بين الفطرة ودين الظنون تدهور الكون عبر العصور

36 مشاهدة
08:45 - 2025-06-10
فکر

تتراكم الأحداث عبر العصور، وتشهد الأرض والبيئة تغيرات هائلة قد توحي في ظاهرها أنها قد جلبت معها تطوراً وتحسناً، لكن الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أنها تفضي نحو الأسوأ. فالإنسان الذي كان يسعى في بدايات حياته للعيش بسلام مع الأرض والبيئة أصبح اليوم، وبسبب هذه التغيرات ، يعاني من نتائج سلبية تراكمت على مر السنين. فقد أضحت المخلفات تملأ الأرض، والجو غارق بالملوثات ، وارتفعت درجات الحرارة حتى أصبحت الأرض وكأنها قطعة من نار جهنم. هذه التغيرات لم تكن فقط انعكاسا لتغيرات حصلت في الطبيعة، بل كانت أيضاً انعكاسا لتغيرات في الجوهر ، انها صورة تعكس الخراب الذي حل في باطن الانسان ، في فطرته .

لقد بدأ البشر يبتعدون عن الصفات التي أودعها الله في فطرتهم، فالقيم السامية من النقاء، والرحمة، والتعاون قد تراجعت، وحلت محلها أخلاقيات العنف والفساد واللامبالاة. أصبحت القيم السلبية كالقتل والسرقة أموراً شائعة، بل قد يراها البعض حلاً مشروعاً لتحقيق مصالحهم. في مثل هذا الواقع، تتراجع إنسانية الإنسان ويغيب عنها كل ما هو طاهر ونقي.

ان السبب الرئيسي وراء ذلك ليس التغيرات المادية التي قد تترك آثارا عند البعض من البشر، وإنما غياب الدين الحقيقي الذي يمثله المعصوم الذي لا تخلو الارض منه في كل زمن ، والذي وظيفته تكمن في إعادة  الإنسان إلى فطرته التي خلقه الله عليها وإيصاله الى غاية خلقه بوسائل صحيحة وعقلية ومنطقية. فالدين الذي يعتمد الظنون  "دين الظنون"، والذي يستند إلى أكاذيب وافتراضات سطحية وروايات واحاديث تم تأويلها بآراء لم تقم على اليقين ، قد ضيع الطريق الصحيح وأدى بالبشر إلى الضلال.  فهو لا يقوم على يقين صادق، بل على خرافات وأباطيل تهدف إلى تحريف الحقيقة وإبعاد الإنسان عن معرفته الحقيقية بنفسه وبالعالم من حوله.وهكذا ، يصبح الإنسان بعيداً عن ذاته، غارقاً في مفاهيم سطحية لا تمثل جوهره ولا جوهر وجوده.

إن هذا الدين المزيف هو دين الفساد ، إنه عقيدة اللامبالاة بالأخلاق والاداب التي خلقت في الفطرة وجبلت عليها.  انه يعزز ثقافة الاغتراب عن القيم الإنسانية الحقيقية. فبينما يزعم الكثيرون أن هذا الدين يقدم للناس الأمل والنجاة، الا انه في الواقع يغذي أزمات داخلية وخارجية تجعل البشر يبتعدون عن جوهر وجودهم. 

إن الحقيقة تكمن في أن الإنسان يجب أن يكون قادراً على أن يعيش حياته وفقاً للمبادئ الالهية التي تدعو إلى العدالة والمحبة والاحترام المتبادل بعد ان يكون قد بنى نفسه بعلم الهي سماوي يرتقي به فطريا، بدلاً من أن يكون أسيرًا لمفاهيم الزيف التي تؤدي به الى الاضمحلال فكريا ونفسيا وهذا مانراه فيمن يدعي الدين حيث القتل و الارهاب وسفك الدماء ونهب الاموال بطريقة يشرعون بها لانفسهم القيام بذلك.

إننا إذا أردنا العودة إلى النقاء، يجب أن نبحث عن طريق يعيدنا إلى فطرتنا السليمة التي خلقنا وفطرنا  الله عليها، وأن نبتعد عن كل ما يشوهها ولاسيما الدين القائم على مفاهيم ظنية لا تقدم غذاءً صحيا للفطرة بل غذاءً فاسدا يمرضها على العكس من الدين الحق تماما . فالدين يأتي ليعزّز الإنسانية، لا ليطمسها. وهذا لن يتحقق إلا إذا استخدمنا كنزا عظيما مودوعا فينا وهو عقولنا وأعطيناها حقها ووظيفتها في التفكر والتأمل في أعمالنا وأفعالنا، وركّزنا على بناء نفوسنا بفكر يعترف بقيمة الإنسان دون الحاجة إلى تحريفات أو معتقدات سطحية.

إن التغيير الذي نعيشه اليوم ليس هو نتاج الظروف الخارجية الظاهرية ، بل هو نتاج ممارسات وأفكار مغلوطة بعيدة عن الحقيقة. فإذا أردنا أن نعيد الحقيقة إلى حياتنا وننشر السلام بيننا والنقاء الى كل ما حولنا، فلا بد من أن نعود إلى جوهرنا الأصلي، ونعيد للإنسان مكانته الحقيقية في هذا العالم بدين حقيقي لا تخلو الارض منه وظيفتك ايها الانسان البحث عنه بفطرتك التي تطلبه وتستضعف اليه.

اختيار المحررين