مبدعون في الذاكرة.. الباحث التراثي "رفعة مرهون الصفّار"

1105 مشاهدة
07:40 - 2023-10-20
ثقافة عامة

تقرير/ علي ناصر الكناني

رفعة مرهون الصفّار .. أديب .. وبــاحث تراثي عشـــق بغـــداد وأحــــــب  مجالسها الادبية ونقب محلاتها الشعبية  القديمة..!! 
 
هذه المرة كنا في ضيافة الأديب والباحث التراثي المُجد رفعة مرهون الصفار تولد عام /1929 الذي يعد واحداً من بين تلك الاسماء اللامعة والاقلام المبدعة ممن عرفتهم الساحة الثقافية والمجالس الادبية البغدادية منذ سنوات طوال ،من خلال تواصله الدائم في المشاركة والحضور بما يدور في اروقتها من مناقشات وطروحات فكرية وادبية وثقافية وحرصه في الكتابة عنها وتوثيقها ، الى جانب مساهماته الخاصة في القاء البحوث والمحاضرات عن الفلكلور والتراث البغدادي  الاصيل من خلال استضافته من قبل اصحاب هذه المجالس وروادها . 

الباحث الصفار في شبابه

مرهون الصفار .. 
 الوالد والاديب..  

_ كان والده المرحوم مرهون الصفار يعد هو الآخر من الادباء والشعراء المرموقين ايضاً آثرنا ان نسلط الضوء اولاً على جوانب من حياة ومسيرة هذا الاديب الكبير التي جاءت على لسان ولده رفعت الصفار حيث يقول: 
-كان والدي(رحمه الله) من مواليد عام 1895 في مدينة بغداد/منطقة تسمى(صبابيغ الآل) وقد تميز بكونه اديباً وشاعراً باللهجتين الفصحى والعامية،عمل بوظيفة (باش كاتب)/كاتب اول في محاكم  العمارة والفلوجة والسماوة وبغداد وكربلاء والنجف والحلة حتى بلوغة السن القانونية للاحالة الى التقاعد وذلك في خمسينيات القرن الماضي حتى وافاه الأجل عام 1962، وكانت والدته اي جدتي وتدعى(الملّه ملكه) قد اشتهرت في منطقة صبابيغ الآل بكونها (ملّه) تتولى تعليم الاطفال القراءة والكتابة، ولعلها كانت أوفر حظاًَ في الشهرة ومعرفة الناس بها من غيرها من النساء الاخريات ممن كنّ يقمن بنفس هذا  العمل..كما ان والدي قد اصدر العديد من الدواوين الشعرية لعل ابرزها ماكتبه عن ال البيت (عليهم السلام) وهو ديوان بجزئين اسمه(الدرر اللماعة في سبيل الشفاعة) اما  الجزء الثالث منه فما يزال مخطوطاً غير مطبوع..!!اضافة الى مساهماته الكتابية والادبية في صحف (الهاتف والبلاغ والبيان) وجريدة (الاخلاق) التي كان صاحبها الاديب عبد الرحمن الى جانب الحواريات والسجلات الشعرية التي كان يشارك فيها والتي كانت تدور بينه وبين بعض شعراء الفرات والعمارة.وقد تولى والدي مهمة تدريسي وتعليمي خلال سنواتي الأولى أي قبل دخولي المدرسة . حتى عام 1934 حيث دخلت مدرسة العوينة الابتدائية في بغداد. 
الصفار مهنة ولقب ..  
 ومن اين جاء لقب الصفار للعائلة ..؟ 

-جاء هذا اللقب لعائلتنا نتيجة عمل جدي ووالدي بمهنة الصفارة واشتغالهما بها لسنوات طوال في سوق الصفارين بعد انتقالهم من مدينة النجف الاشرف الى العاصمة بغداد في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي ولعلّ من باب الاعتزاز من قبل هذه  العائلة بالمقتنيات والمأثورات النحاسية القديمة فأن العائلة مازلت تحتفظ ببعض هذه المصنوعات النادرة في بيت العائلة الكبير . 
البدايات الاولى .. 
قلت للصفار لنعد الى بداياتك الاولى وانت تتخطى مراحل التعليم الاولى ، فعلت وجهه ابتسامة وكأن لسان حاله يقول لي: لقد اعدتني الى ذكريات مضى عليها اكثر من نصف قرن فقال:بحكم طبيعة عمل والدي الوظيفي في التنقل من محافظة الى اخرى تنقلت بين العديد من المدارس خاصة في مرحلة الدراسة الابتدائية حتى استقرارنا في مدينة النجف التي اكملت دراستي المتوسطة والاعدادية فيها وليتم قبولي بعد في معهد الصحة العالي ببغداد بداية الخمسينيات من القرن الماضي وكان من بين زملائي انذاك الدكتور محمد باقر بحر العلوم والدكتور حيدر ابراهيم .ثم تمّ تعييني كموظف في وزارة الصحة وبعدها في كلية الطب في جامعة بغداد لاعمل هناك مديراً للادارة حتى احالتي على التقاعد في بداية الثمانينات.. 


الصفار مع الصحفي الكناني

وكيف تنامى اهتمامكم الادبي والتراثي عبر هذه السنوات ؟ 
-كان للبيئة الثقافية والادبية التي قضيت فيها ردحاً طويلاً من سنوات عمري اثرها البالغ والمؤثر في توجهي الثقافي ومسيرتي الادبية والتراثية لكونها تعد مدينة العلم والادب والشعر وهي نفس المدينة التي عاش فيها والدي ونهل من منابع  فكرها وادبها الكثير وكان تشجيعه لي بمثابة عامل تطوير لامكاناتي الادبية من خلال ماكان يمليه عليّ من  توجيهات  ويعرضه من افكار ويختار لي الكتب التي تتناسب مع مداركي وقابلياتي بل كان في حواراته الادبية يأخذ بيدي مشجعاً فضلاً عن   الندوة الادبية التي كانت تعقد في دارنا في النجف ليلة الجمعة من كل اسبوع التي سميت (ندوة الخميس) وكان يحضرها الادباء والشعراء واهل الرأي امثال(الشيخ محمد رضا المظفر والشيخ محمد علي اليعقوبي والسيد محمود الحبوبي والكاتب والصحفي جعفر الخليلي وصالح الجعفري وابراهيم الوائلي وحسين مروة وعبد المنعم العكام ومسلم الجابري وعلي الخاقاني وكاظم الخطاط وغيرهم كثيرون .كل هذه مجتمعه كانت ذات تأثير مباشر في حياتي الاجتماعية والادبية وحبي واحترامي للادباء الذين لنا الفخر باننا  مع تقادم عمرنا كنا نسعى على مناهجهم منذ الاربعينات فقد كنا نستمع ونصغي الى الحوارات التي كانت تشدنا شداً الى التعليم والتثقيف فتأثرنا بعالم الادب وأهله .وأتابع بشغف ماكان ينشر انذاك في المجلات والصحف العربية والعراقية وماكان يصدره الادباء الرواد من مؤلفات ودواوين شعرية . 
بين الادب والرياضة
ماذا عن هواياتك الاخرى غير الادب والشعر..؟ 
- لا شك ان العمل الوظيفي والتزاماته ومتاعبه وحالة عدم الاستقرار لم تدع لي مجالاً كافياً لاشباع هواياتي الادبية مما حفزني بالانصراف عنها احيانا الى الرياضة التي حصلت خلالها على بطولة بغداد بكرة المنضدة التي نضمتها عمادة كلية الصيدلة عام 1946 وكذلك بطولة الزوجي في كرة الريشة عام 1958 التي نظمها نادي الشباب الرياضي وكذلك بطولة الملاكمة لثانويات الفرات الاوسط عام 1944.الى جانب ممارستي لالعاب القوى . وشاركت  في دورات عدة اقامتها جامعة بغداد باللغة الانكليزية وادارة الاعمال وحصولي على مرتبة متقدمة على اقراني فيهما . 
وعن من تاثر بهم من الشخصيات المعرفية والفكرية يضيف الصفار بقوله..
 ان من بين من تأثرت بهم من الاساتذة  كان الكاتب والاديب والصحفي الكبير جعفر الخليلي فقد كتبت عنه لاكثر من مرة اضافة الى القائي محاضرات عنه وقد كنت اتابع قراءة كتبه وكتاباته في صحيفة الهاتف الاسبوعية التي كان يتولى رئاسة تحريرها . اذ كان يمتلك دماثة خلق عال وصاحب نكتة ويحب المقالب والممازحات البريئة التي كان يتقبلها هو الآخر برحابة صدر حين تحصل معه . 


محلات بغداد..اسماؤها اصولها … 
انت تناولت كباحث وكاتب جانباً من التراث البغدادي وعنه تحدثت في كتاباتك وبعض مؤلفاتك ومنها بعض المحلات البغدادية التي عاصرتها وعشت فيها..نرجو ان تحدثنا عن ذلك، 
- لاشك ان هناك اتصالاً وثيقاً بين كتاب التراث الشعبي والتاريخ ، لان المؤرخ  يعتمد على كتب التاريخ القديمة اما الباحث في مجال التراث فانه يستقصي الاخبار والاحداث  من  منابعها او من الاشخاص المسنين اضافة الى المصادر المكتوبة . فعلى سبيل المثال لا الحصر، ماهي علاقة محلة (الدهانة والهيتاويين) وهما محلتان متجاورتان فنجد ان الباحث في التراث الشعبي قد وجد صلة وثيقة بينهما حيث علم ان اهالي الدهانة كانوا يعصرون السمسم لعمل دهن الشيرج وتصنيعه. والسمسم كان يأتي من مدينة هيت والمناطق المحيطة بها ، ولان السفر والترحال كان فيه شيء من الصعوبة  وعدم الارتياح مما اضطر بعض اهالي هيت ممن يعملون في هذا المجال الى استئجار دور لهم بالقرب من محلة الدهانة والسكن فيها وهكذا جاءت هذه التسمية لمحلات قديمة مازالت تحتفظ بها حتى يومنا هذا . 
شذرات من مسيرته الابداعية 
بدا التفرغ لعمله الادبي بعد احالته الى التقاعد في الثمانينات من القرن الماضي لتحقيق جانباً مما كانت تصبوا اليه نفسه ورغبته في حب الادب والمجالس والحوارات والنقاشات التي اثارت فيه رغبة جامحة اخرى بالاتجاه لادب الاطفال والكتابة عنهم ولهم . وكما يقول.. من خلال دار ثقافة الاطفال انذاك حيث ألفت وترجمت عدداً من الكتب التي تولت طبعها ونشرها هذه الدار ومنها :الدب سامر واصدقائه والانهار سر الحياة والشاعر المجد علي الشرقي والافعى وغيرها. الى جانب (24) قصة مترجمة بتصرف عن  الانكليزية. وكتاب آخر اسمه (انت والاجهزة المنزلية).ثم اتجه الى التراث فاصدر كتاباً بعنوان(محلة صبابيغ الآل وما جاورها) تناول فيه التكوين  العمراني والسجل التاريخي والاجتماعي عن حياة وقيم وصور ، اضافة الى الدور النضالي السياسي الذي عاشته المنطقة متناولاً اسماء ابرز الشخصيات والعلماء والمفكرين  والاقتصاديين والصناعيين وذوي المهن الطبية ومن تولى الامر من وزراء وحكام وعسكريين ومحامين واصحاب المهن الحرة والكسبة .. كما اصدرت له دار الشؤون الثقافية كتاباً اخر بعنوان (محلات بغدادية قديمة في الذاكرة )تناول فيه المحلات (باب الآغا -الشورجة-الدهانة.راس القرية -سوق الغزل -العمار سبع ابكار-القشل- الهيتاويين -صبابيغ الآل-الصدرية-الآتون-سراج الدين -الدوكجية -بني سعيد-الكبي- الكولات- فرج الله )اما تحت الطبع فلديه الان كتاب يحتوي هذه المحلات مضافاً اليها محلات اخرى هي التكية -التوراة -قنبر علي-سوق حنون الكبير - سوق حنون الصغير - الست هدية -الخالدية -الكبيسات -البوشبل-طاطران-ابو دودو- ابو سيفين..وكذلك لديه مساهمات وبحوث عديدة في الصحافة اليومية والمجلات . وساهم ولايزال في العديد من المجالس الادبية والمنتديات الثقافية بين ادارة ومحاضر وحضور  ومن هذه المجالس:مجلس ال الشعر باف -ال محي الدين- الحاج حمدي الاعظمي -مكتبة ابو حنيفة- الحاج جاسم  الربيعي- الخاقاني -المخزومي -شرقية الراوي-نادي العلوية - نادي اشور بانيبال -نادي الصيد - نادي الفروسية -منتدى  بغداد الثقافي العائد الى امانة بغداد .
الى جانب ماشهدته داره العامرة من ندوات ثقافية كانت تعقد مساء كل ثلاثاء وكان يحضرها العديد من الشخصيات الادبية والفكرية وقد توقفت بعد ذلك بسبب الاوضاع السياسية في وقتها . 


مبدعة من بيت الصفار..!   
*بقي ان أن نقول ونحن نهم بمغادرة منزل هذا الباحث والاديب البغدادي الاصيل ان هناك مبدعة اخرى في عائلة الصفار هي الدكتورة  ابتسام مرهون الصفار شقيقة الاستاذ رفعت التي تناولها بقلمه في بحث طويل نشره في احد المصادر الفكرية المهمة التي تناولت العديد من الشخصيات الابداعية العراقية والتي هي الاخرى شغلت العديد من المناصب العلمية المهمة في العديد من مؤسساتنا وجامعاتنا  واعيرت خدمتها للتدريس في العديد من الجامعات في الدول العربية ولها العديد من المؤلفات الاسلامية والادبية واللغوية واشرافها على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه، اذ حصلت خلال مسيرتها العلمية على العديد من الشهادات والجوائز التقديرية العالية . وكم كنا نتمنى تحقيق فرصة اللقاء بها والكتابة عنها الا أنها الآن تواصل مسيرتها العالمية خارج حدود الوطن العزيز منذ سنوات لتكون مدعاة لفخر واعتزاز لعائلتها ولوطنها ولنا نحن جميعاً ..

اختيار المحررين