الحشد.. من "المقدس الكفائي" إلى السياسة والمال !
01:13 - 2021-06-12
تقاریر و تحقیقات
الداعي نيوز / تقارير
تشكلت قوات الحشد الشعبي في العراق في حزيران 2014، بعد سقوط محافظة نينوى بيد عناصر داعش، كقوة رديفة للجيش العراقي، لمواجهة الارهاب وتحرير المدن التي احتلها داعش، و بعد حالة الانهيار التي شهدتها القوات العراقية في الموصل.
واصدرت المرجعية الدينية في النجف فتوى "الجهاد الكفائي" دعت فيها القادرين على حمل السلاح للتطوع لمقاتلة داعش وتحرير المدن لاعادة هيبة الدولة بعد السقوط المفاجئ لمدن العراق الغربية بيد داعش، ووضعت الحكومة العراقية الخطوات الاولى لتأسيس الحشد الشعبي وزودته بالسلاح والمستلزمات العسكرية والمال، ليؤدي مهامه القتالية حصرا الى جانب المؤسسات العسكرية الاخرى من الجيش والشرطة .
صورة من الأرشيف لزيارة الكاظمي لهيئة الحشد عند توليه رئاسة الحكومة الحالية ويرتدي الزي الخاص بالحشد
واندمجت على اثر ذلك بعض "المليشيات" في صفوف الحشد وتحت مسميات عدة وجميعها فصائل مسلحة انصهرت في بوتقة الحشد .
واعلنت الحكومة العراقية حينها ، تأسيس "مديرية الحشد الشعبي" لتطويع القادرين على حمل السلاح من جميع المحافظات العراقية، لتضع هذا التشكيل في اطار مؤسساتي قانوني ،حيث أقرّ قانون هيئة الحشد الشعبي بعد تصويت مجلس النواب العراقي بأغلبية الأصوات لصالح القانون في 26 تشرين الثاني 2016، وتولى قيادة الحشد فالح الفياض ونائبه أبو مهدي المهندس الذي قتل في 3 كانون الثاني 2020 بضربة جوية امريكية قرب مطار بغداد الدولي .
في ظل حكومة الكاظمي، اخذ الحشد الشعبي كمؤسسة عسكرية يمثلها سياسيون خرجوا من رحم الفصائل المسلحة اخذ بالتوسع عسكريا تغطيه صبغة سياسية واخرى دينية داعمة وبدا دوره بالصعود الى اعلى مما هو مقرر لمهامه وكلما اصطدم مع الحكومة استعرض عضلاته باليات عسكرية واسلحة حكومية
اخذ الحشد الشعبي بالتوسع من خلال المتطوعين الذين استجابوا لفتوى "الجهاد الكفائي"، وهم في الغالب من الشيعة، ليصل الى160 ألف مقاتل بحسب اخر الاحصائيات الرسمية ، وانضمت إليهم لاحقا العشائر السنية من المناطق التي سيطر عليها داعش في محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار، كما انخرط في صفوفه آلاف آخرون من مكونات العراق.
وبعد تحرير المدن العراقية من قبضة عناصر داعش انتشرت قوات الحشد الشعبي في المناطق المحررة ، كما نشر الحشد تشكيلاته على الحدود بين العراق وسوريا.
بعدها أصدرت الحكومة أمرا ديوانيا يقضي بأن تعمل جميع قوات الحشد كجزء من القوات المسلحة، كما نص الامر الديواني على أن تتخلى فصائل الحشد عن جميع الأسماء التي عملت بها في المعارك ضد داعش، وتستبدلها بأسماء عسكرية وأن يحمل أفرادها الرتب العسكرية الرسمية ،كما نص الأمر على أن تقطع فصائل الحشد اي ارتباط سياسي لها بالأحزاب أو الكتل السياسية وان تكون خارج دائرة العمل السياسي .
لكن الواقع اظهر خلاف هذا ،حيث لم تنفذ قوات الحشد الامر بالابتعاد عن السياسة والعملية السياسية بل راحت تبحث بعد ان استقر الوضع الامني وانتفت الحاجة لخدماتها راحت تبحث لها عن موطئ قدم سياسي بعصا عسكرية، فدخلت الانتخابات البرلمانية في أيار 2018، وخاضت فصائل من الحشد الشعبي السباق الانتخابي للجلوس على مقاعد "الاستراحة" في البرلمان وزيادة ترسانتها العسكرية والمالية من خلال التمثيل ، فقد حققت كتلة "الفتح" نجاحاً ملفتا عندما جاءت بالمرتبة الثانية لتحصل على 47 مقعداً في مجلس النواب العراقي، على الرغم من أن قانونَي هيئة الحشد الشعبي والانتخابات والأمر الديواني رقم 91، لا يسمحان لفصائل الحشد، أو أي جماعة مسلحة بالانخراط في العمل السياسي أو دخول الانتخابات ! وأغلب فصائل الحشد الشعبي تشارك الان في العملية السياسية، وقياداتها نواب في البرلمان ،وبات عدم امكانية فصل الحشد الشعبي عن العمل السياسي واقع حال شاء من شاء وابى من ابى .
في ظل حكومة مصطفى الكاظمي، اخذ الحشد الشعبي كمؤسسة تابعة للدولة ويمثلها سياسيون في البرلمان خرجوا من رحم الفصائل المسلحة اخذ بالتوسع عسكريا تغطيه صبغة سياسية واخرى دينية داعمة وبدا دوره بالصعود الى اعلى مما هو مقرر لمهامه، فكلما اصطدم مع الحكومة استعرض عضلاته باليات عسكرية واسلحة حكومية ! وبدا واضحا ان الحشد والفصائل الشيعية مازالوا يشترطون على الكاظمي ويملون عليه وان بدا "اعلاميا" انه لن ينصاع الا لمنطق الدولة ،لكن المعطيات على الارض تشير الى خلاف هذا .
صورة من الأرشيف لمؤتمر حشد العتبات والذي اعلن فيه عن انفصال حشد العتبات عن هيئة الحشد الشعبي
وجاءت عملية اعتقال القيادي في الحشد قاسم مصلح قائد عمليات حشد الانبار، عكس ما اراده الكاظمي، فبدلا من ان تعيد العملية للدولة هيبتها وللقانون سلطته اثارت توترا عميقا بين منطق الدولة الذي يتبناه الكاظمي ومنطق الحشد كقوة خرجت عن القانون ، ما اثار غضب الفصائل الشيعية المسلحة على الكاظمي ،واتهم تحالف "الفتح" صراحة مصطفى الكاظمي "بمحاولة إعادة العراق إلى عهد الديكتاتورية".
وشهدت العلاقة بين الكاظمي والحشد الشعبي توترا شديدا وانتشرت مجاميع مسلحة تنضوي ضمن هيئة الحشد في العاصمة بغداد، للمطالبة باطلاق سراح مصلح ، فيما انتشرت الدبابات وافراد جهاز مكافحة الارهاب في المنطقة الخضراء وبدا الوضع معقدا وضبابيا.
يبدو ان الضغوط آتت اكلها مع القضاء وخرج القيادي في الحشد قاسم مصلح طليقا ، وليست الاسباب التي ذكرها القضاء ! حادثة عابرة لكنها دقت ناقوس خطر محدق قد يصيب بنية الدولة العراقية برمتها ان سارت الاوضاع على ما يشتهي الاخرون
على اثر ذلك اطلق وزير الدفاع جمعة عناد، تصريحات لوّح فيها باستخدام القوة ضد فصائل الحشد الشعبي، حيث قال : "من قوة فصائل الحشد الشعبي التي ظهرت في شوارع بغداد مقارنة بالقوات النظامية؟، وتساءل كيف لـ40 آلية غير مدرعة تحمل مجاميع من الأفراد، أن تقف أمام جيش يمتلك من القدرات ما يؤهله لمحاربة دولة؟ مضيفا : نحن نرفض استخدام ثقافة لي الأذرع، خاصة وأن الفصائل المسلحة لا تستطيع إخافة دولة أو جيش وأن قدرات الدولة حالياً تفوق قدرة النظام السابق في تسعينيات القرن الماضي، لافتاً إلى أن القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، يشدد دائماً على ضرورة الاحتواء، وعدم إراقة الدماء، لكن البعض يفسر سكوت الدولة خوفاً، إلا أن تغليب مصلحة البلد هي الأولى، مبينا ان هذا التوتر يصبح خطيراً في حال حدوث قتال ما بين القوات المسلحة التابعة للدولة والحشد الشعبي التابع للدولة أيضاً، فالبلد لا يحتمل المزيد من الشهداء والجرحى، داعياً إلى عدم تكرار ما جرى مرة أخرى.
صورة من الأرشيف لبعض مقاتلي الحشد الشعبي
حاول الكاظمي استثمار عملية اعتقال مصلح للحصول على الدعم الشعبي لبسط سلطة الدولة وحصر سلاح الميليشيات المنفلتة.
وفشلت ضغوط حلفاء إيران على الكاظمي لإطلاق سراح مصلح المتهم بقضايا ارهابية وجنائية ، وبدت السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية متحدة في بعد اعتقال مصلح، حيث عبرت جميعها عن مواقف واضحة تؤكد ضرورة بسط سلطة الدولة والقانون ولجم السلاح المنفلت .
وفجأة وبعد ايام قلائل حسم القضاء الامر واطلق سراح مصلح بعد ايام من اعتقاله، معللا ذلك بعدم وجود ادلة على ارتكابه جرائم قتل بحق الناشطين وانه كان خارج العراق ساعة مقتل الناشط البارز ايهاب الوزني في كربلاء، والذي اتهمت عائلته مصلح بالجريمة.
لكن يبدو ان الضغوط آتت اكلها مع القضاء وخرج مصلح طليقا ، وليست الاسباب التي ذكرها القضاء !
حادثة عابرة لكنها دقت ناقوس خطر محدق قد يصيب بنية الدولة العراقية برمتها ان سارت الاوضاع على ما يشتهي الاخرون وما لاتريده الحكومة .
ومهما يكن فإن الوقت الان قد يبدو مناسبا لاتخاذ خطوات جادة لإعادة ترتيب أوضاع الحشد واتخاذ اجراءات حكومية كفيلة بردع المؤسسة التي تتمرد على الدولة واعادة هيبة البلاد والالتزام بمفهوم الدولة الواحدة والقرار المركزي ، فالحشد له دور محدد كمؤسسة عسكرية حكومية ويجب ان لايبالغ بهذا الدور ويبني دولة في "بطن" دولة، ليعود الى بيت الطاعة وينصاع لاوامر القائد العام للقوات المسلحة مهما كان هذا القائد كونه جاء باتفاق الكتل السياسية والتي يمثل الحشد وتشكيلاته اعضاء في هذه الكتل وصولا الى اعتماد خطاب وطني، يرفض الخروج عن طاعة الدولة .
لا ينكر ان الحشد كان له دور كبير في قتال داعش وقدم تضحيات كبيرة ، بالمقابل لابد ان يتلحى باخلاق تليق بتلك التضحيات ويكون اكثر انضباطا، كونه جزءا من الدولة لا ندا لها.
الحشد له دور محدد كمؤسسة عسكرية حكومية ويجب ان لايبالغ بهذا الدور ويبني دولة في "بطن" دولة، ليعود الى بيت الطاعة وينصاع لاوامر القائد العام للقوات المسلحة مهما كان هذا القائد
ينوي الحشد الشعبي اقامة استعراض كبير في الرابع عشر من حزيران الحالي، بمناسبة الذكرى السنوية السابعة على تأسيسه، ومن المتوقع ان يدخل بقوة في الاستعراض في محاولة منه لإرسال رسائل وإثبات قوته على الأرض ، وله ان يفعل هذا لكن وفق معايير الدولة وهيبتها، وعليه ايضا ان يثبت كمؤسسة تابعة للدولة انه على قدر المسؤولية وانه جزء من المنظومة العسكرية العراقية وليس منافسا للمؤسسة العسكرية الرسمية.
تبقى مؤسسات الدولة بصفتها وتعريفها دوائر تقدم خدمات للشعب ولبلدها، وعلى الحشد الشعبي ان اراد ان يكون كباقي مؤسسات الدولة ان يبرهن انه فوق كل الانتماءات الفصائلية وان يكون انتماؤه الوحيد للوطن ولقضيته التي انبثق من اجلها، حتى اذا ما انتهى دوره في الدفاع عن العراق الى جانب المؤسسات العسكرية الاخرى عليه ان يركن الى ثكناته في استراحة محارب ويكون مطيعا للدولة مثلما اطاع المرجعية في ندائها ،وعليه ان لا ينخرط بالسياسة ، فالعسكر دوره هو الدفاع عن الوطن والسياسة لها رجالها ايضا مثلما للحشد قادته في الميدان .
قد يدخل الحشد بيت طاعة الدولة وينصهر في المؤسسة العسكرية ،ان احسنَ لاعبوه الكبار التصرف وساروا على خارطة الوطن لا خرائط حلفائهم من الخارج .. وسيدرك العراقيون ذلك حينما تتشابه بزات المقاتلين جميعا ورتبهم ومسمياتهم المعروفة دون الحاجة الى اسماء افرزتها مرحلة انتهت، بلا رجعة.
آخر أخبار
-
بيتر كوركيس يتطلع لمباراته الاولى مع المنتخب العراقي
01:33 - 2024-12-22
محلي -
ادارة الطلبة تطالب بتغير ملعب مباراة فريقه مع الغراف
01:09 - 2024-12-22
محلي -
غابريل جيسوس يتألق مع الارسنال ويستمر بكتابة التاريخ
01:02 - 2024-12-22
دولي -
تأثير كأس الخليج 26 على المحترفين العالميين في الدوري السعودي
12:47 - 2024-12-22
دولي