مكانها والعودة اليها بعد الامتحان ، وموقف اخر لا انساه ايضا عندما استوقفني مرة احد رجال المرور وسالني عن رخصة السياقة فلم اجدها في حقيبتي فاكتشفت انني نسيتها في البيت ولم اجد غير ان اعتذر لرجل المرور الذي قبل ان يتسامح محذرا بانها يجب ان تكون لاول واخر مرة وفعلا كانت كذلك.

صور لسائقات مثاليات

فمنذ ذلك الوقت ولحد الان اول شيء اتاكد من وجوده قبل الخروج بسيارتي هو اجازة السياقة اما اطرف موقف مر بي هو في أول يوم اقود فيه سيارتي حيث اصطحبت معي بعض زميلاتي وكن خائفات وجلست كل واحدة منهن قرب احد الابواب للاسراع بالنزول في حالة حصول طاريء ومن شدة ارتباكي وخوفي من عدم اشتعال السيارة في حالة توقفي لم اتوقف إلا في جانب الرصافة رغم أنهن كن من سكنة الكرخ مما اضطرهن الى العودة الى جانب الكرخ بسيارة اخرى وقررن عدم الركوب معي في سيارتي الا بعد ان اتقنت السياقة بصورة جيدة . . اما زميلتها السيدة هيفاء احمد خضر وهي ربة بيت وقد حصلت على اجازة السوق عام ١٩٦٤ فحدثتنا بدورها قائلة :
كنت الوحيدة التي اجتازت الاختبار الخاص بالحصول على اجازة السوق بنجاح بعد ان تدريت بشكل جيد على السياقة في مكتب البغدادي ولم يعتريني الخوف او الارتباك منذ اليوم الأول وكانت لدي سيارة نوع اوبل ، المانية موديل ١٩٦٤.
وتروي لنا السيدة هيفاء عددا من المواقف الصعبة والطريقة التي حدثت معها خلال هذه الفترة قائلة : في حياة كل انسان مواقف صبعبة تمر به ولكن عليه أن يتخذ منها دروسا وعبراً لكي يتجنبها ويتجاوزها بسهولة في حالة تكرارها مستقبلا .
اتذكر انني في احد الايام وكنت حديثة عهد بالسياقة خرجت لايصال ابنتي الى مدرستها وفجاة حصل عندي عطل في جهاز التوقف ا(لبريك) ، ومن حسن حفلي خلو الشارع من السيارات والاشخاص مما اضطرني للنزول الى الجانب الترابي من الشارع والاستعانة باحد الفيترية لتصليحها فكان علي التاكد من صلاحية السيارة قبل الخروج بها الى الشارع العام.

واخيرا اود ان اذكر لك انني اكرم من قبل مديرية المرور العامة للمرة الثانية حيث كانت المرة الأولى عام١٩٨٥. واخيرابقي ان نقول هل بالامكان ان تتبنى مديرية المرور العامة المقترح الذي كانت تعمل به سابقا وهو تكريم من يمكن ان نطلق عليهم وتشجيع للاخرين صفة سواق مثاليين ممن امضوا سنوات طويلة من عمرهم دون ان يرتكبوا اية مخالفة كما كانت تفعل قبل عقود من الزمن ..فعسى ولعل!!

اختيار المحررين