رياضة

العراق .. نظام وظيفي بلا ملامح

5127 مشاهدة
12:37 - 2022-01-12
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات و تقارير 
 
لم تشهد الدولة العراقية على مدى تأسيسها منذ 23 من آب عام 1921، ترهلا وتضخما وظيفيا مثل ما نشهده اليوم من تخبط في تصنيف الوظائف وتعددها لتشمل صفات الاجر والعقد المجاني والعقد المؤقت والملاك المؤقت والملاك الدائم! في بلد كان له السبق في بناء المؤسسات وإرساء النظم السياسية والادارية الرصينة ، حتى انك تصاب بالدهشة والغرابة على ما وصل إليه الحال الآن من فوضى وانعدام لملامح الدولة السبّاقة في كل شيء. 
 

قرار مجلس الوزراء رقم 315 سنة 2019 والذي ينص على تثبيت العقود والاجراء اليوميين

نظام التعيين في الوظائف الحكومية في الدولة العراقية شهد بعد 2003 تخبطا وازدواجية وتضخما كبيرا في الكم على حساب النوع والمهنية والتخصص ، وكان هذا متوقعا كون الدولة العراقية بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي هو الاخر ابتدع الكثير من البدع الوظيفية اواخر التسعينيات ، حيث بدأت الاحزاب والمحسوبية والرشوة تتخم مؤسسات الدولة بموظفين بعدة صفات وظيفية ورطت مؤخرا اصحاب تلك الوظائف مع دخول الدولة في ازمة تضخم كبرى القت بظلالها على الواقع الاقتصادي للبلاد. 

 لأن اغلب الدوائر الحكومية الحالية غير إنتاجية وغير ربحية وتعتمد في تمويلها على الموازنة العامة، لذلك تأخر تثبيت موظفي العقود فهناك موظفون يعملون بصيغة العقد منذ 15عاماً واكثر 

ومازالت مشكلة البطالة والخريجين وأصحاب الأجور والعقود والمحاضرين في أغلب المؤسسات الحكومية قائمة دون حل ينصف هذه الشرائح التي ورطتها قوانين التعيين البائسة وجعلتها في وضع يثقل الدولة ويثقل كاهلهم، ولم نشاهد او نقرأ عن  دولة اخرى عربية او اجنبية انتهجت مثل هكذا مبدأ في قوانينها الخاصة بالوظائف الحكومية .  
 
شريحة العقود هم فئة من الموظفين العاملين في الدوائر الحكومية من غير المثبتين على الملاك الدائم، وهذا الأمر استحدثته الحكومة العراقية في تسعينيات القرن الماضي في زمن الحصار الاقتصادي، إذ كانت الدوائر الحكومية تحتاج الى موظفين للعمل لديها من دون تثبيت على الملاك، وكانت تلك الدوائر تمنح رواتب موظفي العقود من الأرباح التي تحققها، اذ لا تؤثر في ميزانية الدائرة والموازنة الحكومية، وبعد 2003 استمر العمل في هذا النهج واضيفت اليها صفات وظيفية اخرى ، 
ولأن اغلب الدوائر الحكومية الحالية غير إنتاجية وغير ربحية وتعتمد في تمويلها على الموازنة العامة، لذلك تأخر تثبيت موظفي العقود في اغلب الوزارات، فهناك موظفون يعملون بصيغة العقد منذ 15عاماً واكثر. 
   

رئيس واعضاء مجلس الخدمة الاتحادي

وخصص مجلس الوزراء في جلسته الخمسين المنعقدة بتاريخ 30 كانون الاول 2021 درجات وظيفية لاصحاب العقود  مع استمرار المحاضرين المجانيين المشمولين بقرار مجلس الوزراء (130 لسنة 2021)، بأعمالهم على وفق حاجة وزارة التربية ومديريات التربية في المحافظات، على أن يكون الصرف بعد انتهاء السنة المالية الحالية على وفق المادة (13) من قانون الإدارة المالية الاتحادية ( 6 لسنة 2019) المعدل، ولحين إصدار قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2022. 

 لماذا لا تتبع الدولة العراقية نظاما واحدا لتعيين الموظفين وبصفة واحدة دون اللجوء الى تشريعات وقرارات وقتية وكانها قنبلة موقوتة تنفجر في اي لحظة ؟

ووافق المجلس في جلسته على استحداث (51) درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في ديوان رئاسة الجمهورية من أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(267)،درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة الخارجية ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و ( 4 ) درجات وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة المالية ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(195)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة العدل ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(214)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة التعليم العالي ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و (277)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة البيئة ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(760)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة النقل ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(1554)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والاشغال العامة ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(246)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر واستحداث درجات وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة الموارد المائية ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر، بحسب ما مثبت في كتاب الوزارة المرقم بالعدد (34277) المؤرخ في 14/12/ 2021 ، و(275)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في وزارة الهجرة والمهجرين ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(38)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في هيئة استثمار المثنى ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(4)، درجات وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في هيئة استثمار بغداد ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(368)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في محافظة ذي قار ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(4)، درجات وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في محافظة كركوك ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(57)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في محافظة صلاح الدين ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(1643)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في محافظة البصرة ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر و(47)، درجة وظيفية، لتثبيت المتعاقدين في محافظة النجف الأشرف، و(260) درجة وظيفية في مجلس محافظة النجف الأشرف ممن أكملوا خدمة تعاقدية خمس سنوات فأكثر، بالاضافة الى تثبيت جميع المتعاقدين في شبكة الاعلام العراقي ممن اكملوا خمس سنوات فعلية . 
 

مخطط يوضح عدد موظفي القطاع الحكومي في العراق بين 2006 - 2020

لكن مشهد إضراب شرائح مختلفة من الموظفين عن العمل، يتكرر باستمرار، للمطالبة بتطبيق قرار الحكومة  315 المتضمن آليات لمعالجة وضع العاملين بصفة عقود وأجر يومي في مختلف المؤسسات الحكومية، والذي صوت عليه مجلس الوزراء عام 2019 ،ومنح مجلس الوزراء العراقي بموجب هذا القرار امتيازات كبيرة للعاملين بالأجور اليومية والعقود، أسوة بموظفي الملاك الدائم، اذ تقرر شمولهم بـتخصيصات قطع الأراضي، القروض، الكفالة، الدورات التدريبية، المكافآت، وغيرها من الامتيازات ،وكانت اللجنة المالية في البرلمان العراقي السابق، قد أكدت عقب إقرار موازنة 2021، أن المحاضرين والإداريين والحرفيين سيتحولون جميعهم إلى عقود ،لكنهم مازالوا يعانون ولديهم خدمة أكثر من 15 سنة، مايعني عدم جدية  الحكومة في انصافهم . 
يقول احد العاملين بصفة اجر يومي :"عمري تجاوز 30 عاماً، ولم أتزوج بسبب وضعي المادي ومخاوف من إنهاء خدمتي لكوني أعمل بصفة أجير يومي، وهذه المرة سأكون بلا عمل ، ويضيف، أن "القرار 315، صدر من الحكومة منذ ثلاث سنوات لكن لم يتم العمل به حتى اللحظة. 

 يبدو ان البلد يتجه الى هاوية الفقر يوماً بعد يوم، حتى يصل إلى كارثة المجاعة، بسبب البطالة المتفشية فيه، والأعداد الهائلة لموظفي العقود والأجور اليومية

وينص قرار 315 على قيام ديوان الرقابة المالية الاتحادي بحصر أعداد العاملين بعقود واجر يومي ضمن النفقات الجارية أو المشروعات الإستثمارية أو النفقات التشغيلية للجهات المذكورة، مع تصنيف العاملين وفقاً لتحصيلهم الدراسي ومقدار الراتب الشهري وأوامر التعيين وتصنيف العاملين على أساس سنوات الخدمة، فضلا عن التنسيق بين الديوان والجهات آنفا لتزويد دائرة التقاعد والضمان الإجتماعي للعمال بالبيانات الألكترونية أو الورقية، في موعد أقصاه ٣٠ تشرين الثاني ٢٠١٩، بغية إنجاز الإحصاء التام لأعداد العاملين كما الزم المجلس الجهات المذكورة بتوطين رواتب العاملين بعقد فورا أو قيام المتعاقد أو الأجير بفتح حساب مصرفي ويجري إيداع الراتب حصرا وتتحمل الجهات المخالفة المسؤولية عن عدم توطينها خلال مدة أقصاها شهرين بدءا من تأريخ إصدار هذا القرار، على أن تقوم وزارة المالية بإيقاف تمويل تلك الرواتب بعد المدة المذكورة.  

تظاهرة للعقود واجور الكهرباء في بغداد

وجاء في القرار ايضا " بعد توطين رواتب العاملين وجرد أعدادهم، تتولى المالية توفير التخصيصات المطلوبة في قانون الموازنة العامة /٢٠٢٠ وتستمر الوزارات المعنية بتحويل الأجراء الى عقود على الملاك المؤقت على أن تصرف الفروقات المالية بعد إقرار قانون الموازنة /٢٠٢٠، أما الوزارات التي يتوافر فيها تخصيص مالي فتقوم بصرف الفروقات بدءا من إصدار قرار تحويلهم الى عقود، والزم المجلس الوزارت والجهات غير المرتبطه بوزارة والمحافظات بعدم تشغيل متعاقدين أو أجراء يوميين جدد لأعمال يمكن أن تعلن للقطاع الخاص بصفة مقاولة عامة مثل(تنظيف الشوارع والمدارس والمستشفيات والدوائر، استدامة الحدائق العامة وتطويرها، صيانة وتطوير الطرق العامة الخارجية بين المحافظات وتاثيثها، نصب وإدارة الموازين في الطرق العامة وتشغيلها وغيرها من الأعمال)، على أن تبرم العقود بشفافية وروح تنافسية عالية، من خلال إتباع إحدى أساليب التعاقد المنصوص عليها في تعليمات العقود الحكومية رقم ٢ لسنة٢٠١٤ أو دون أن يخل ذلك بعمل المتعاقدين الموجودين حاليا للأعمال.  
 والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا تتبع الدولة العراقية نظاما واحدا لتعيين الموظفين وبصفة واحدة دون اللجوء الى تشريعات جديدة واطر قانونية لقوانين وقتية وكانها قنبلة موقوتة تنفجر في اي لحظة ؟ ،وهذا ما يحدث اليوم فالكل يناشد ويتظاهر لتعديل وضعه الوظيفي بما يتلاءم والوضع الطبيعي للموظف على الملاك الدائم، ولماذا لاتثبت الدولة فقط على قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 الذي يعرف الموظف بانه " كل شخص عهدت اليه وظيفة دائمة داخلة في الملاك ،والمـلاك هو مجموع الوظائف والدرجات المعينة لها المصادق عليها بموجب قانون الميزانية أو من قبل وزير المالية". 

صورة من الارشيف.. تظاهرة لطلبة جامعة ذي قار يطالبون رئيس الجامعة بتوفير التخصيص المالي لتثبيتهم على الملاك

لكن يبدو ان البلد يتجه الى هاوية الفقر يوماً بعد يوم، حتى يصل إلى كارثة المجاعة، بسبب البطالة المتفشية فيه، والأعداد الهائلة لموظفي العقود والأجوراليومية والمحاضرين وغيرهم من الصفات الوظيفية الاخرى التي لا تشبه صفة الموظف على الملاك الدائم في الحقوق، مثل الحق في القروض وقطع الاراضي والمنح والكفالات والاستحقاقات الوظيفية الاخرى التي يتمتع بها الموظف على الملاك الدائم ، فغالبا ما يكون هؤلاء أول المحرومين من رواتبهم في حالات تقشف البلد أو اضطراب الموازنة أو تأخرها، رغم الحاجة الشديدة لهم، لان معظمهم أما عمال نظافة أو حراس، واغلبهم من الطبقة الفقيرة التي هي اشد حاجة للراتب الشهري من غيرها على قلة قيمته، قياساً برواتب الموظفين الدائميين. 
ان البطالة وتفشي الجريمة والمخدرات وغيرها مما نشاهده اليوم في مجتمعنا هي نتاج سياسات الدولة الخاطئة في احتضان ابنائها وفق مبدأ العدل والانصاف وايجاد سبل عيش كريمة ودائمة لمواطنيها وفق قانون للنظام الوظيفي لا عدة قوانين وصفات وظيفية متباينة فيما بيها من ناحية الثبات والرواتب والحقوق. 
 
 تظاهرة للعقود والاجراء اليوميين امام المديرية العامة لتربية كربلاء
 لقد غيبت الدولة تماما دور القطاع الخاص وجعلت الوظيفة الحكومية اساسا لمصدر العيش لمواطنيها ،بينما يمكنها الاعتماد على القطاع الخاص في تخفيف العبء عن كاهل الدولة واشراكه في العملية الاقتصادية للبلد وتوزيع المهن والتخصصات فيما بين القطاعين العام والخاص لتكتمل عملية التنمية ونغادر مرحلة التخبط الوظيفي الذي اثقل ميزانية الدولة وعطل بدوره سبل انطلاق القطاع الاهلي الخاص للاسهام الى جانب الدولة في عملية البناء والاعمار والصناعة والانتاج ، لكن مافعلته الدولة وقد يكون "مقصودا" انها عطلت المصانع والمعامل والمؤسسات الانتاجية الاهلية وحتى الحكومية ليستفيد اصحاب الاموال من عملية استيراد المواد بشتى انواعها واشكالها الضرورية وغير الضرورية من اجل غسيل الاموال.  
 

العقود والاجراء اليوميين امام وزارة التربية للمطالبة بتفعيل القرار 315 والذي ينص على تثبيتهم على الملاك الدائم

واقع عراقي آخر يشل عصب الحياة ويؤرق المجتمع في ظل عدم وضوح رؤية حقيقية لبناء النظام المؤسساتي للدولة العراقية ، واقع القى بظلاله على كل مفاصل الحياة اليومية للمواطن، بسبب القوانين المزاجية والتخبط وسوء ادارة الدولة ومواردها، وتجاوزالحلول المتاحة في تقوية اقتصاد البلد وبناء نظام وظيفي رصين وثابت  .. واقع اثقل كاهل الموازنة العامة للبلد وشتت ثروته الوطنية بين سوء الادارة والفساد والرشى والمحسوبية والتضخم الوظيفي .

اختيار المحررين