رياضة

مَنْ أجهضَ السيادة الوطنية ؟

2364 مشاهدة
10:56 - 2021-05-21
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تقارير 

منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى "مخلب النسر"، لم يمتلك العراق سيادة وطنية بمفهومها الحقيقي الخالص، وتشظت سيادته بين مفهومين، الاول تدخل اقليمي دولي في اختيار من يحكم العراق حتى يومنا هذا، والثاني استباحة لارض العراق وتواجد عسكري تركي واخر ايراني عبر اذرع و جماعات مسلحة وبينهما عصا امريكا التي تهش على ألم العراق بين الحين والاخر لتستفز جرحه الملتهب ابدا . 

صورة من الارشيف لاستعراض إحدى الجماعات المسلحة داخل شوارع العاصمة بغداد
انتهاكات فاضحة وجلية لسيادة بلد يريد ان يكون سيد نفسه لكن الحمى مازالت تأتي من القدمين ، فلولا اذرع تحتضن ذاك الانتهاك الواضح لما تشجع الاخرون على اختراق بلد جذوره ضاربة في عمق التاريخ، حضارة وثقافة وانسانية، وبقيت  فقرات برامج الحكومات المتعاقبة الخاصة بتعزيز السيادة الوطنية حبرا على ورق حتى انتهاء ولايتها قبل اوانها . 

تعد سيادة البلد واحدة من أركان الدولة وعنصر قوة وجود كسيادة فعلية دون تدخل احد في  شؤونها الداخلية وهي ايضا بسط السلطة على ارضها ومياهها. 

"انتهاكات فاضحة وجلية لسيادة بلد يريد ان يكون سيد نفسه لكن الحمى مازالت تأتي من القدمين ، فلولا اذرع تحتضن ذاك الانتهاك الواضح لما تشجع الاخرون على اختراق بلد جذوره ضاربة في عمق التاريخ"

نعم ،العراق لديه سيادة قانونية واعتراف دولي كدولة ،لكن الواقع يقول ان البيت العراقي عار عن جدران تستره ولديه ازمات كبيرة منها ازمة السيادة المنقوصة التي تتفاقم اليوم على اوجها ، فمحيط العراق  الاقليمي والدولي مازال مؤثرا على السياسة العراقية، من حيث الكيانات والأحزاب السياسية والتحالفات الانتخابية وحتى التدخل في نتائج وتشكيل الحكومة واختيار رئيسها، فضلا عن تدخلات امنية واقتصادية وحتى ثقافية  بدوافع دينية ومذهبية وقومية. 


من الارشيف صور لانتشار القوات التركية في قضاء زاخو في اقليم كردستان
والدليل هو شكل التحالفات السياسية والكتل التي تسيدت على عرش السلطة بعد عام 2003، فلكل جهة تدعمه، جهة خارجية تريد ممن تدعمه رعاية مصالح بلدها على حساب بلد غارق بكل شيء ويسعى جاهدا  لان يعيد توازنه على حبل رفيع متهرئ يمسك به جيرانه وآخرون . 

ولأن العراق يعد بالنسبة للاخرين عمقا أساسيا لأمنهم القومي ومصالحهم وتوجهاتهم، سعى هؤلاء "الاخرون " للتأثير خلف الكواليس على قضية تشكيل الحكومة ووصول رئيس يريدونه هم يمثل اصبعا لهم داخل الدولة العراقية لضمان نصيب هذه الدولة او تلك من مشاريع اقتصادية استثمارية وتبادل تجاري وتاثير سياسي على القرارات  وعدم حصول توترات حدودية وأزمات المياه والامن والحدود وغيرها الكثير من الملفات التي تسعى الدول التي تتدخل بالشان العراقي لان تكون لها عين داخل العراق . 

قوات تركية في شمالي العراق تحت غطاء محاربة حزب العمال الكردستاني ومطامح واسعة في توسيع نفوذ ايران  في العراق عبر دعم قوى سياسية تضمن مصالحها وتوجهاتها، وتصفية حسابات سعودية ايرانية على ارض العراق ، واخرى امريكية تهدد على الدوام برفع اليد عن المساعدة والتدريب والسلاح.  


صورة من الأرشيف للطائرة تركية فوق الأجواء العراقية
التدخل الأمريكي يرتبط بالتدخلات الإقليمية ايضا ، فمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة تتم عبر العراق  لضمان مصالح حلفاء امريكا  في دول الخليج الذين لديهم مخاوف من تزايد القدرات والنفوذ الإيراني في المنطقة بشكل يهدد استقرار حكمهم ويقلق دولهم.  

يشهد العراق ومنذ زمن بعيد وحتى اليوم منازلة تطول تارة وتقصر اخرى لكنها مستمرة منازلة  إقليمية ودولية، لتثبيت نفوذ دول جارة وتعزيز مصالحها من خلال الولوج في مشاريع داخل العراق يهيئ حلفاء تلك الدول من السياسيين الارضية لها.  

لأن العراق يعد بالنسبة للاخرين عمقا أساسيا لأمنهم القومي ومصالحهم وتوجهاتهم، سعى هؤلاء "الاخرون " للتأثير خلف الكواليس على قضية تشكيل الحكومة ووصول رئيس يريدونه هم يمثل يدا لهم داخل الدولة العراقية

لقد اوقع العراق نفسه "بيده" في ان لاتكون له سيادة مطلقة يتغنى بها المواطن العراقي على اقل تقدير، وجاء ذلك من خلال  المحاصصة والتوافق، الذي عطل بناء الدولة في العراق، وظل البلد  الحالم بالسيادة والحرية والكرامة يعيش على وقع أزمات حكم تعيق إعادة بناء الدولة التي يتطلع اليها العراقيون، دولة بمعنى الكلمة لا دولة يحكمها "علي بابا" وسياسة عرجاء تسابق غزالا قادما من خلف الحدود. 


ويشكل الملف الامني ايضا عاملا مهما في انقاص او زيادة كمية السيادة الوطنية  فالميليشيات والمجاميع المسلحة والارهاب والجريمة المنظمة والنزاعات المجتمعية المستمرة  كلها عوامل تفكك السيادة الوطنية وتتلاشى معها الطموحات في تحقيق  ادنى مستوى من الاستقرار السياسي والمجتمعي مايعطي للاخرين ذرائع متعددة للتدخل بحجة حماية هذا المكون او تلك القومية والطائفة.


من الأرشيف صورة لمنصات إطلاق صواريخ على البعثات الدبلوماسية في بغداد
صراع لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية يضع سيادة العراق على المحك ويؤثر على استقلالية قراراته وحيادية مواقفه ويفتح شهية المطبلين  لتقسيم العراق وإنهاء العملية السياسية القائمة منذ عام ٢٠٠٣، وإعادة صياغتها وفقا لمصالح الأطراف الرابحة، لامصالح الشعب المغلوب ابدا على امره . 
لن تتراجع القوى الساعية لارباك الوضع في العراق وتحقيق مصالحها عن التدخل في الشأن السياسي العراقي طالما أن قياداته السياسية ضعيفة وولاءاتها لمن هو خارج الحدود .

العراقيون يعرفون من أجهض سيادة بلدهم  وعليهم ان يتصدوا لخلق سياسة مواجهة للتدخلات الخارجية واستعادة سيادة بلدهم  المتشظية، ويتحملوا مسؤولية التغيير المرتقب من خلال وعي انتخابي يحقق طموحاتهم في انتخابات تشرين المبكرة "فالمؤمن لايلدغ من جحر مرتين".

اختيار المحررين