رياضة

إرهاب أكاديمي.. مناصب عليا بشهادات مزورة!

5790 مشاهدة
12:00 - 2021-12-21
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير 
 
 نافذة اخرى تطل علينا لتفتح مصراعيها على فساد بثوب مختلف، وملف قد يكون الاخطر في عالم الفساد حتى انه بات اخطر بكثير من الفساد المالي والاداري الذي يعشعش في رأس العراق الممتلئ باوجاع الكون ، فضيحة القت بظلالها على كل ما يعتقد انه لن يشوّه ولن يكون ضمن حسابات التردي ، لكنه كان بل هو كائن،  واضحى واقعا مؤسفا يؤسس لمرحلة صعبة وخطيرة تمس الاستحقاق العلمي وسهر الليالي وطلب المعالي.


 كتاب وزارة التعليم العراقية والتي اوقفت بموجبه التعامل مع بعض الجامعات اللبنانية
 بين الدكتوراه والماجستير، 27 ألف شهادة عليا بيعت من قبل جامعات لبنانية إلى طلاب عراقيين، أثارت تساؤلات وشكوكا مشروعة عن مصداقية الشهادات والرسائل والأطروحات للعراقيين الدارسين في الخارج، وبالاخص من "المسؤولين" بعد حصول بعضهم على شهادات عليا من الخارج، أبرزهم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي "فائق زيدان" والأمين العام لمجلس الوزراء "حميد العزّي" وآخرون غيرهم ، وما خفي كان اخطر. 
وعلى إثر ذلك اتخذت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق قرارا يقضي بسحب الملحق الثقافي من السفارة العراقية في بيروت "هاشم الشمري" وإعادته إلى بغداد، وإصدرت  قرارا بتعليق دراسة الطلبة العراقيين في 3 جامعات لبنانية هي( الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، والجامعة الإسلامية في لبنان، وجامعة الجنان)، لعدم التزام تلك الجامعات بمقررات ومعايير الرصانة العلمية. 

حينما يكون الحصول على الشهادات من الخارج سلعة يتاجر فيها فلا يتوقع الحصول على نتائج رصينة وعندما لا يكون الهدف من الشهادة العليا هو بناء شخصية علمية إبداعية مهنية تخدم البلد ففهذا يعني المزيد من الشهادات التي لاقيمة لها.

سابقة خطيرة تشكل فضيحة كبرى للدولة العراقية بعد ان مهدت تلك الشهادات المشكوك بمصداقيتها لاعتلاء اشخاص مناصب حكومية عليا اشتروها من مال الدولة اصلا، والمفارقة الاكبر هي ان يكون رأس القضاء وهو الجهة التي تفصل بالحق وتنفذ القانون بحق المزورين من بين الحاصلين على تلك الشهادات!. 
في لبنان أكثر من 13 ألف طالب عراقي، بينهم 1500 فقط مسجلون لدى الملحقية الثقافية في السفارة العراقية، في 12 جامعة لبنانية، أما الطلبة غير المسجلين فلن تتم معادلة شهاداتهم، حسب ضوابط دائرة البعثات في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ،إلا إذا استوفوا شروط المعادلة، ومن بينها الحصول على عدم ممانعة من دوائرهم  إذا كانوا موظفين. 
 
صورة لطلبة الدراسات العليا العراقيين في احدى الجامعات الايرانية
مراقبون يرون أن رغبة بعض المسؤولين العراقيين في الدراسة "عن بعد" خارج البلد تزايدت مؤخرا من أجل تسهيل تسنّمهم مناصب عليا ، حيث ان المادة 77 من الدستور العراقي تنص على أن يكون الوزير أو النائب حاصلا على الشهادة الجامعية، أو ما يعادلها، وتزامن تهافت المسؤولين على الحصول على الشهادات باسرع وقت ممكن مع انتشار جائحة كورونا، وإعلان العديد من الجامعات العربية والأجنبية عن تسهيلات كبيرة في شروط القبول والدراسة فيها من خلال الدراسة عن بُعد، بالاضافة الى تكاليف تلك الجامعات الرخيصة التي تقلّ عن أسعار الدراسة في جامعات خاصّة حتى داخل العراق وأسهمت التسهيلات المقدّمة للدراسة في الخارج لا سيما الدراسة عن بُعد في حدوث كثير من الخروقات، وفقا لمقرّر لجنة التعليم العالي والبحث العلمي السابقة في مجلس النواب العراقي، الدكتور طه حمد. 
 
صورة من الارشيف لطلبة دراسات عليا يتظاهرون وسط بغداد للمطالبة بتوسعة المقاعد الدراسية
 القانون العراقي لايجيز حصول بعض المسؤولين في الدولة العراقية على شهادات عليا خارج البلد وممارسة مهامهم الحكومية في آن واحد، ووفقا لتلك الضوابط  فانه يحتاج الطالب في الدراسات العليا إلى إجازة دراسية، ويجب أن يكون المسؤول مجازا رسميا من قبل الحكومة وتكون دراسته بعلمها، وما يقع خلافا لذلك وللأطر الرسمية يعد مرفوضا من الجهات الرسمية وتحديدا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. 
 
حينما يكون الحصول على الشهادات من الخارج سلعة يتاجر فيها فلا يتوقع الحصول على نتائج رصينة وعندما لا يكون الهدف من الشهادة العليا هو بناء شخصية علمية إبداعية مهنية تخدم البلد ففهذا يعني المزيد من الشهادات التي لاقيمة لها ، حيث ان الدراسة في الخارج فتحت الأبواب لكثير من المسؤولين العراقيين لشراء الشهادات لنيل مناصب عليا، تقيهم عناء هدر الوقت والقراءة والبحث ، فالعراق بات بلد المتاح السهل ، بعد ان تحولت بعض جامعات بلدان الشرق الأوسط إلى "دكاكين" لبيع الشهادات وحسب الطلب . 

لم يعد الأمر مقتصراً على نائب أو وزير يدفع مبلغاً كبيراً من أجل الحصول على لقب “دكتور” مزيف، فالأرقام التي نشرت عن عدد الشهادات المزورة الموجودة بالفعل تشير إلى انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير حتى بين اشخاص عاديين.

 ويؤشر هذا الملف الخطير فقدان الدولة السيطرة على ضوابط  الابتعاث والزمالات ، في ظل غياب القوانين التي تحدد انواع الشهادات والمطلوب من التخصصات التي يحتاجها البلد، ويعد شراء شهادة مزيفة عن طريق السماسرة اساءة كبيرة الى الدولة وفسادا يحطم خطط التنمية الخلاقة بعد تفشي مؤهلات زائفة تؤدي بالمحصلة الى انهيار المنظومة القيمية العلمية. 
يحدد بعض المراقبين أبرز أسباب توجه الطلبة العراقيين للدراسة في الخارج بقلّة عدد المقاعد الدراسية التي تحددها وزارة التعليم العراقي لكل جامعة، وكذلك  سياسة تعامل بعض الأساتذة العراقيين مع الباحث ، وافرز التدريس عن بُعد سبب خروقات علمية كبيرة، وسهّل على السياسيين والمسؤولين وغيرهم الحصول على شهادات عليا ،حيث أن نيل شهادة عليا من الجامعات العربية وغيرها يكون في متناول اليد وبكل سهولة، لما في ذلك من تسهيلات في منح الطالب شهادة أكاديمية من غير رصانة علمية بمستوى التخصص العلمي. 
 
  صورة للجامعة الاسلامية في لبنان
لم يعد الأمر مقتصراً على نائب أو وزير يدفع مبلغاً كبيراً من أجل الحصول على لقب “دكتور” مزيف، فالأرقام التي نشرت عن عدد الشهادات المزورة الموجودة بالفعل، سواء من الجامعات الوهمية أو بعمليات تزوير تتم في الداخل، وحصل أصحابها على وظائف حكومية، تشير إلى انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير حتى بين اشخاص عاديين . 
 جريمة التزوير واستخدام السند المزور، وبحسب القوانين العراقية عقوبته هي السجن لمدة لا تزيد عن 10سنوات، فضلاً عن اعتبار التزوير جريمة مخلة بالشرف ،حيث تناول قانون العقوبات العراقي جريمة التزوير في المواد 286 و 298 منه، ويقصد به تغيير الحقيقة بقصد الغش مادياً ومعنوياً، وأن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالمصلحة العامة.  
لكن لم نسمع او نقرأ عن ان القانون العراقي ووزارة التعليم العالي والمؤسسات المعنية وحتى الجانب اللبناني قد اتخذت اجراءات رادعة بحق من حصلوا على شهادات مزورة سهلة المنال من الجامعات اللبنانية مؤخرا، فالعراق، يشبه إلى حد كبير لبنان فسادا وترديا سياسيا ،  و"طمطمت" الدولة العراقية  الموضوع لان ثمة مسؤولين كبار متورطون  بهذه الملفات، وان اموالا بملايين الدولارات تدرها هذه العملية على حلقات وصل وعصابات من البلدين ضالعة بعملية بيع وشراء الشهادات المزورة  . 
 
صورة لطلبة دراسات عليا عراقيين في احدى الجامعات العربية
ان إحالة المتورطين والمستفيدين من شبكات وعصابات بيع الشهادات الجامعية المزورة ، واتخاذ العقوبات القانونية اللازمة بحقهم ، والغاء كل الشهادات التي أثيرت حولها الشبهات والصادرة من جامعات غير رصينة، وخصوصا بعض الجامعات اللبنانية ، تبقى مجرد مناشدات شعبية واكاديمية لاأذان تسمعها  وتصغي لها ، لان الارادة الحقيقية في محاربة الفساد والقضاء عليه مازالت غائبة عن الضمائر، مايعني مزيدا من الشهادات المزورة ومزيدا من المناصب العليا في الطريق  .

 

 

 

اختيار المحررين